ثورة الحرية


رغم مرور ما يقارب ستة عشرشهراً على أنطلاق الثورة السورية ، ما زالت هذه الثورة المباركة تعبرنفقاً مظلماً لا ترى نهايته حتى إن أكثر المتفائلين لا يستطيع أن يرى النور في نهايته، لماذا طال أمد الثورة لتكون الأطول عمراً بين شقيقاتها اللواتي خرجن من رحم الربيع العربي؟،سؤال ليس من السهل الاجابة عليه لكني سأحاول أن أضع الأحداث في سياقها وفي إطارها الزماني علي أنجح في المساهمة في وضع النقاط على الحروف لعلها تقودنا الى إجابة.
تؤثر عوامل عدة في مسار الثورة وتلقي بظلالها عليها وتقع هذه العوامل ضمن بيئات ثلاث ( المحلية والاقليمية والدولية)، ففي البعد المحلي تنقسم الأدوار بين ثلاثة لاعبين ايضاً هم: النظام السوري الحاكم والمعارضة السورية والحراك الشعبيي.
وصل حزب البعث الى الحكم في عام 1963 من خلال إنقلاب عسكري قاده مجموعة من الضباط، إنقلبوا عالى الوحدة الثنائية بين مصر وسوريا مخالفين بذلك اهم مبادئ وشعارات حزبهم ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)،فبدل أن يحافظوا على تلك الوحدة ويصوبوا مسارها ويزيلوا ما علق بها من خطايا وأدران ويجعلوا منها اللبنة الأساس في بناء وحدة عربية ناضجة كاملة قوضوا أساس تلك الوحدة. إنشغل الانقلابيون لسنوات عدة في صراعات وتصفيات شخصية قادة في النهاية ان يتملك الرئيس السوري حافظ الأسد وعائلته ومقربيه وزبانيته رقاب السوريين مستفيداً من ايديولوجية حزب البعث الشمولية الاقصائية والتي لا تحترم الآخر ولا تقر له بحقوق حتى اًنهم جعلوا منه القائد للأمة والشعب في المادة الثامنة من الدستور لسنين عدة قبل أن يتم تعديله ضمن ما يعرف بمهزلة الإصلاحات.
إستفادالرئيس السوري أيضاً من خبرته العسكرية كطيار سابق في سلاح الجو السوري ثم قائداً لذلك السلاح ثم وزيراً للدفاع قبل أن يصبح رئيساٌ للجمهورية من خلال ما أسماها الحركة التصحيحية وهي في رأي الكثيرين حركة ظلامية إنقلابية، فأعاد تشكيل القوات المسلحة السورية وتطوير عقيدتها القتالية( وهي مأخوذة عن عقيدة الجيش الأحمر السوفييتي الجيش الذي دافع عن الثورة البلشفية والتي كان من مخرجاتها دكتاتورية لينين وستالين) ، لقد نجح حافظ الأسد أن يجعل من الجيش السوري والذي اطلق عليه حماة الديار جيشاً للنظام في مراحله الأولى ثم جيشا مدافعاً عن أسرة . مهمة الجيش في أي دولة في العالم أن يدافع عن أرض وماء وسماء الوطن ليحفظ إستقلاله وسيادته، ولكن الجيش السوري مجبراً ام بإختياره حول مهمته الى الدفاع عن الرئيس الأسد، ونجد بطولاته تمثلت تاريخياً وحتى هذا اليوم ب " قتل البشر وهدم الحجر وقطع الشجر" ، أي جيش في العالم يقتل الشعب الذي يدفع تكاليف رواتب منتسبيه وطعامهم وشرابهم وكسائهم. كما قام الأسد بتأسيس خمسة عشر جهازاً أمنياً تحصي على السوريين أنفاسهم وتتنافس في ما بينها في ظلم وإضطهاد الشعب السوري إثباتاً لولائها للنظام والحاكم ودفاعاً عن فسادها وللحفاظ على مصالحها، كما أسس ما عرف بطلائع البعث والتي خرج من رحمها غالبية ما يعرف بالشبيحة . لقد إتسمت فترة حكم الأسدين بإصدار المراسيم التي تكرس حكم الأسرة والفرد وترفعه فوق المضان ،حتى وصل الأمر بزبانية النظام والمتسولين على أعتابه والمتنافسين على إلتقاط فتات موائدة بتعديل الدستورخلال خمس دقائق ليسمح لفريد زمانه ان يكمل مشوار أبيه في ظلم وإذلال السوريين . هذا كله وغيره الكثير ساعد على إختزال حزب البعث ومؤسسة الحكم السوري إن وجدت في شخص الرئيس الملهم وحاشيته وكانت النتيجة الحتمية ما يجري على الساحة السورية الآن.
ممارسات الأسد الأب في إحتكار الحياة السياسية، وعدم تقبل وجود أحزاب أخرى،لم يعني ذلك على الدوام إستئصال الأحزاب الأخرى، لكنه لم يمكنها في أي وقت من العمل في المجال العام بحرية. فلا تستطيع عقد إجتماعات علنية، ولا إصدار صحف خاصة بها بحرية وعليها أن تتحسب كثيراً في نقد النظام القائم. وبعد أن إستولى حافظ الأسد على السلطة ، أنشاء عام1972 جبهة وطنية تقدمية ضمت شيوعيين وناصريين، ولكنة اصدردستوراً جعل من حزب البعث القائد للمجتمع والدولة مما جعل الجبهة الوطنية اطاراً للموت السياسي لا للحياة السياسية لتلك الأحزاب، أما الأحزاب التي ارادت أن تبقى حية مستقلة وجدت نفسها مسوقة الى الاعتراض على النظام، وهذا أفضى بها الى السجون وهو الشكل الآخر للموت السياسي، فيما الغرم الأكبر وقع على الاسلاميين حيث تعرضوا للقتل والتشريد وصدر القانون 49 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي للاخوان المسلمين. هذا جعل سوريا بلا حياة سياسية وبلا احزاب.
بعد توريث الحكم من الأب الى الابن اُفرج عن سجناء الأب ،خرجوا الى عالم تبدل كثيراً سياسياً وإقتصادياً وأيديواوجياً وتكنولوجياً،هذا يعني أن ما بات يطلق عليه منذ تفجر الثورة السورية بالمعارضة التقليدية يضم التنظيمات ذات الأصول اليسارية والقومية العربية والاسلامية ، وهي معارضة تتميز بكبر السن لقادتها وبالتحرك ضمن الأطر الفكرية والتنظيمية المتوارثة عن فترة الحرب الباردة، فالمعارضة السورية لا تزال اسيرة ماضيها، كما أصابها بعض من أمراض النظام نفسه، فنجد الأنانية والمحسوبية والصراعات الشخصية تعلو على مصلحة الوطن وتسمو فوق دماء الأطفال والنساء، لذا تعاني المعارضة السورية من الإنقسام وصعوبة في التواصل مع الجيل الشاب وتطلعاته ومطالبه. رغم ما مرت به المعارضة السورية وما تمر به الآن فإنه لا يعفيها بل يجعلها مسؤولة مسؤولية رئيسة عما يعانيه الشعب السوري، عليها أن تتجاوز خلافاتها الايدولوجية والقفز فوق المصالح الشخصية والحزبية والتحدث تحت سقف الوطن، فالدولة السورية تسير على طريق الضياع، والنظام السوري يمهد تلك الطريق، لأنه يعتبر نفسه أهم من سوريا فسوريا بدون بشار وأزلامه لا تستحق البقاء، هكذا يظنون .
أما العنصر الثالث واللاَعب الأهم في البعد الداخلي فهو الشعب السوري الجريح ممثلا بالحراك والذي تمدد أفقياً وعاموديا ، ولا يملك الاَ إرادته الحرة وتصميمه على الوصول الى الدولة المدنية مهما كان الثمن ، والجيش السوري الحر بعديده وعتاده القليلين ولكنه يٌجملهما بالوطنية والالتزام في الدفاع عن أهله. إن الإرادة والعزيمة لا يكفيان لمواجهة آلة البطش والقتل، لذا فلا بد من تأمين وسائل الدعم المادية والمعنوية عربياً ودولياً .
أما الدائرة الثانية وهي الدائرة الإقليمية فإن مواقفها تتباين تبعاٌ لمصالحها وظروفها، فإيران تجد في النظام السوري حليفاً إستراتيجياً وممراً آمنا يوصلها بحزب الله ، لذا فهي مع النظام دفاعاً عن مصالحها، كذلك العراق التي ينطلق موقفها الداعم من املاءات ايرانية ونظرة طائفية ضيقة وحساسيات أمنية،أما لبنان فإن تأثير حزب الله واضح للعيان في القرار السياسي الرسمي فيما قوى 14 آذار تدعم الثورة. إتخذت دول مجلس التعاون الخليجي موقفا داعماً للثورة ولكنه لم يترجم الى فعل حقيقي بسبب التقاطعات الدولية والإقليمية ، وما زال الموقف الأردني يتلمس طريقه لإتخاذ موقفاً واضحاً من الثورة السورية لأن الأردن محكوماٌ بعوامل عدة محلية وإقليمية ودولية وضغوطات الجغرافيا السياسية، أما دول الربيع العربي فلديها مايكفيها من تحديات تشغلها ولو جزئياٌ عما يجري في سوريا، فيما يعكس موقف الجامعة العربية الموقف العربي الضعيف، دعمت تركيا العدالة والتنمية الثورة السورية إنطلاقاٌ من مصالحها وإحتضنت العديد من المؤتمرات الداعمة للثورة ومؤتمات المعارضة السورية ولكن مواقفها الداعمة بدأت تخبو بسبب ضبابية الوضع الراهن وعدم التيقن من المآلات التي ستؤول اليها الأحداث،أما إسرائيل والتي يتفق الجميع فيها على ضرورة تدمير الدولة السورية لكنهم يختلفون حول الموقف من أهمية النظام السوري لأمن إسرائيل وينقسمون بين مؤيد لسقوطه وداعماٌ لبقائه،

أما الدائرة الدولية فإن موقف كل من أمريكا والدول الأوروبية نابع أصلاٌ من مصالحها وإلزام نفسها بالدفاع عن حقوق الإنسان والتحديات الخاصة بكل دولة ومنها "الانتخابات الأمريكية وأزمة اليرو وخروج ساركوزي من قصر الأليزية" يبقى داعمتاٌ للثورة ولكن هذا الموقف يبقى محدد بالموقف الروسي المدافع عن آخر موطئ قدم له في منطقة المياه الدافئة وعن آخر حليف عربي بعد سقوط نظام القذافي ، ومحاولاٌ الوقوف في وجه التمدد والهيمنة الغربية، و إثبات أنه لا يزال قوة عظمى ولو على حساب الدم السوري، فيما يبدو الموقف الصيني غير مفهوم الآ من مقربة عدائه للحركات التحررية خوفاٌ من تأثر الأقليات الصينية خاصة المسلمة منها بالربيع العربي.
كل ذلك أدى الى إطالة عمر الثورة السورية خاصة في ظل معرفة النظام السوري لكل هذة التناقضات، ولكن التاريخ علمنا أنه لا يمكن لأي رئيس أن يقفز فوق سوريا الجغرافيا والتاريخ والحضارة، فدمشق هي المكان الطاهر الذي اتخذ منه قرار الفتوحات الاسلامية حت وصلت خيول العرب الى جبال البرنس غرباً والى ما وراء النهر شرقاً، عندما كان في سدة الحكم من يرعى مصالح الأمة ويعدل بين الرعية، وأبناء سوريا اليوم هم أحفاد تلك الأجيال.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات