تموت الحرة ..


تموت الحرة ولا تأكل بثدييها. قيل هذا المثل قديماً في المرأة التي تضحي بالغالي والنفيس دفاعاً عن شرفها، ولست في موقف سرد حكاية هذا المثل لضيق المقال، ولكنه يستحضرني وأنا أشاهد وأسمع كل يوم عن بعض منتهزو الفرص، وصيادوها، بحجة الولاء و الانتماء، نسمع عن المتبرعين لخزينة الدولة، فأحدهم تبرع ب 10 دنانير من راتبه لمدة ستة شهور، وآخر عرض أبنائه للبيع لصالح الخزينة بالرغم من عدم وجود مشتري في هذه السنين العجاف، ومجلس النواب الموقر تبرع - على خجل- ب 15% من راتبه لصالح الخزينة لمدة ستة أشهر، وأجزم أن عمره سينتهي قبل أن تنتهي الستة شهور، وكذلك مجلس الوزراء، وقادة الجيش، حتى وصل الحال بنائب آخر للمطالبة بالتبرع ب 15% من رواتب الموظفين لصالح الخزينة.
إذا دل هذا على شيء أنما يدل على حالة التردي وسوء الحال التي وصلت إليه البلاد والعباد، فأي هيبة للخزينة وصاحب الولاية العامة عليها، أن يستجدي التبرعات من الشعب المثقل أساساً بكل شيء؟!! وأي حال من الوضع المأساوي الذي أوصل (الخزينة) إلى أشبه ما يكون بالإفلاس؟!!، وأين ذهبت مقدرات الوطن وضرائبه؟!!، فالمواطن الأردني يدفع العشرات إن لم يكن بالمئات من الضرائب المختلفة، حتى عادت بعض الضرائب تدفع تحت مسمى (ضريبة على الضريبة).
أن قليلا من التمعن في سياسة الاستجداء والبكاء والعويل على وضع البلاد والعباد هي آخر السياسات (العصرية) التي يتبعها الأردن ألان، ويجب أن يُمنح رئيس الوزراء المبجل براءة اختراع على هذا النموذج العصري من (أعالة) المواطن للدولة، ولا أستبعد أن تتبع الحكومة سياسة الأرقام الفردية والزوجية، بحيث يمنح الموظف الذي ينتهي رقمه الوطني برقم فردي رواتب الأشهر الفردية من العام فقط ، وكذلك الحال بالنسبة للزوجي.
ختاماً: يا رئيس الوزراء، لقد أفقدتم الوطن هيبته، والدولة اتزانها بهذه السياسة، وإذا أردت القول الفصل في دعم الخزينة، فما عليك سوى البحث عن مصادر أخرى أكثر نضجاً وهيبة وأخلاق، وإعادة فتح ملفات الفساد، وإكمال إعلان رئيس الوزراء السابق الذي أعلن أن هناك حيتان الفساد خلف القضبان قريباً، وعلى ما يبدو أن الحيتان قد التهمته قبل أن يلتهمها، فغادر الرئاسة دون أكمال مشروعه، وعليك أتمامه، واعتقد أن تجفيف منابع الفساد أول هذه المصادر، والتسريع في إجراءات القضاء في قضايا الفساد للبت فيها مصدر آخر، بحيث تعاد إلى الخزينة المسروقات والمنهوبات بالسرعة القصوى بدل أن تضيع في أدراج المحاكم، وكذلك العودة إلى الشركات التي تم خصخصتها لاستعادة البعض منها، وإيجاد مخارج قانونية لإعادة سلطة (الخزينة) عليها، وترشيد الإنفاق والبذخ والمياومات، و(تجفيف) وتقليص (أسطول) السيارات الحكومية في كراجات رئاسة الحكومة والوزارات، وابدأ بنفسك ووزرائك وكبار رجال الدولة، فأسطول السيارات الواقف في كراج رئاسة الوزراء لوحده كفيل بأن تعتاش منه 20 أسرة أردنية من الأسر التي تسمونها العفيفة وأنا أسميها (المنتعل سنسفيلها)، والسيارات التي تخدم مدام معالي الوزير، وترسل ابن معاليه على روضته، وابنته على المسبح، وزوجته على الكوافير، وغيره كثير.
خلال الأسبوع المنصرم مررت من أمام وزارة الزراعة لأكثر من مرة، ولاحظت اصطفاف سيارة الوزير أمام الوزارة ليلاً، وعند الاستفسار، أخبروني أن وزير الزراعة أمر سائقه بإعادة سيارته الرسمية إلى كراج الوزارة بعد نهاية الدوام كل يوم، ومن مساء الخميس إلى بداية دوام الأحد، وكذلك العطل الرسمية، في حين يستخدم سيارته الشخصية خارج أوقات العمل الرسمي. فما أحوجنا إلى أن يقتدي الوزراء والأمناء العامون والمدراء العامون والمحافظون والمتصرفون وكبار الضباط العسكريين من مختلف الاجهزة وكل من يستلم منصباً عاماً، أن يقتدي بمعالي الوزير. وكفاكِ - حكومتنا الرشيدة- استجداءً ممن لا حول له ولا قوه، فالخزينة الحرة تموت ولا تأكل من شعبها (المنتعل سنسفيله) أصلاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات