أنا أم السرطان؟؟


في بداية مقالتنا نتوجه بالتحية والإكبار لهؤلاء الذين يقاومون الإحتلال الصهيوني بأمعائهم الخاوية، وتزداد لديهم حلاوة الحرية، وإشتياقهم لها، كلما إزدادت أمعائهم الخاوية شوقاً إلى الطعام، من نشد على أياديهم، ونتمنى لهم نور الحرية عن قريب، كما نحيي كافة الشعب الفلسطيني الصامد في ذكرى نكبة الأمة، وإحتلال أرض فلسطين في 15/05/1948م، فكل التحية والإكبار لهؤلاء الصامدين الصابرين في كل مكان.

لن نتحدث اليوم عن ذلك الواقع المرير لدور رعاية الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة في بلادنا، والذي كشفه تقرير شبكة أريج للصحافة الإستقصائية الأخير، والذي أدمى قلوبنا وعيوننا كما غيرنا الكثير، ولكننا نحيي تلك الصحفية المبدعة حنان خندقجي، وفريق مؤسسة أريج الصحفية بأكمله، ونخص مديرة المؤسسة الكاتبة الصحفية رنا الصباغ، والتي عرفنا تميزها منذ لقائنا الأول بها في العام 2004م، مستشارة للتحرير في صحيفة الغد حديثة التأسيس آنذاك.

كما لن نتحدث ايضاً عن خيبة أملنا النووية، بالعالم النووي الذري معالي د. خالد طوقان "إذا ما صح التسجيل الصوتي الأخير المنسوب إليه"، والذي يتحدث فيه عن معارض له بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها "معيبة"، ذلك الرجل الذي طالما كان وزيراً للتربية والتعليم، والتعليم العالي، وكنا نضرب المثل به، وبعلمه، هل يعقل أن تخرج منه ألفاظاً كتلك التي سمعناها، ونعود ونقول "إذا ما صح التسجيل" عندها نقول لمعاليه: سامحك الله يا معالي الوزير، يا من تخرج على يدك أجيال وراء أجيال، فليست المناصب من يعطينا القدر والإحترام، وتجعلنا فوق البشر، ولكننا نحن من نعطي المناصب الإحترام والتقدير، عندما نكون أهلاً لها بأخلاقنا قبل علمنا، وشكراً لكل "زبال" في بلادنا حمل قاذوراتنا، وتحملها، وستر محتوياتها يوماً.

ودعونا الآن نعود لعنوان المقال، والذي نعلم بأنه ربما يدخل الحيرة والإستغراب لدى بعض القراء الكرام، متسائلين عن ماهية العلاقة فيما بيننا وبين مرض السرطان؟ ولكن قراءة بقية سطور المقال، ستكون كفيلة بإيضاح الأمر، وإزالة أي بقايا لشك أو إستغراب.

في معركة الحياة، نواجه معارك وصعوبات مختلفة، ننتصر أحياناً، فترتسم إبتسامة عريضة على وجوهنا، ونعيش عندها نشوة الإنتصار، وفي أحيان أخرى نتلقى هزيمة مؤلمة، لنتيه بعدها في ظلمات الهزائم، والأحزان، إلى أن يشاء الله، ترى ماذا سيكون شعور أحدنا لو واجه حكماً بالإعدام يوماً؟ سؤال غريب بالتأكيد، وبعيد كل البعد عن تفكيرنا، لكنه تماماً كمن يسأل ماذا سيكون شعور أحدنا لو واجه حقيقة أنه مصاب بطاعون العصر "السرطان" يوماً؟ وأن أيامه في هذه الحياة باتت معدودة؟

كانت إبنة عمي 18 عام قد أصيبت بالسرطان، تقول إحدى الفتيات، وقرر الأطباء إستئصال الطحال، وتم إستئصاله، ولكن السرطان سرعان ما إنتشر في البطن، لكنها كانت قوية، كانت تقرأ من القرآن الكريم على نفسها، وكانت تقول دائما لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وتعايشت مع المرض، وأكثرت من الرقية على نفسها، وبعد ستة أشهر ذهبت للمستشفى للمراجعة الدورية، فقال الطبيب أين فلانة؟ فقالت أنا فلانة، إنبهر الطبيب، وقال يستحيل ذلك، لقد إختفى السرطان!! والتقرير الموجود أمام عيني يقول أن أيامك معدودة، فقالت له: وأيهما أصدق التقرير، أم مدبر الكون العزيز القدير؟ عندها أطرق الطبيب رأسه، وطلب كشف آخر، وعمل الكشف والفحوصات، وكانت سليمة تماماً، وتزوجت إبنة عمي بعدها بأقل من سنة، بل ورزقت بولد أيضاً بفضل الله تعالى.

لا تستغربوا الأمر، فقد كان الكشف عن مرض سرطان الثدي حتى العام 1975م يعني إستئصال الثدي بكامله، ولطالما أشار الأطباء إلى أهمية الكشف المبكر عن الإصابة بهذا المرض، لما في ذلك من مساهمة كبيرة في إمكانية الشفاء من المرض، وهذا ما تؤكده وسام أبو عقل التي إكتشفت دون سابق إنذار أمر إصابتها به، لكنها تسلحت بالعزيمة والإرادة، وأصرت على قهر المرض، والتغلب عليه، وتسرد السيدة رحلتها مع المرض، فتقول "كنت واثقة بأنني لم أكن مريضة، لكنني تقبلت الأمر"، وتسترجع ما مر عليها من مشوار طويل مع سرطان الثدي، قائلة بحزم: "كنت بالأربعينات من عمري، وقد وصلتني من قبل صندوق المرضى الذي أنتسب إليه دعوة للحضور إلى عيادة خاصة، لإجراء فحص لسرطان الثدي، وهو فحص إعتيادي مجاني لمن تجاوزت الخمسين، ولكنني وافقت على إجراء الفحص، والذي من خلاله حصلت على صور الأشعة التي لم أعيرها أي إهتمام"، أذكر أنني ذهبت إلى الطبيب أنا وإبني وشقيقتي، والذي أخبرني بأنني أحمل المرض"، وعن بداية العلاج قالت السيدة: "أخبرني الأخصائي المعالج أنه سيجرى لي إزالة لهذا المرض، وليس عملية إستئصال للورم، تقبلت فكرة العلاج، ولم أمنح أي شخص الفرصة بأن يلاحظ أي ضعف على جسدي، وأذكر جيداً أن شعري بدأ يتساقط بقوة، حيث دخلت الحمام ذات يوم، وبدأت أزيل شعر رأسي بيدي، وطلبت من إبنتي يومها أن تحضر لي مرآة صغيرة لكي أزيل بقية شعري، لأنني لا أريد أن يتساقط وحده، وقمت بشراء (باروكة) جميلة، ولبستها بعد خروجي من الحمام، لكي أبرهن لجميع أحبائي بأنني هنا أتنفس معكم، وأعيش لأجلكم، وقد كان الجميع من حولي بحالة ملل، وحزن، لكنني قمت دائماً بإرسال رسالة إطمئنان لهم مفادها بأنني سأتعافى بإذن الله"، وتضيف: "مرت علي سنة وسبعة أشهر من العلاج المتواصل، وكان علي أن أبقى قوية، وصبورة، وآمنت أنه ليس بالأمر السهل أن نقاوم هذا المرض وعلاجه إلا بالإرادة والإيمان بقدرة الله على شفائي، وعن شفائها تحدثت بفرح شديد: "بعد فترة علاج مؤثرة، أعلن الأطباء عن شفائي، وأجري حاليا فحصاً سنوياً للمراقبة فقط، فقد شفيت بإرادة الله، وهذا يدل أن الاكتشاف المبكر للمرض يمنح إمكانية الشفاء العاجل والناجع، وأنا لم أعد أذكر فترة العلاج، فقد أزلتها تماماً من ذاكرتي، واليوم أنا إنسانة تحب الحياة، وتواظب على نظام غذائي سليم، تمارس الرياضة، ومؤمنة بقدرة الله".

ليس هذا فحسب بل أن هذه السيدة أصبحت اليوم بطلة لفيلم وثائقي إسمه "باب إلى الحياة" تطل من خلاله على الجمهور، ولكن ليس لتمثل، وإنما لتروي قصتها الحقيقية مع المرض، لعلها تبعث بارقة أمل للآخرين.

ونذكر هنا بعض الحقائق الهامة عن مرض السرطان (صادرة عن منظمة الصحة العالمية)، فهناك أكثر من 100 نوع من السرطان يمكنها أن تصيب أي جزء من أجزاء الجسم، كما يحدث أكثر من 70% من مجموع وفيات السرطان في البلدان المنخفضة الدخل، والبلدان المتوسطة الدخل، وأنواع السرطان الخمسة الأكثر شيوعاً في جميع أرجاء العالم، والتي تفتك بالرجال بالدرجة الأولى (حسب نسبة حدوثها) هي: سرطان الرئة، وسرطان المعدة، وسرطان الكبد، والسرطان القولوني المستقيمي، وسرطان المريء، أما أنواع السرطان الخمسة الأكثر شيوعاً في جميع أرجاء العالم، والتي تفتك بالنساء بالدرجة الأولى (حسب نسبة حدوثها) فهي: سرطان الثدي، وسرطان الرئة، وسرطان المعدة، والسرطان القولوني المستقيمي، وسرطان عنق الرحم، ويعتبر تعاطي التبغ من أكبر مسببات السرطان التي يمكن تلافيها بشكل واسع على الصعيد العالمي، كما يمكن علاج ثلث حالات السرطان، إذا ما تم الكشف عنها في مراحل مبكرة، وعلاجها على النحو المناسب، ويمكن تسكين آلام جميع المرضى من خلال تطبيق المعارف الراهنة في مجالي الرعاية الملطفة، والتخفيف من الألم، كما يمكن توخي 40% من حالات السرطان بالحرص أساساً على عدم التدخين، وإنتهاج نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني، وتوخي أنواع العدوى التي قد تسبب السرطان.

وفي الختام ربما كانت معايشتنا لمعاناة أعزاء على قلوبنا مع هذا المرض، وآخرين كثيرين ممن توفاهم الله، وآخرين غيرهم يعانون منه اليوم وهم أحياء، شجعتنا على كتابة هذه السطور، لعلنا ننجح في تحويل ألمنا إلى أمل للآخرين، ونضئ شمعة في ظلام حالك، أو نأخذ بيد من تاه، وهو يبحث عن بارقة أمل، سائلين المولى عز وجل الرحمة والمغفرة لمن فارق هذه الحياة بسبب هذه المرض أو غيره، والشفاء لمن إبتلاه الله بهذا المرض، ومازال يعيش معاناته، ونتمنى على هؤلاء التسلح بالصبر واليقين بالشفاء بإذن الله، وعدم السماح لليأس بالتسلل إليهم، للظفر بالفوز في النهاية بإذن الله، إذا ما واجهنا السؤال الصعب يوماً، ترى من يكون الغالب؟ أنا أم السرطان؟

قال الله عز وجل: ((وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) سورة يونس الآية 107، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أَذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللَّه بها من خطاياه)) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد.

وقالوا قديماً: إذا ضاق الزمان عليك فإصبر ولا تيأس مع الفرج القريب، وطب نفساً بما تلد الليالي عسى تأتيك بالولد النجيب.

عافانا الله وإياكم من هذا البلاء وأبعده عنا جميعاً، وأكرم كل من إبتلاهم الله به بالشفاء التام والراحة الدائمة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات