ماساة ذوي الاحتياجات الخاصة وتطبيق برامج الشراكة


التقارير الصحفية التي تناولت سوء معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة كان لها وقع الصاعقة سواء على المستوى الشعبي او الرسمي. وكانت الاستجابة السريعة من صاحب الجلالة لمتابعة القضية من خلال الزيارة الميدانية لبعض هذه لمراكز للتاكد من صحة هذه التقارير وكانت الدهشة وغضب الملك واضحا من خلال رسالته للحكومة بالتحقيق في الموضوع ووضع الحلول لان هذه التصرفات تتنافى واخلاق المجتمع الاردني. الغضب الملكي انطلق من مبدأ بسيط وهو ان كل البرامج والمشاريع التي تنفذها مؤسسات الدولة تهدف في النهاية الى زيادة رفاهية ابناء الوطن وليس الى زيادة بؤسهم.
ساتناول تحليل الموضوع من خلال رؤيا اقتصادية اذ ان الخدمات العامة تقدمها الحكومة ليستفيد منها افراد المجتمع ودخلت برامج الشراكة بين القطاعين الى تقديم هذه الخدمات انطلاقا من الفلسفة الاقتصادية التي ترى بان هذه الخدمات يجب ان يساهم في تقديمها القطاع الخاص لما في ذلك من معالجة لمشكلة عجز الموازنة من جهة وزيادة حجم الاستثمار الكلي في الاقتصاد. هذه البرامج تنطلق من مبايء على درجة عالية من الاهمية للمحافظة على النمو الاقتصادي في الاجل الطويل واستمرار تدفق الخدمات العامة.
ان كلا القطاعين يختلفان من حيث الهدف فالقطاع الخاص يهدف الى تحقيق الربح وهذا حق مشروع لمن يملك راس المال اما القطاع العام فهو ينطلق من مبدأ ان الخدمة هي حق للمواطن ومن هنا جاءت برامج الشراكة للتوفيق بين الهدفين من خلال ضمان تحقيق الربح العادل للقطاع الخاص وحصول المواطن على الخدمة بجودة عالية واسعار معقولة. الا ان هذه البرامج في المملكة تدار من قبل هيئة مستقلة عن الوزارات والمؤسسات الحكومية وان التنسيق يتم بينها وبين بعض الوزارات التي تقدم خدمات عامة لجمهور عريض في المجتمع اما الوزارات التي تقدم خدماتها الى جمهور محدود من المجتمع فلا يوجد هذا التنسيق. وبالتالي فان كوادر القطاع العام العاملة في هذه الوزارات لا تعلم عن برامج الشراكة شيء ومطلوب منها ان تنفذ هذه البرامج تحت مسميات تشجيع الاستثمار وغيرها من المسميات.
ففي حالىة خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة كانت الخدمات العامة لهذه الفئة من الرعاية الصحية والتعليم والتاهيل تقدمها الدولة منفردة ويشاركها بعض الهيئات التطوعية والتي تتلقى الدعم الحكومي. الا ان دخول برامج الشراكة ومنظومات تشجيع الاستثمار ضمن السياسة العامة للدولة الى دخول القطاع الخاص لتقديم الخدمات لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك الى قطاعات اخرى كالتعليم والصحة والحماية وغيرها. ولكن السؤال كيف تم بناء هذه البرامج من قبل وزارات ومؤسسات حكومية لا يتوفر فيها الكوادر المدربة والمؤهلة للتعامل مع برامج الشراكة وليس فيها اصلا وحدات ادارية لبرامج ومشاريع الشراكة. وهنا احاول ان اصف بالضبط كيف تمت العملية وعلى النحو التالي:
1- يتقدم القطاع الخاص بطلب انشاء منشأة لتقديم الخدمة العامة.
2- يتم دراسة الطلب من قبل فريق في الوزارة يكلفه الوزير او الامين العام وهذا الفريق من مديريات مختلفة في الوزارة وليس لديه اية دراية بموضوع الخدمات العامة وكيفية بناء الشراكة مع القطاع الخاص لتقديم هذه الخدمة.
3- يتوصل الفريق الى انه لاتوجد تعليمات في الوزارة تسمح للقطاع الخاص بالقيام بتقديم هذه الخدمة ويتم التوصية باصدار تعليمات تسمح للقطاع الخاص بتقديم الخدمة تحت ذريعة تشجيع الاستثمار.
4- يتم اعداد نعليمات باشاء المرافق الخاصة لتقديم الخدمات العامة من قبل كوادر حكومية ليست على دراية بالموضوع ويتم اصدارها بالجريدة الرسمية.
5- يتم الترخيص للقطاع الخاص بانشاء المرفق بموجب هذه التعليمات وتبدأ المشاكل.
هذا السيناريو المكون من خمسة تقاط ليس تخيل وللاسف انه الواقع الذي يجري في المؤسسات الحكومية ولكن ما يهمنا هو ما ينتج عن هذا التطبيق حيث اغفل هذا التطبيق عناصر اساسية تقوم عليها برامج ومشاريع الشراكة بين القطاعين وهي:
1- سعر الخدمة العادل والذي يحقق الربحية للمستثمر ويستطيع المواطن دفعه.
2- جودة الخدمة التي يتلقاها المواطن نتيجة الحصول على الخدمة.
ان اغفال هذه النقاط سوف يؤدي الى سيادة الاسعار غير العادلة والتي تحقق الربح الفاحش على حساب جيوب المواطن وقد تصل في بعض مناطق المملكة الى حد الاحتكار التام وكذلك انخفاض جودة الخدمة المقدمة حيث يترتب على سياسة تحقيق اعلى ربح ممكن استخدام كوادر غير مؤهلة ومنخفضة الاجر للاستفادة من تدني اجور هذه الفئة وزيادة هامش الربح وكذلك خفض النفقات التشغيلية الاخرى كالاجهزة التي يحتاجها ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك انخفاض نوعية الغذاء والرعاية الصحية التي يحصلون عليها. هذه المشاكل تنشأ لانه لم يتم التفاوض بين الوزارة المعنية والقطاع الخاص عليها نظرا لجهل الكوادر العاملة في الوزارة باليات برامج الشراكة وعدم التمييز بين السلع العامة والسلع الاخرى وخصوصية التعامل مع السلع العامة.
هذا الوقائع هي التي ادت الى حصول هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق فئة من المجتمع هي احق بالرعاية وواجب الدولة ان تمكنها من الحصول على حقوق المواطنة التي كفلها الدستور. وان اية نتائج للجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة بامر من جلالة الملك لا تشخص الموضوع بطريقة موضوعية لن نستيطيع ان نعالج مشاكل خطيرة ناتجة عن تطبيق برامج الشراكة وبرامج تشجيع الاستثمار وبرامج تسهيل انسياب السلع. هذه المشاكل للاسف موجودة في مجتمعنا ولكن لا نسمع عنها لانها لم تحضى بتقرير صحفي يكشف حقيقتها وخاصة انها تتعلق بغذائنا وصحتنا.
وفي النهاية فانه لا يمكن ان نلوم موظفي القطاع العام في الوزارات والمؤسسات الحكومية فقط وانما يقع اللوم كذلك على عاتق القائمين على برامج التنمية الاقتصادية وبالاخص برامج تشجيع الاستثمار والشراكة بين القطاعين لان هذه البرامج ليست من اختصاص وزارة او جهة حكومية واحدة وانما جميع الوزارات الحكومية لان جميع الوزارات الحكومية تقدم خدمات عامة وهي معرضة لطلب المستثمرين لتقديم خدماتها للمجتمع. وبالتالي فانه يجب ان تكون في كل وزارة او مؤسسة حكومية وحدة ادارية معنية بالاستثمار والشراكة بين القطاعين وان يتم تدريب كوادر هذه الوحدات على التعامل مع هذه البرامج ومتطلباتها وشروط انشاء المشاريع الخاصة التي تقدم الخدمات العامة وان يتم مراجعة العقود او التراخيص من قبل هيئة مركزية وهي الجهة المسؤولة عن برامج الشراكة في المملكة وبما يضمن السعر العادل لطرفي المعادلة وجودة الخدمة التي يتلقاها المواطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات