البيت الفلسطيني المنتج للكهرباء حلم يقتله أدعياء الواقعية


بلغت نسبة البيوت الفلسطينية التي تعتمد على الطاقة الشمسية في تسخين المياه إلى ما يقارب أل 70% من إجمالي عدد البيوت الفلسطينية مما يعني توفير ما يقارب سدس إجمالي قيمة فاتورة الطاقة المدفوعة من جيوب الشعب الفلسطيني لقاء تزوده بها من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على إمداداتها على اختلاف اشكالها

ولعل سعة انتشار تلك السخانات تبررها الحاجة الماسة للتوفير ومحاولة الاعتماد على الموارد الطبيعية في الحصول على الطاقة فكون فلسطين تقع في منطقة الحزام الشمسي وعدد الأيام المشمسة يقارب الثلاثمائة يوم من أيام السنة جعل تلك التقنية تتطور ويتزايد الطلب عليها نظرا لجدواها الاقتصادية وأهميتها في توفير مبالغ طائلة من المال على مدار عقود من الزمن

وقد تطورت صناعة السخانات الشمسية في فلسطين وتعددت المصانع المنتجة لها- بعد أن كانت تستورد من السوق الإسرائيلي قبل عشرات السنين-فنشأت صناعة محلية أمكن لها أن تستوعب عددا كبيرا من العمال وأعدادا اكبر من الفنيين الذين يقومون بتركيب تلك السخانات داعيك عن التجار الذين كان لهم دور كبير في تسويقها من خلال توفير اللوازم لتركيب تلك الأنظمة مما ساهم في انتشارها على نطاق واسع ومنذ بدأ استخدام تلك السخانات فان ما حكم السوق هو قواعد العرض والطلب مما ساهم في رقي تلك الصناعة وتطورها واستمرارها بل تحسن أسعارها حتى أصبحت في متناول اليد

وكون التجربة الفلسطينية رائدة في استخدام الشمس كمصدر أساسي لتسخين المياه حيث تتبوأ فلسطين مركزا متقدما بين مختلف دول العالم في استخدام تلك التقنية التي لا فضل لأحد فيها سوى سعي الشعب الفلسطيني للتحرر من تبعيته للمحتل ومع ازدياد الطلب على الطاقة بجميع أشكالها ومواصلة ارتفاع أسعارها بمعدلات كبيرة فأسعار الكهرباء في فلسطين مرشحة للارتفاع الحاد بعد توقف توريد الغاز المصري لإسرائيل وبعد إعلان الأخيرة أنها سترفع أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية حتى قبل ذلك نشأ تحد جديد للشعب الفلسطيني بضرورة الحصول على الطاقة وتحديدا الكهرباء من مصادر جديدة حيث أننا لا نملك منشآت وطنية لتوليد الكهرباء ونحصل على حاجتنا منها من الدولة التي تحتل أراضينا فكان لابد من تأمين مصادر بديلة لها غير معتمدة على الاستيراد من شبكة الكهرباء الإسرائيلية بشكل أساسي لكي نحقق جزءا من أمننا الطاقي الذي سيجعلنا اقرب للحرية والانعتاق من الاحتلال الذي يعتبر السبب الأساسي في تخلف معظم صناعاتنا حيث أن تكلفة الطاقة عندنا تعتبر من أعلى المعدلات العالمية علما بان جارتنا اللدود تعتبر من دول العالم الأول ونحن نصنف من دول العالم الثالث بمعنى أننا ندفع فاتورة الطاقة بأسعار دول العالم الأول وننافس بمنتجاتنا دول العالم الثالث

فكميات الكهرباء التي نستوردها من إسرائيل اليوم والتي لا ننتج منها شيئا يذكر ونستهلك ما يقارب ال60 % منها في استخداماتنا البيتية تدفع السلطة الوطنية الفلسطينية ثمنها مقدما للمزود الاسرائيلي من الاموال الفلسطينية التي تحتجزها اسرائيل وتحصلها على شكل ضرائب وجمارك على البضائع الفلسطينية المستوردة بحسب الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي

ولان الحصول على الكهرباء من الشمس أصبح ممكنا باستخدام تقنية الألواح الكهروضوئية كونها احد ابسط الطرق واهم البدائل لإنتاج الكهرباء في فلسطين وكون معظم شرائح الشعب متوسطة الدخل وغير قادرة على إقامة مشاريع اقتصادية كبرى فان التوجه نحو إنتاج الكهرباء المنزلية أصبح حاجة ملحة ويمكن اعتباره المشروع الوطني الأكبر والأضخم على مستوى الأراضي الفلسطينية سواء على المستوى الفردي أو العام حيث تقوم فكرته على أساس أن يستثمر كل مواطن قادر على شراء معدات الإنتاج وان يزود الشبكة بالكهرباء على قاعدة التقاص مع الشبكة باستخدام (مفهوم القياس الصافي ) وهو احتساب فارق الانتاج مع الاستهلاك ودفع ثمن الفارق للمزود مما سيعمل على توفير فاتورة الطاقة الكهربائية الاجمالية المدفوعة للجانب الإسرائيلي ويرسخ مفهوم التوفير في استهلاك الطاقة حيث أثبتت الدراسات العالمية أن كل كيلووات موفر من الطاقة تبلغ كلفته ربع كلفة الإنتاج دون تحميل الخزينة أي تكاليف مادية إضافية مقابل ذلك لا بل رفدها بوفر مالي يساهم في تنمية باقي القطاعات الهامة في المجتمع الفلسطيني وفي حال تطبيق الفكرة على أسطح المباني الحكومية والعامة فان معظم تلك المباني ستصنف كمصادر دخل حيث ستوفر مبالغ استهلاكها من الكهرباء لا بل ستصبح محطات توليد صغيرة منتشرة على امتداد الوطن

مما سيحد من هدر الطاقة الشمسية الضوئية الساقطة يوميا على الأراضي الفلسطينية ويخلق آلاف فرص العمل للشباب الفلسطيني من الجنسين و يفتح الباب على مصراعيه لاستغلال الطاقة الشمسية من قبل كل مؤسسة ومواطن ويجعل الجميع شركاء في العمل على تحرير قطاع الطاقة الفلسطيني

وعلى الرغم من وجود مبادرة شمسية فلسطينية جيدة قامت على إعدادها الجهات المختصة في الحكومة إلا ان افق الحلم الفلسطيني اعلى بكثير من حدود تلك المبادرة كون الحاجة الى الكهرباء في تزايد مضطرد ولا يمكن أن تقف عند حد ومن غير الممكن أن يتم وضع الخطط المستقبلية بالاعتماد فقط على التمويل الخارجي علما بأن تلك المبادرة تهدر فرص الاعتماد على الموارد المحلية في تنمية قطاع حيوي كقطاع الطاقة و تعطل فرص الاستثمار لصغار المستثمرين وتفتح الأبواب لبيع قطاع الطاقة لشركات كبرى مما سيجعل حالنا كالمستجير من النار بالجمر

ولعل الواقعية السياسية التي حملتها تلك المبادرة في طياتها -والتي نحاول أن نتفهمها- لا تستطيع أن تقنعنا نحن البسطاء أن الانعتاق من التبعية للاحتلال في مجال الطاقة ممكن دون بناء حقيقي لكل قطاعات الإنتاج في المجتمع وبالاعتماد بشكل اساسي على القدرات الفلسطينية الحقيقية الموجودة على الأرض دون محاولة ربطها بالحصول على مساعدات دولية لبنائها كونها قدرات ناضجة وعلى مستوى كبير من القدرة على الارتقاء بنفسها ومجتمعها

فواقعية الظرف السياسي لا تنفي ضرورة البناء والتطور لكل مركبات المجتمع والتحرر لن يأتي بين ليلة وضحاها ولن ينزل على رؤوسنا بمنطاد من السماء وعليه فلابد من التركيز على إمكانات الفلسطينيين في رسم خطاهم المستقبلية ونهجهم التحرري الذي يجب ان يبنى على أساس اعتمادهم الحصري على مقدراتهم وقدراتهم وإصرارهم على التحرر

إن إنتاج الكهرباء المنزلية على نطاق واسع سيجعل كل ربة بيت فلسطينية شريكة حقيقية في صناعة المستقبل لأبنائها وبناتها بالاعتماد على مساحة من سطح منزلها وقليل من مدخراتها وكثير من اصرارها وصبرها الذي عودت عليه العالم حتى ارتبط النضال باسمها عند معظم الشعوب

وستصبح السيدة الفلسطينية التي تربي دجاجاتها وتزرع محيط بيتها بخضارها البيتية -وهي التي قطعت اللقمة عن فمها لتربي أبنائها- قادرة على توفير مبالغ اضافية لتعليمهم وكسوتهم وستتشارك هي والشمس في اعادة رسم الحلم بمستقبل مشرق لا يحده افق ولا يمكن تغطيته بغربال

مستشار قطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة
اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات