استعداد لرحيل مبكّر .. !!


شهدت الأيام القليلة الماضية حديثاً حكومياً تمهيدياً مكثّفاّ عن حزمة إجراءات وقرارات اقتصادية قاسية تعتزم الحكومة اتخاذها، وتقضي برفع الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن عدد من السلع والخدمات، وهو حديث ليس مستغرباً ولا مستهجناً بقدر ما هو مخيف ومرعب..!
أَمّا أَنه مستغرب فلأنه يشي بأن الحكومة إما أنها لم تقرأ مضامين كتاب التكليف السامي ومحاوره الرئيسة جيداً، أو أنها لا تريد تنفيذه والعمل بمقتضاه.. وفي كلا الحالين يبقى الأمر مستغرباً ومستهجناً، مما يُفقد الحكومة مبررات بقائها واستمرارها في حال إصرارها على اتخاذ قرارات سوف تُلحق أذىً بليغاً بشرائح اجتماعية عريضة من المواطنين، فالملك أفرد محوراً خاصاً في كتاب تكليفه للرئيس الطراونة تحدّث فيه عن خطط وسياسات اقتصادية مدروسة تُخفف أعباء الظروف الاقتصادية التي يواجهها الأردنيون، موجّهاً الحكومة إلى مراعاة جملة المطالب الشعبية الاقتصادية التي وصفها الملك بأنها "عادلة" وأنه يقف إلى جانبها.. كما دعا الحكومة إلى ضرورة بلورة سياسات اقتصادية وتنموية يكون محورها الأساس المواطن.. وإلى محاربة الفقر وفق أفضل الممارسات العالمية وبما يحفظ كرامة المواطن ويحقق له مستوى لائقاً من العيش الكريم.. إضافة إلى حمايته من آثار التضخم في الأسعار والخدمات وتآكل الدخول...!! فهل نسيت الحكومة الموقرة هذه المضامين والتوجيهات الملكية التي شكّلت أحد أهم محاور كتاب تكليفها بالولاية العامة في الدولة..؟!! إذا كانت الحكومة لا تريد أن تعمل بمقتضى كتاب التكليف الملكي، فمعنى ذلك أنها تسعى إلى التعجيل برحيلها قبل الأوان، وهذا الرحيل سوف يكون مصحوباً بموجة تأييد وضغط ملكي وشعبي بلا حدود..!!

أما أن الوضع مخيف ومرعب، فلأن أوضاع الناس وظروفهم المعيشية صعبة بالأساس، ولا ينقصهم مزيد من الإجراءات والقرارات التي يمكن أن تسهم في تضييق الخناق عليهم.. فشريحة الفقر تتسع كل يوم بل كل ساعة، والضغط النفسي المصاحب للفقر ومصاعب الحياة يزداد ويضغط على أعصاب الناس بشدّة، والحراكات الشعبية لا تزال تتصاعد، والاحتجاجات على طمر ملفات الفساد وطمس آثارها لا تزال في أوْجِها، وإذا كان الحديث عن عجز كبير في الموازنة، فإن الشعب ليس هو المسؤول، وليس هو منْ يجب أن يدفع الثمن "هذا إذا كان ثمة لديه ما يدفعه"، بل يجب أن يُلقى بالمسؤولية على المتسببين في تعاظم هذا العجز، وعلى السياسات الاقتصادية التي ثبت أن الكثير منها لم تكن ملائمة ولا ناجحة، وعندما يعلن وزير المالية أن كلفة هيكلة رواتب القطاع العام بلغت (400) مليون دينار، فهذا يؤشّر على إخفاق هذا المشروع الذي لطالما تغنّى به وزير تطوير القطاع العام خليف الخوالدة، وهو الذي تم ضمه، مع الأسف، لحكومة الرئيس الطراونة على الرغم من الأزمات الخانقة التي تسبّب فيها مشروعه العتيد منذ بدايات عهد الحكومة السابقة، وأدّى إلى إنهاك الموازنة بهذا المبلغ الكبير الذي لم تفصح عنه الحكومة السابقة بل أفصحت عن ربعه في حملتها لتسويق ذلك المشروع، والذي لم تكن نتائجه مُرضية للغالبية العظمى من موظفي القطاع العام بعد أن انحرف عن مساره الصحيح، وفي تقديري كان هذا الملف سبباً رئيساً في ترحيل الحكومة السابقة بعد أن "لخبط" أولوياتها..!! فهل يُكافأ مثل هذا الوزير بإعادة تكليفه بالوزارة أم يُساءل على ما اقترف وفجّر من أزمات عمّت أرجاء البلاد.. حتى رأينا موظفي القطاع الخاص يقلّدون موظفي القطاع العام في إضراباتهم واعتصاماتهم ومطالباتهم برفع الأجور وهيكلة الرواتب..!!؟
أيتها الحكومة الرشيدة.. كوني رشيدة حقاً، وليس صحيحاً أن الحكومات لا تبحث عن شعبية حتى تكون رشيدة، بل لا بد لها أن تكون حكومات شعبية.. حتى تكون أكثر رشداً وأكثر إقناعاً للناس، وأكثر قدرة على تنفيذ قراراتها وسياساتها بسلاسة.. أما الحكومة التي لا تتصف بالشعبية فأولى بها أن ترحل..!!

أما الدرس: فما من عالقة إلاّ ولها ذائقة، شائقة كانت أم "فالقة"..!!

Subaihi_99@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات