نسخة طبق الأصل


قد يخطأ من يظن أن هناك اختلاف فقط بين الشارع المحتج والمؤمن بمطالبه وبين الحكومات المتسلسلة، كون الاختلاف بأصوليته الذاتية يشكل اختلافاً منهجياً متوارياً عن أهداف ومنهج الإرادة الشعبية رغم أنه يتمتع بمقصد واحد، ولكنه مازال بحاجة لأن يستند إلى دليل عملي متبلور في تحقيق ما لم يتم تضمينه في الأشهر الطويلة المتتالية التي بدأت بها الحراكات الشعبية. ولأننا نتابع يومياً التحركات الاجتماعية الشعبية المنبثقة من الإرهاق المتزايد على كاهل الفرد، وبنفس الوقت نتابع التوتر في مساحة الفرص الحكومية، فبتنا عندها ندرك أن هذه الحالة من التطابق بين المجتمع وبين الإرادة الحكومية هو ليس اختلاف نهائياً بقدر ما هو خلاف واضح متجلي. فالاختلاف والخلاف على نقيد واسع. فكوننا مختلفون لا يعني أبدً أننا لسنا على خلاف أيضاً مع الحكومة وبرامجها. كونها أي الحكومة تصدر دائماً بناءً على الاختلاف الحاصل بينها وبين المطالبات الشعبية. وهذا هو مكمن الخطأ المصيري، كونها متجاهلة عن عبث أو عن قناعة أن الخلاف وليس الاختلاف هو بيت القصيد. فالمجتمع لا يريد تكهنات وبرامج ديماغوجية عبثية فقط، بقدر ما يكون المجتمع بحاجة لخطوات عملية فورية من الحكومة القادمة للتخفيف قدر الإمكان من حيثيات وخبايا القرارات المعدومة السابقة التي توارثتها الحكومات القياسية المتتالية امتداداً من فترة بدء الحراكات المتدفقة والمتزايدة والتي لم تؤمِّن لها الحكومات المتوترة حتى اليوم أدنى متطلباتها الأساسية التي أثارتها.

فالخلاف الحاصل بين المجتمع الممثل إما بحركاته أو حِراكاته أو حزبيته أو فرديته، نتج عن تعاظم الخلاف وليس الاختلاف على طبيعة اتخاذ الترتيبات اللازمة من قبل الحكومة الممثلة ببرامجها وأشخاصها وما بين الاحتياجات المتزايدة لطلب الإصلاح ومكافحة الفاسدين بالتزامن مع تأمين عناصر القواسم المشتركة بين فئات المجتمع.

إذاً فإن الاختلاف أمر ليس ملزم بحل القضايا بقدر ما يكون البحث وراء نقاط الخلاف ومحاولة حلها، فهو – أي الاختلاف – يشكل تيارين يتفقان من حيث المبدأ ولكن يختلفان عن بعضهما من حيث الأسلوب فقط. أما الخلاف هو ما يحمل في مضمونه النزاع والشقاق والتباين الحقيقي بجوهر الهدف ولأنه خلاف في أسس ونهج تحقيق الوسائل والغايات. فالصراعات الخلافية هي مكبوتة في نفس صاحبها وتكون إما مكونة بسبب النقص, أو الحاجة, وتدفع صاحبها إلى الانفصال عن الذي لا يلبي له أدنى أسباب نشوء خلافه. وكون الاختلاف يمكن حله ومحاولة تصويبه إلا أن الخلاف لا يمكن أن يكون كذلك إلا بالبدء بالبحث عن أسباب ومكمن الخلاف وإيجاد حل جذري ليصل إلى نقطة الاختلاف ومن ثم العودة إلى مبدأ الحل والتصويب. ذلك كون الكثير والمتعدد في أوجه الخلاف لا يمكن إدراكه إلا من خلال البحث وراء أسبابه ووجوده. ويجب هنا على الفرد أن يكون شريكاً أساسياً في عملية التفكير، مع خصمه أو خصومه في حل النزاع والخلاف.

إن منهجية حل الخلاف يمكن لها أن تكون جزءاً أساسياً لعملية تطور ونمو المجتمع فهي التي تستند بشكل أساسي وجوهري على أن كل طرف من الأطراف المختلفة في الآراء يملك جزءا أساسيا لا غنى عنه من أجزاء الحقيقة الغائبة والكاملة, ولا يمكن لتلك الأجزاء من أن تكتمل إلا من خلال البحث عن جوهر الخلاف بعيداً عن البحث عن الاختلاف والالتفاف حوله.

في الحقيقة نحن بحاجة لإدارة منهجية للخلاف بطريقة منطقية حقيقية واقعية لا تستخف بالطرف الآخر المشارك والمكون الأساسي للخلاف, وأقصد هنا معالجة الهوة الواسعة بين ما تحمله الحكومة من أفكار من جهة , وبين ممارستها لتلك الأفكار على أرض الواقع من جهة أخرى, ومن ثم نحتاج إلى إدارة الاختلاف مع الآخرين, وأعتقد أن أهم خطوة على الإطلاق يجب أن نخطوها بغية تحقيق ذلك تتمثل في نهضة شاملة واعية ترتكز في سلم أولوياتها على مراجعة أساليب الانتقاء السليم لمبحث الحل في الخلاف، وليس استبدال القائم بما هو موجود. فهناك بدائل كثيرة متوفرة في استحداث حلول بعيدة عن خلق نسخة متشابهة تقليدية لخلق نفس القائم ليحل مكان الموجود. وكون الفرد الأصل مهمشاً ومستبعداً في مشاركته وتعبيره عن أسباب خلافه، وعن شرح نظرية خلافه، فسنبقى تحت مظلة حل الاختلاف دون الخلاف، الأمر الذي سيزيد من بقاء المنطقة في حالة توتر كامل يشل الحياة الاجتماعية كونها منشغلة في البحث عن بديل عن القائم والموجود ليلبي لها احتياجاتها كون القائم والموجود هو نسخة لنسخة طبق الأصل عن ما سلفه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات