السلطة التنفيذية تتغول على بعضها


كل كتب التكليف الموجهة لأصحاب الدولة رؤساء الوزارات، ركزت على ايلاء موضوع فصل السلطات وعدم تغولها على بعضها أهمية كبيرة، وفي الحقيقة لا تشكل هذه القضية كبير أهمية، فحدود كل سلطه غالبا ما تكون واضحة، وتحتاج كل من السلطات الثلاث للتعاون فيما بينها للقيام بمهامها، وتستطيع السلطة التنفيذية في أي وقت رغبت أن تحصل ما تريد من السلطتين الأخريين، باستخدام أدواتها التقليدية وبدون كثير عناء، وتظهر الأمور للعيان عادية، وبدون أي مشاكل أو مناكفات.
إلا أن المشكلة الأكبر هي بتغول مؤسسات السلطة التنفيذية على بعضها البعض، فلو نظرنا إلى الترتيب الهيكلي الرسمي المعلن للدولة، نجد أن الملك على رأس السلطات الثلاثة، وأن رئاسة الوزراء على رأس كل مؤسسات الدولة التنفيذية، أما الواقع فبعيد عن هذه المعيارية، فرئاسة الوزراء شاءت أم أبت تتبع لدائرة المخابرات، فأهمية الاستشارة من دائرة المخابرات للقصر، تفوق أهميتها كل معطيات التخطيط والتوجيه القادمة من رئاسة الوزراء، وتسيطر أيضا مؤسسة الديوان الملكي على الصوت الثاني من أصوات اتخاذ القرار، والتي تعتبر من الأهمية بدرجة اكبر من رئاسة الوزراء وقبلها دائرة المخابرات العامة، فإذا كانت هذه المؤسسات الثلاث، تعتبر المؤسسات السيادية لاتخاذ أي قرار، يمس أي ناحية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعي أو أمنية في البلاد، يبقى قرار الترجيح بيد الملك، والذي غالبا يكون قراره ميال لصالح الاستشارة الأمنية واستشارة رجال الديوان، ودائما تتحمل رئاسة الوزراء عبء المسؤولية عن هذه الاستشارة، من واقع تحمل مسؤولياتها الدستورية.
فرئاسة الوزراء مؤسسة مطلوب منها تنفيذ الخطط الأمنية، والموافقة على الاستشارات المقدمة للملك، ووضع آلية تنفيذ في ضوء الإمكانيات المتاحة للدولة، التي تشرف على إعداد الإحصائيات لها بشكل دائم، لوضع المخططين وأصحاب الاستشارات بصورة المستجدات، للتدهور المالي الذي وصلت إليه البلاد، حتى لا يشطح الخيال بالمستشارين لتقديم استشارات تترجم إلى رغبات ملكية، تعجز الحكومة عن تنفيذها، فتنقلب الأمور إلى وعود ملكية لم يتم الوفاء بها، ولا احد يعلم من المسئول عن عرقلة تنفيذها.
فتشكل كل من هذه الأقطاب قوة تدفع باتجاه مغاير للأخرى، في صراع عنيف للاستئثار بالسلطة ورسم السياسات العامة للدولة، والضحية في نهاية المطاف المواطن البسيط، الذي يجد نفسه ينظر إلى حلبة صراع تستنزف مقدرات البلاد، فالاحتجاجات الشعبية بدأت منذ انطلاقها، تضع دوائر حمراء على أسماء ورموز كانت تتمتع بصلاحيات واسعة في هذه المؤسسات المتصارعة، فهناك مدير مخابرات سابق يقبع في السجن، وأخر يتحدث عن بطولات تزوير انتخابات، ورؤساء وزراء سابقين كل منهم يتحسس رأسه، ورئيس ديوان سابق يعلق اسمه على اللافتات في كل مسيرة احتجاجية، والمصيبة الأدهى أن هناك أشخاص مقربين من هذه الأقطاب الثلاث تثار حولها الشبهات، ليس لهم أي موقع وظيفي في إدارة الدولة، ولكل منهم سهمه في الاستشارة أو التأثير في القرارات.
وفي مثل هذه الظروف يصعب التصديق بإمكانية التوصل إلى حلول ممكن أن ترضي الحراكات الشعبية، التي يعتبر جوهر مطالبها الوصول للسلطة من خلال مجالس نيابية منتخبة، تفرز حكومة شعبية قادرة على إدارة البلاد وإخراجها من أزمة الإدارة بالرغبة والمكرمة، التي أسفرت عن تعثر التقدم وأغرقت البلاد في مديونية يتحمل كل فرد من أفراد المجتمع نصيبه منها.
فهل ستقبل المخابرات وصول الإرادة الشعبية للسلطة، ليتراجع دورها ويحجم، وهل سيقبل المستشارين في الديوان الملكي بوصول الإرادة الشعبية للسلطة، ليكون دورهم وظيفي بحت، فإذا كانت الإجابة بنعم، بعد ذلك نتوقع من الملك انه سيقرر أن تدار البلاد من خلال مؤسسات رسمية، وإلا فالمسيرة ستتقدم خطوة وتعود أخرى.

kayedrkibat@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات