فن ذوق اخلاق


عبارة قديمة لطالما ترددت على مسامعنا و كثيراً قرأناها على الملصقات و علىسيارات تدريب السواقة و ترددها محطات الاذاعة و التلفزة كل يوم حيث تم تخصيصها هنا للسواقة فقط.

كلمة فن تتكون من حرفين فقط الا أن معناها أوسع مما يتخيل البعض و ربما فاق تفسيرها سعة أكبر الكتب و إذا أدرجنا السواقة ضمن قائمة الفنون فقد جعلنا من كل سائق سيارة فنان بما تحمله الكلمة من معنى أي أنه إنسان مرهف الحس لديه قدرة على الإبداع بإمكانه أن يقدم لمجتمعه عملاً فنياً راقياً و هذا غير صحيح و لا يتماشى مع الواقع أبدا.

أما بالنسبة للذوق فهي صفة لا تخرج عن دائرة الأخلاق و الفضائل التي يجب أن تكون مغروسةً في نفس كل إنسان سواء كان سائقاً أو عاملاً أو غيره من فئات البشر غنيهم و فقيرهم كبيرهم و صغيرهم فالذوق صفة أساسية و عنصر هام في عملية تفاهم الإنسان مع محيطه بكل ما فيه من أشخاص أو نباتات أو جمادات و حتى الحيوانات و تعريف الذوق في مفهومي الخاص أنه مجموعة من الاداب و الاخلاق و الفضائل التي تشكل الطريقة النموذجية لتفاعل الإنسان مع كل ما يحيط به في حياته و مجتمعه.

وعوداً على ما بدأت به حديثي و بعد سنوات طويلة و مشاهدات كثيرة جداً في طرقاتنا و أسواقنا و على إشارات المرور و التقاطعات و الأرصفة و الميادين و من خلال مراقبة حثيثة لطريقة تعامل السائقين مع بعضهم البعض و مع المارة و تعاملهم مع كل عناصر الطريق توصلت الى نتيجة محبطة جداً جداً و للأسف حيث لم أجد فناً و لا ذوقاُ و لا أخلاق باستثناء نسبة بسيطة جداً من أولئك الملتزمين المتحضرين ممن يحترمون الاخرين و يحترمون أنفسهم و يلتزمون باداب السواقة و اداب الطريق و القوانين الناظمة للعملية المرورية التي على الجميع أن يتقيد بها حرصاً على سلامته و سلامة الاخرين.
الشواخص و إشارات المرور و اللوحات الارشادية و ممرات المشاة و الأرصفة و غيرها لم توضع و من أجل تزيين جنبات الطرق و تجميل المدن و إنما وضعت لتنظيم حركة سير المركبات و المشاة و من أجل منع الفوضى و حماية الأرواح اذا ما تم التقيد بالتعليمات على أصولها.

والأهم من ذلك كله وجود وازع داخلي لدى السائق يردعه عن القيام بالمخالفة و يمنعه من التصرف بطريقة غير حضارية مع الغير حيث يصر الكثير من السائقين على تكرار نفس المواقف و التصرفات التي أعتبرها مشينة في حقنا كأردنيين و عرب و شيمتنا الأولى النخوة و الشهامة فعلى سبيل المثال على هذه السلوكيات إضطهاد النساء اللواتي يقدن سياراتهن بهدوء و حذر دون إيذاء أحد فعندما تكون أمام سائقنا سيارة تقودها سيدة يضوج على الفور و يحمر وجهه و عيناه و يصبح كتلة من العصبية و الشر و يطلق زاموره المفزع و جميع أضوية سيارته و يطلق التعليقات الخارجة عن حدود الأدب رغم أن الأمر لا يستحق كل هذا الكم من الغضب فالمرأه أيضاً لديها عمل و التزامات و مواعيد كأي سائق اخر مستعجل طبعاً الشعب عندنا كله مستعجل لكن المرأه تتصرف حسب الطبيعة التي فطرها الله عليها حيث تجعلها أقل جرأة من الرجل في السرعة و تخطي الإشارات و ممرات المشاة و القفز من اليمين الى اليسار الى اليمين في لحظة أعتقد جازماً بأن طريقة السيدات في القيادة هي الصحيحة و ليست طريقة أبو عنتر الذي يأخذ الدنيا بعرض صدره و يعتبر أن الطريق من ضمن ميراثه عن جده رحمه الله ، و ظاهرة ملفتة أيضاً و هي مضايقة متدربي السواقة و إرباكهم و كأن السائق نسي أنه بالأمس القريب كان متدرباً لا يعرف الجير من الجرجير ، أين يمكن أن ندرب أبناءنا ؟؟؟ في الصحراء أولم نتدرب جميعنا على هذه الطرقات و لولا ذلك لما تعلمنا و فهمنا أصول السواقة .

مظاهر كثيرة محرجة لنا كأردنيين و سلوكيات خارجة عن منظمة الأخلاق و التي لا علاقة لها بفن أو ذوق أو حضارة حتى و أهمها عدم إعطاء الفرصة للمشاة لقطع الشارع و تركه واقفاً لفترات طويلة بلا مبالاة من السائقين الذين لم يجربوا شعور هذا المواطن الذي يتنقل مشياً على الأقدام، كثيرمن السائقين بل معظم السائقين يكرهون أن تمشي أمام حضراتهم سيارات أخرى و كأنه يشترك في سباق للسرعة أو ما يسمونه سبيد و يعتبرون السيلرات الاخرى منافسة لهم يجب أن يتجاوزوها بأي طريقة و عادات فريدة تمتاز بها منطقتنا العربية فقط و هي التجمع و الانطلاق في أسراب و مواكب الاحتفالات و الخروج من النوافذ و إلاق الطرق و الاستهتار بالاخرين و مشاعرهم و مصالحهم التي قد تتضررنتيجة هذا الطيش و هذه الرعونة وغيرها الكثير من السلوكيات الخاطئة و التي ترقى من وجهة نظري الى مستوى( جريمة) و التي بدورها تؤدي الى حالة من الإرباك و الفوضى و الحوادث الأليمة التي يروح ضحيتها أبرياء لم يقترفوا أي خطأ أو مشاةً لا يملكون سيارة كالخرين.

أظن أن المشكلة تخطت حدود التوعية و النصح و الإرشاد المتواصل فلا نتائج ملموسة لكل هذه الوسائل و المجهودات و الخسائر مع احترامنا و تقديرنا الكبير للقائمين عليها أظن أن المشكلة مشكلة ثقافة مشوهة تأصلت في النفوس على مر أجيال و جهلاً حقيقياً بات يسيطر على المجتمع بأكمله و خصوصاً جيل الشباب ربما يكمن الحل في إيجاد جيل يدرك كيقية التعامل مع الخر و في شتى ميادين الحياة إبتداءاً من البيت و إنتهاءاً بالشارع و أعتقد أن للمناهج التعليمية و طريقة تقديم المعلومة أثراً كبيراً على طريق التغيير لخلق هذا الجيل الواعي المتحضر و المسؤول.

فالشاب الذي يبلغ الثامنة عشر من عمره و يصبح مؤهلاً لقيادة سيارة و قد تربى على هذه المفاهيم البالية المغلوطةو لا يعي كيف يتعامل مع السيارة و الطريق و المشاة أظن أن النصح و الإرشاد لن يجدي معه نفعاً فكما قال من قبلنا (العلم في الصغر كالنقش في الحجر ).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات