أيبقى ربيع "الربابعة" بلا "ورد"؟


رحل ربيع الماء والمطر، وحلّ ربيع النبات والثمر، ويستمر ربيع العرب ثائراً ضد البغي والطغيان وناشداً الحرية، ولكن لم يأتِنا أي منها بـ"ورد"، إنّه الربيع الثالث الذي لم نرَ فيه "ورداً"؛ ففي مثل هذا الزمن من السنة الـ2009 الماضية، وتحديداً في صبيحة يوم الأحد، السادس والعشرين من نيسان، فقد الربيع "الربّاعي"، بل الربيع الأردني، وربيع الطفولة، إحدى ورداته: خرج "ورد بن عبدالمجيد محمود الربابعة الكيلاني"، ذو ما يزيد على الأربعاء العُمْرية الخمسة، حينها، من بيت أهله في جديتا، قاصداً مطعماً ومخبزاً في الحي الذي يقع فيه؛ ليجلب طعام الفطور لأسرته، نيابةً عن ربّها؛ فهو بكرها، وولي عهد أبيه، حاله حال جيله في مجتمع الطفولة الأردني والعربي، من الفئات ذات الدخل المحدود ومستوى الحياة المتواضع، والذي يصحو أفراده من نومهم لا إلى ألعابهم ولهوهم ومسابحهم، وإنما إلى مساعدة آبائهم وأمهاتهم في تدبير شؤون عيشهم اليومي، وكان له في المرصاد مَن كان؛ قطفته يد الغدر والجبن، بل خطفته الوحوش: وحوش ملحقة بالبشر، ولاتزال تخفيه حتى الآن، وتخفي معه قصته وفصولها، ولا ندري: ألاتزال هذه الفصول حية أم انتهت به إلى الثرى؟
خطفوك وافترسوك، خطفوك واستعبدوك، خطفوك وهرّبوك، خطفوك وأعدموك، خطفوك وقطّعوك إرباً إرباً وتاجروا بلحمك وعظمك ودمك، خطفوك وقبضوا بالدينار أو الدولار، خطفوك وحرموك بهجة العيد واللباس الجديد، خطفوك وحرموك صفوفاً مدرسيةً ثلاثةً، حرموك القلم والقرطاس، حرموك لذة العودة من المدرسة، مردداً "هيك بطيرو العصافير ... هيك بيدور الدولاب ..."، حرموك الفرشاة حتى لا تبدع "أرسم ماما أرسم بابا ـ بالألوان أرسم علمي ـ فوق القمم أنا فنان ..."، خطفوك وحرموك حضن أمّك وأناملها وحرموها هي الطرب بـ"ماما ماما يا أنغاما ـ تملأ قلبي بندى الحب ـ أنتِ نشيدي عيدك عيدي ـ بسمة أمي سر وجودي ـ أنا عصفور ملأ الدار ـ قبلة ماما ضوء نهاري ـ أفتح عيني عند الفجر ـ فأرى ماما تمسح شعري ـ أهوى ماما أفدي ماما"، خطفوك وحرموك ذراعي أبيك، سيبقون سباعاً، ولكنهم سيُبعثون مضبوعين، وستبقى أنت "ورداً" في ربيع قلوبنا، وستمسي "ورداً" في جنة الله عزّ وجلّ، ستُبعث طيراً من طيورها، وإكليل زهور يُطوِّق عنق أبيك وأمّك وإخوتك.
ما أكثر السباع يا "ورد"، وما أكثر "الورود" المفترَسة، من قَبْلك ومن بعدك، أنسيت ما وقع لأطفال فلسطين المغتصَبة من إعدام وتهجير وتشتيت، وأطفال لبنان المجزّأ طوائف من تقتيل، وأطفال العراق المُحتَل المُذَّل من تعذيب؟ وألم تُرْوَ لك قصص إبادة أطفال البوسنة والهرسك وقرغيزيا والشيشان؟ وأمَا دريت بما نزل بأطفال مصر وتونس من تجديد للحرمان والإذلال، وأطفال ليبيا المقسّمة من تجويع، وأطفال اليمن الحزين من اغتيال، وأطفال سوريا المتآمر على سُنّتها من "شَبْح" وسلخ، وما يُتوعد غيرهم به من "تنخيل"؟ إنّهم مثلك أو أنت مثلهم؛ فلست الوحيد الذي قُتلت براءته؛ كلكم تتعرضون للإماتة، إمّا بأيدي عصابات أنظمة حكم سياسية وعبيد شهواتهم وكراسيهم وخُدّام الماسونية والصهيونية، وإمّا بأيدي عصابات تجار اللحوم البشرية، "غنِّ بعبك" يا "ورد"، ويا "أبا ورد"، ويا "أمّ ورد"؛ فربما حالكم أحسن من حال غيركم، وربما غيركم تمنوا لو كان خاطفوهم مثل خاطفيك.
ومهما تجدد الربيع بخضاره وأزهاره وبهجته، ستبقى أنت الدحنون والسوسن والنرجس، وإليك تشتاق الفراشات، وعنك تبحث العصافير، ومهما كثر المسمَّون "ورداً"، فستبقى أنت المعني والدائر في أذهاننا.
رحمك الخالق يا "ورد"، حيّاً وميتاً، وصبّركم الله آل "ورد"، "فإنّ موعدكم الجنة"، وهي الربيع الدائم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات