الغزو الفكري الغربي


ان العالم الاسلامي بعيدا عن العقيدة الاسلامية الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة التي كان يدين بها السلف الصالح ، لهذا فإن الاستعمار عندما أقبل وجد عالما اسلاميا يموج بالنحّل والمعتقدات والبدع غير الصحيحة فكان غياب العقيدة الصحيحة فرصة ذهبية للوثوب على أمة أفكارها مهزوزة وعقيدتها مشوشة وقلوبها مضطربة فارغة غير محصنة لأن العقيدة الصحيحة تزرع في القلوب الطمأنينة وتخلق في النفوس القوة والقدرة على الصمود والمقاومة.
لقد كانت الأمة الإسلامية في أوج عظمتها في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عام 656م فلقد فتح الخليف الراشد مصر والشام والعراق وفارس وبعض بلاد المشرق الأقصى إفرقية تونس والجزائر ومراكش وكانت الأمة الإسلامية آنذاك في إتساع مطرد كالطائر الذي يفرد جناحيه على اتساعهما ، ولقد كانت الحضارة الإسلامية من أقوى الحضارات ، لما حققته من شروط العدل والمساوة والرحمة والصدق والأمانة ولكن الأن ما نراه من واقع مرير يطرح سؤلاً جوهري ما الذي حدث حتى تحولنا هذا التحول الرهيب ، في تاريخ العرب .
لقد بدأ الغزو الثقافي يتوغل في شريان الأمة العربية ، عندما انتهت الخلافة العثمانية ، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم السلطان الرابع والثلاثون عبد الحميد الثاني عندما أبعد عن العرش عام 1909 م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 10 فبراير 1918 م. على يد الهالك كمال أتاتورك بمساعدة دول الاستعمار ومن ساعدهم من العرب ، فما نشاهده الأن من التخلف وهذه السقطية الحاضرية المفاجئة عن المسلمين ما هو إلا نتاج الغزو الفكري الممنهج للأمة العربية الإسلامية الذي سوف نتحدث عنه بعد قليل .
لقد بدأت أولى حملات الغزو الفكري مع نهاية الحروب الصليبة التي استمرت من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 – 1291( ولم تستطع النصر على الأمة الإسلامية الموحدة ، بل شهدت هذه الحملات الفائدة من المسلمين لدى الأوروبيون بشعوب أرقى منهم فاستفادوا من أفكارهم وعلومهم ونظمهم وتعلموا طرق بناء السفن ووضع الخرائط الدقيقة خلال الحملات .
كما استفادوا من خلال مراجعتهم لتلك الحملات بأن القوة العسكرية لن تستطيع تفتيت هذه الأمة العظيمة .
فلقد بدأت حركة الغزو الفكري من منطلق ضرب المسلمين عن طريق الكلمة فلقد وجههم (لويس التاسع ) بالعمل على ترجمة القرآن والسنة وعلوم المسلمين، وكان هذه البداية ، بالبحث عن الثغرات لكي يدخلوا منها الينا مع اثارة الشبهات والتشكيك .
ولا شك أن العداء الصليبي للإسلام هو الدافع الأساسي للغزو الفكري الذي تسلط على مجتمعاتنا العربية وأخذ شكل (السعار الوباني) فقامو بتوزيع السموم يسرةً ويمنة بطمس الحقائق وبتدبير المكائد .
لقد قال (وليم عيفورد لغراف) الإنجليزي (متى توارى القرآن ومدينة مكة ، عن بلاد العرب ، يمكننا أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة ، التي لم يبعدها عنه سوى محمد وكتابه ) .
وفي عام1898 وقف (جلاد ستون) رئيس وزراء بريطانيا يومئذ في مجلس العموم البريطاني وهو يرفع القرآن الكريم بيده قائلاً: (يجب تمزيق هذا الكتاب إذا أردنا أن نسيطر على المسلمين) فمزق الله مُلكه وأزال حُكمه وحُكمت الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس وأصبحت ذنبًا لأمريكا.
دخل اللنبي القدس عام 1918م وقال الأن انتهت الحروب الصليبة ، كما قال القائد الفرنسي في دمشق غورو بعد أن جاء راكباً بسيارة مكشوفة ، وترجل منها الى قبر صلاح الدين الأيوبي (نحن هنا يا صلاح الدين ) ، وفي اليوم التالي عمل نفس الشيء في حمص حيث ذهب الى قبر خالد بن الوليد وكرر نفس العبارة .
اشتدت بعد ذلك الغزوات الثاقفية والفكرية لتخريب قواعد الإسلام بشتى الأساليب والطرق فأصبحت قاعدة الغرب التي ارتكزوا عليها (إذا ارهبك عدوك فأفسد فكره ينتحر به ، ومن ثم تستعبده ) ثم انتقلت المعارك من ميادين القتال الى ميادين الفكر والمعرفة وذلك بدخول التقنيات الحديثة من وسائل النت ، وستلايت ، وجولات المتنقلة المستوردة من الحضارة الغربية .
أعتقد بأن الغزو الفكري الأخلاقي اخطر بكثير من الغزو المادي المسلح ، لأنه يمضي بين الناس بصمت ونعومة وخفاء الأهداف ، مما يجعل الناس يتقلبون إلى كل جديد ، ولو خالف قيمهم وعقائدهم وافكارهم دون معارضة وينقلبون إلى الذوبان في بوتقة اعدائهم .
عُقد (مُؤتمر المُبشرين للغزو الفكري) في القاهرة عام 1906 وقف المُبشر المشهور (زويمر) مُقرر المؤتمر يخطب قائلاً: (بعد أن عجزت جميع البعثات التبشيرية أن تحول مُسلمًا واحدًا عن دينه فليست مهمتنا تنصير المسلمين فهذا شرف ليسوا جديرين به، ولكن مهمتنا هي صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام وفي ذلك نجحنا نجاحًا باهرًا بفضل مدارسنا التبشيرية والسياسة التعليمية التي وضعناها للبلاد الإسلامية).
وبالفعل أخذت هذه (الإرساليات والبعثات) تنخر في جسد الأمة كالسوس حتى أصابها الضعف والوهن وأصبحت مهيأة للسقوط، فسقطت مصر بيد الغرب الصليبي في عام 1882 بسهولة ويُسر نتيجة لضعف الدولة الإسلامية المُتمثلة بالدولة العثمانية وارتباط مصر بها اسميًا بعد أن استقل بها (محمد علي) عن الدولة العثمانية بدعم فرنسي, فكان سقوط مصر بيدهم هو بمثابة انفراط المسبحة, فمصر هي حبة العقد في عالمنا العربي الإسلامي, فعندما تنهار مصر وتسقط تنهار الأمة وتسقط، وعندما تقوى وتنهض تقوى الأمة وتنهض, فهي (كنانة الله) في أرضه ولا يُمكن أن تنهض مصر إلا بالإسلام فهي قد خربت بغير الإسلام, فلقد أخذ الغرب الصليبي العبرة من الحروب الصليبية الأولى حيث لم يستطع أن يحتل مصر، فكانت نهايته على يد أجناد مصر (كنانة الله) في أرضه والتي يدخرها الله دائمًا لنصرة دينه وإنقاذ الأمة, وهكذا كان دورها في حروب (التتار والمغول), لذلك عادوا إلينا بعد ستة قرون من بوابة مصر, فمن مصر بدأ الغزو الفكري والثقافي ومنها حاك الصليبيون الإنجليز ـ بعد أن أخضعوها لسُلطانهم ـ المؤامرات لتدمير الدولة الإسلامية العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي ما هي إلا امتداد للحرب الصليبية الأولى, فكانت نتيجة هذه الحرب سقوط العالم العربي الإسلامي تحت سيطرة واحتلال الغرب الصليبي المباشر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات