الست الموبقات في عهد حمزة منصور


تختلف المسميات والأصل واحد. من منّا لم يتذكر ذاك اليوم الذي انقسم فيه الإسلاميون بين حمائم وصقور ،وكشفت ما اجتهد الطرفان في تغطيته بالأحابيل حيناً وبفقه الضرورة أحياناً أُخر. لكن هناك من لم يرق له حصر النزاع بين المذكورين، ولأسباب لا تخفى على أحد رأوا فيه تطفيفاً في الكيل، وتفاوتاً في القامات لايستقيم عوده، ولهذا وجهوا أنظارهم في معركة هابيل وقابيل إلى أبعد من ذلك لئلا يأثمون!
نعم وجهوا أنظارهم نحو موقعهم في الخارطة الجديدة التي بدأت تتشكل، وبالرغم من أنه لم يجعلهم يجتهدون كثيراً أو ينتظرون طويلاً، لم يشغل كثيراً من المراقبين أنفسهم بهذا الأمر بدعوى أن كل شيء واضح كالشمس في رابعة النهار. لهذا قالوا بثقة من لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه، إنه صراع بين الشيخ وتلميذه، أو بين الشيخ وحواره وفق مصطلحات صوفية. على أن ذلك لم يكن بذي بال، بنفس القدر الذي صوّب فيه البعض العيون نحو آخرين في حظيرة العصبة، وقفوا يومذاك كحمار الشيخ في العقبة – بحسب الوصف القرآني – ليس لأن مشاعرهم توزعت بين حمائم وصقور، ولكن لأنهم يودون أن يروا أين ستكون السلطة حتى يحطوا رِحالهم عندها. هؤلاء ظلوا لأيام معدودات يصلون خلف علي ويأكلون مع معاوية، ومن عجب أيضاً تحركت قنوات استشعارهم أضعاف ما كانت عليها طاقتها القصوى في الأيام العادية، وذلك في محاولة لمعرفة أين ستستقر البوصلة ليعلنوا لها ولاءهم المطلق!
كلنا يعلم أن للإسلاميين ولعٌ غير طبيعي بالسلطة وملذاتها. لهذا لم يكن الانقسام الذي حدث صراعاً فكرياً، وإنما كان صراعاً سياسياً حول السلطة، لم يكن صراعاً في الدين وإنما كان صراعاً على الدنيا. ونستدل على ذلك بما سبق!
أثناء تمايز الصفوف وفي أعقاب الانقسام. كان الفريقان قد تحفزا لتجاوز الخطوط الحمراء، وبدأوا كالمسعورين ينهشون في لحوم بعضهم البعض، تراشقوا بالألقاب وتنابذوا بالاسم الفسوق. حينئذٍ تناثرت الفضائح السياسية والفكرية والأخلاقية حتى أصبح الدين الذي قالوا إنهم منه ينهلون، كمن يبحث عن مغيثٍ. ثمّ بدأ البعض متأهبين لإخراج سيوفهم من أغمادها، بل أكثر تأهباً لإعادة سيناريو الدماء التي أريقت في كربلاء ومعركة صفين وواقعة الجمل. ثم انبرى آخرون وأصدروا نشرة طفحت بالغث والمسموم، لدرجة زكمت رائحتها الأنوف، والمفارقة أنهم أطلقوا عليها اسم (الملكية الدستورية) ودأبوا على تعليقها على حيطان مقراتهم مثلما كان يفعل بعض عرب الجاهلية الأولى حين يعلقون فضائحهم على أستار الكعبة. يومذاك تعرَّت الحركة الإسلامية حتى لم يبق من دثارها ورقة توت تغطي عورة ناشطيها، يومذاك سقطت دعاوى هي لله، واتضح بما لا يدع مجالاً للشك هي للدنيا وللذات الجشعة، حتى ولو كان الشيطان حاميها!
مضى الشيخ يلملم جراحه. لكنهم كانوا يعلمون إنه رجل عنيد تمحورهم حوله أورثه ديكتاتورية مقيتة، كان يمارسها بهمة من يؤدي واجباً قومياً في رهط من قومه! ولهذا كان من الصعب عليه أن يستسلم وهو يرى المشروع الذي نذر له عمره – اتّفق الناس حوله أم اختلفوا – أصبح كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. وكما يفعل حواة السياسة بات يخرج بين الفينة والأخرى من جرابه شيئاً يجعل تلاميذته يتجادلون ويتناطحون ويتلاومون ولا ينتهي الأمر إلا بحبسه وراء جدران السجن، ثم يقبلوا على ما تبقى من أنصاره ترغيباً وترهيباً، فيستجيب البعض عندما تلوح أمام ناظريهم السلطة بصولجانها الذي يخلب الألباب، فيقبلون العروض بدعاوى أوهى من بيوت العنكبوت. هكذا زعم حمزة منصور الأمين، وهكذا أومأ زكي بني رشيد، وهذا ما نطق به أخيراً الحاج ؟، بيد أن الأوسط انقلب على عقبيه حين لم يجد ما طمح له، فغادر وكر العصبة مرة أخرى، ولا يعلم أحد أيان وجهته بعدئذٍ. أما الشيخ الذي لا يغفر ولا ينسى، فعندما يعيل صبر سجانيه يقومون باطلاق سراحه، فيبدأ مرة أخرى في الشروع في جولة ثانية، إنها الثأرفوبيا لو تعلمون!
ولكن قل لي يا صاحٍ لماذا استنهاض هذا التاريخ الكالح السواد الآن. سأقول لك اختصاراً إنه الشيخ نفسه الذي دأب على زيارة مقرات السفارة الأمريكية من حين لآخر، بدعوى كذا وكذا!
ذلك ما فتح شهية من ألقى السمع وهو شهيد في المدينة التي لا تعرف الأسرار مطلقاً. ثم حاول الكثيرون ونحن منهم سبر غور الحدث لعله يكشف ما يطفيء الظمأ ويروي حب الاستطلاع. بيد أنني سألت نفسي سؤالاً مشروعاً واحسب أن الكثيرين سألوه لأنفسهم بقدر سواء. هل ما يزال في الكأس باقٍ؟ بمعنى أن الكثيرين يعتقدون أن الطرفين أفرغا كل الهواء الساخن من صدورهم، وذلك على مدى عقد كامل من الزمن، وبالتالي لم يبق شيئاً يستحق الذكر أو الاهتمام. لكني وجدت نفسي على خلاف ما زعموا، وهو أنه ما زال ثمة شيء في جعبة منصور يبدو أنه ادّخره لليوم الأسود! ليس من المنطق في شيء ابتسار الأشياء والتسليم بالقليل الذي نضح عنه، وهو من وقف على رأس تنظيم عمره ما يناهز نصف قرن، وطالما هو يظن أنه يملك ما يمكن أن يخلخل به الأرضية التي تقف عليها عصبته القديمة، فلنحاول إذن استشفاف ماهية السر المكنون الذي رمى به في حلبة الصراع السياسي وهي بحسب ظننا تكمن فيما أسميناه بالست الموبقات:
أولاً: كلنا يعلم أن ثمة رؤوس تطايرت في عهد الإصلاحات الجديدة ،
ثانياً: من الجرائم التي ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة على الواقع الأردني ، من قضايا فساد واستخدام السلطة في خدمة المصالح الشخصية
ثالثاً: من الإنجازات الشامخات في سجل العصبة المخزي، تلك البيوت سيئة السمعة، والتي أطلق عليها اسماً مرعباً (بيوت الأشباح) نسبة لما كان يجري بداخلها من ممارسات أرسلت الكثيرين للعالم الآخر، ومن كان محظوظاً خرج بعاهة مستديمة ستلازمه ما بقي حياً
رابعاً: ما دام الدكتور حمزة منصور نطق بكل شيء، فلابد أنه كشف اللغز
خامساً: كلنا يعلم أن منصور كثيراً ما لوّح ببطاقة يعتبرها من أثمن ما يملك نبحث عن الاصلاح. فهل يا ترى ذهب منصور إلى أبعد مما قال من قبل وأورد تفصيلات أذهلت كل مرضعة عما أرضعت!
سادساً: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، واقعة أديس أبابا - بتعبيرات من قسّم العالم إلى فسطاطين - تبعتها أحداث درامية، أودت بحياة ثُلة ممن يُظن أنهم يعرفون أكثر مما ينبغي من أهل العصبة نفسها، فقد ذكر دكتور منصور خالد في كتابه الموسوم بـ (أهوال الحرب وطموحات السلام) بعض تفاصيل الحادث وأشار تحديداً في قوله (التصفية فيما يتجلى، أصبحت منهجاً يستسهله نائب الرئيس وثمانية رهط في المدينة. فعقب فشل المحاولة، تمت تصفية أحد موظفي الإغاثة ويدعى محمد الفاتح أمام زوجته في أديس أبابا حتى يزال أي أثر للجريمة، وكان الفاتح واحداً من العناصر التي كانت على علم بتدبير الجريمة، وما زال قاتله يعمل في ديوان الزكاة) تلك صحيفة اتّهام واضحة وضوحا لا لبث فيه ولا غموض، والمنصور نفسه يجلس إلى جوارهم الآن. وكنا نحن أيضاً قد أوردنا بعض تفاصيل عن هذه العملية بذات المستوى نسبة لذياع صيتها
فكانت قولاً ثقيلاً على القلب واللسان، بل كان يمكن أن تشعل فتنة لا تبقي ولا تذر، لكنها مضت كما تمضي السابلة في الطرقات المظلمة، فحمدنا الله الذي حبانا يومئذٍ بقلوب أصابها الملال والكلال والموات!
صفوة القول، تلك هي الموبقات الست، فلو أن الشيخ قال لإحدى القنوات الفضائية شيئاً إدّاً، فلن يكون سوى فضه عذرية هذه الأحداث التي قلنا وقال هو نفسه عنها إنها ستظل تذكر القوم بشرورهم المستدامة. وبالطبع ثمة قضايا سياسية لا يعتقد بأنها دخلت ضمن كرم وأريحية منصور لأنه يشارك العصبة ذنوبها، وتلك من شاكلة من ذا الذي قوّض الدستورمن هم الذين عاثوا في ثروات الأردن فساداً وحولوا بيوتهم الآن لبنوك صغيرة وأودعوها مال مختلف عملاته؟ كما قال هو. ومن هم الذين تستروا على الظلم وكتموا شهادة الحق؟ وبالرغم من مسؤوليت عصبته الضمنية أو الظاهرية في كثير من القضايا، إلا أن منصور وعصبته يبدون في كثير من الأحيان غير مكترثين للعاقبة التي يمكن أن تلحق بهم، بقدر ما هو متلهف للمآل الذي ينتظر غيره. وتلك ما جسده حديث قاله لي صديق وكرجل قانون ربما أنال سنة أو سنتين ولكن ثق وقتها لن تستطيع المشانق أن تسع ضيوفها




تعليقات القراء

سالم
...
رد من المحرر:
نعتذر...
18-03-2012 09:30 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات