العنف النيابي


تفشى العنف الجامعي في معظم الجامعات الأردنية الخاصة منها والحكومية حتى وصل الأمر بان يسميه البعض بظاهرة العنف الجامعي. إن من المحزن حقا أن تتحول الجامعات من منابر لتعليم الحوار وآدابه وأصوله إلى منابر لتعليم السباب والتحقير وفروعه. من المحزن أيضا أن يتحول الطالب الجامعي من طالب علم يرتوي بالعلم والفضيلة وحسن الخلق إلى طالب مسلوب الإرادة مستَهلكا معزولا عن الواقع المحلي والخارجي. إن استخدام العنف كوسيلة لحل والخلافات والصراعات و لا يعكس إلا قلة الحيلة وضيق الأفق وقصور الفهم. وعجز الإرادة, ولا يولد إلا الفرقة والعداوة والبغضاء بين الناس. الأصل أن تتقدم المصلحة العامة على كل المصالح الشخصية الضيقة, وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تحقيق المصالح العليا الأساسية للدولة أو المؤسسة يفضي بالضرورة إلى تحقيق مصالح الأفراد الشخصية الذاتية وان جاء ذلك متأخرا أحيانا أو جاء بطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى. العنف كظاهرة موجودة في كل الثقافات والمجتمعات وان اختلف في شكله وحدته ومستوى وقوعه وتعامل الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية معه وما قد يترتب عليه من نتائج. في بريطانيا مثلا قد تسمع كيف أن مواطنا من أصل أسيوي أو أفريقي مثلا قد تعرض للعنف على يد شرطي ابيض لأنه قد نعته بالسواد أو ناداه بأنه آسيوي, و لتقوم الدنيا ولا تقعد ويضطر من قام بها إما إلى الاستقالة من منصبه أو موقعه أو تقديم اعتذار كبير ينشف ماء الوجه على اقل تقدير. في مجلس العموم البريطاني أيضا يحدث عنفا من نوع آخر بين السادة أعضاءه, فقد يقوم بعض الأعضاء المعارضين لفكرة عضو آخر وإثناء إلقاء خطابه بإصدار بعض الأصوات أو القيام ببعض الحركات الأخرى كالوقوف أحيانا حتى يفهم كل من يسمعها أو يشاهدها أن هذا النائب أو هذه المجموعة من النواب غير موافقة على ما قاله ذلك النائب في طرحه, وهكذا يعبر النواب عن رفضهم ويعنفون من لا يتفقون معهم بطريق حضارية رائعة. لا أريد أن ابحث في أسباب انتشار ظاهرة العنف في جامعاتنا أو مؤسساتنا الرسمية والاجتماعية الأخرى, إذ أني أحاول أن أتحدث عن الموضوع من منظور آخر كما أن الكثير من الزملاء الأفاضل قد كتبوا في هذا الموضوع كثيرا وأثروه بآرائهم وأفكارهم على أهمية هذا الجانب. إن المقلق في هذا الموضوع وهذا ما سأحاول أن أتحدث عنه في هذا المقال هو انتشار هذه الظاهرة ووصولها إلى اغلب مؤسسات المجتمع المدني, من الأسرة وحتى المجالس التشريعية البرلمانية والسياسية الحكومية. اذن حمى تبادل اللكمات الكلامية- حتى هذا الحين-على الأقل قد امتدت لتصل مجلس النواب وبعض أقطاب السياسة في الحكومات المختلفة. لقد أضحى الساسة والنواب على ما يظهر لا يجدون وسيلة أخرى للتعبير عن أفكارهم وأرائهم إلا بتبادل الاتهامات والشتائم ومن العيار الثقيل طبعا. قد استطيع والى درجة ومستوى معين أن افهم الأسباب التي قد تؤدي إلى العنف الجامعي ولكني لا ادري فعليا لماذا يلجأ الساسة والنواب الأفاضل إلى مثل هذا الأسلوب في مثل بلادنا. اعلم أن الساسة و النواب الأكارم منقسمون إلى كتل نيابية وسياسية مختلفة, واعلم أن السادة النواب منقسمون ربما إلى أحزاب سياسية مختلفة, كما اعلم أن السادة النواب منقسمون إلى مناطق نيابية وجغرافية مختلفة, واعلم أن السادة النواب منقسمون ربما إلى مدارس فكرية مختلفة, واعلم أن السادة النواب ربما منقسمون إلى ثقافات مختلفة, واعلم أن لهم مصالح مختلفة, واعلم أن هذا أمر صحي وطبيعي. إن الاختلاف ظاهرة طبيعية, وان التعددية ظاهرة صحية, وان التنوع ضرورة, ولكني اعلم أن الوطن واحد, وان الهم واحد, وان الوجع واحد, وان الأمل واحد, وان الرب واحد. كم كنت أتمنى أن يختلف الساسة والنواب على الوسيلة ويتفقون على الهدف, كم كنت أتمنى أن يختلف الساسة والنواب على مصالح مناطقهم ومصالحهم الشخصية ويتفقون على مصالح الوطن والمواطن العليا. من كل ما سبق ومن خلال متابعاتي لبعض مناقشات القضايا النيابية والحكومية يبدو انه قد بداء يلوح في الأفق بارق ظاهرة جديدة على مجتمعنا هي ظاهرة العنف السياسي النيابي, وأرجو الله جلت قدرته أن أكون مخطئا في توقعي حتى تحاول المجالس النيابية والحكومية أن تقدم ما فيه خدمة قضايا الوطن والمواطن وعلى أكمل وجه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات