خطّ الفساد
هذا الخطّ، افتراضيّ وهميّ خياليّ كحمى كُليب، لا يجرؤ أحد رسمَه أو تحديدَه؛ فمثُلنا تعوّد على رسم خطّ الفقر، من خلال الاستجابة لدراسات وزارات أو هيئات لتحديده وتعريفه ومعرفة جيوبه وزواياه ومنعطفاته. في حين لم تكلّف أيّ وزارة أو مؤسسة أو معهد دراسات أو جامعة بتعريف خطّ الفساد، ومواخيره وبيوته؛ وإن كان هناك خطّ للفقرّ معترف به، فهذا يعني بالضرورة وجود خطّ فساد مسببٍ له؛ فإذا كان الفقر نتيجة فالفساد سببه، فالعلاقة بينهما، إذن، سببيّة. وليس من العدل ولا من المنطق دراسة نتيجة ما دون دراسة أسبابها. وعندما يسود الفساد في ماخور ما، ينتشر الفقر في جيب ما. معادلة ليست بحاجة إلى كثير تفكير وتدبّر.
وكما الفقر واضح جليّ للعيان، فكذلك الفساد؛ فالموظّف العام مهما كانت رتبته ومرتبته لن يتحدث بالملايين وعشرات الملايين من وظيفته الاعتيادية. ومعظم الموظفين خدموا في سلك الحكومة والقطاع العام عشرات السنيين وما زال الكثير منهم يفتقر إلى توفير الاحتياجات الأساسية للحياة من مأكل ومشرب وملبس وسكن كريم قبل أن يهدمه اللئام. حتى القطاع الخاص الذي تزاوج مع المتنفذين في القطاع العام تجاوز الخطوط الطبيعية في الربح والكسب، فصار حديثهم بأرقام خيالية من خلال استغلال القربى والقرابة، والصحبة والزمالة، وتبادل المنفعة على المبدأ المتعارف عليه( حكّ لي تـ حكّ لك). كلّ هذا وغيره على حساب الوطن والمواطن ونظام الحكم، وعلى حساب الدين والعرف والتقاليد، وعلى حساب الشرف ومكارم الأخلاق، وعلى كلّ ما هو طاهر ونقيّ.
خطّ الفقر وجيوبه منتشر في كثير من أركان هذا البلد، وخطّ الفساد محصور في بؤر ودهاليز معروفة ومتداولة بين السائرين على الخطّ الأوّل؛ فدولته أو معاليه أو سعادته مثلا معروف لدى أبناء هذا الوطن فردا لا يختلف كثيرا عما نحن عليه، فإذ بليلة (ما فيها ضو قمر) يصبح من الذّوات الذين حديثهم بالملايين، وتعاملهم بآحاد الملايين، وأرصدتهم بعشرات الملايين؛ فأنّى لهم هذا!! تلك هي النقطة الأولى في تحديد خطّ الفساد. وما النقاط الأخرى ببعيدة عن النقطة الأولى، فما هي إلا سلسلة من النقاط واحدة تلو الأخرى؛ ممتلكات، قصور، أراضي، نفوذ.....وغيرها من نقاط ونقط تشكّل هذا الخطّ وتعطيه ملامحه وخصائصه. وأما النوع الثاني من هؤلاء الفاسدين فهم الذين لا نعرف لهم منبتا ولا أصلا؛ فَسِحَنُ وجوههم غير مغبرّة بتراب المفرق، ولا ملفوحة بشمس الأغوار، ولا يميزون بين تلّ إربد وسفوح شيحان. إنّهم قوم ينتمون إلى وطن يدعى دينارا ودرهما؛ فأين كانا يكونوا. هذا هو وطنهم؛ وطن لا تحدّه جغرافية ولا دين ولا عرق. ولهذا، فإنّ دمار الأوطان وشعوبها وأنظمتها الحاكمة ليست بذي بال عندهم، ولا من ضمن اهتماماتهم؛ إنهم غربان مهاجرة، جنتهم دينارهم، ونعيمهم درهمهم، لا فرق عندهم حلاله وحرامه.
قوانين وأنظمة وتعليمات تشرّع بأيدي مَنْ لا شِرعةَ لهم ولا مبدأ؛ تحارب الفلاح والمزارع بمنتجاته التي رواها بعرقه وعرق أسرته، ففي يوم نرى سعر بندورة المزارع بمقدار تافه، وبعد فترة ما تنزل إلى السوق بندورة بأسعار مرتفعة ليست لفلاحنا ولا لمزارعنا. مما يستدعي أن يكون مزارعنا تحت رحمة الكمنسجية كبارهم وصغارهم، في حين يضع هذا الفلاح رأسه بين يديه مطرقا ألما وغصة. وهي ذات القوانين أو شبهها التي تحارب أبناء البادية برزقهم وحلالهم كي تدفعهم دفعا نحو التّخلي عن هذه المهنة التي يعتاشون منها، وذلك لصالح حيتان التجارة والشركات التي تستورد الحيوانات من نيوزلندا وبلغايا وأستراليا والسودان بل وأثيوبيا، والتي تفوح روائحها وروائح( بعض) المستوردين لها. وقس على هذا وغيره صنوف الاحتكار لكل سلعة يحتاج إليها المواطن كالحديد مثلا لا حصرا.
تلك هي بعض مستنقعات الفساد؛ بشخوصه وقوانينه؛ فخطّ الفقر بيّنٌ وخطّ الفساد بيّنٌ. فيا أيها القائمون على الدراسات وإجرائها، هل لكم بتزيودنا يوما ما بخطّ الفساد: تعريفه، الشريحة والعينة الخاضعة للدراسة،متغيراته، أرقامه وأعداده..... وأخيرا، أسماء السائرين عليه وكناهم وألقابهم.
للعلم؛ كثر الحديث عن الفاسدين في الأردن جدّا، والسبب في ذلك يُعزى إلى أنّ الأردن أرضًا وشعبًا نقيٌّ طاهرٌ، يرى الفساد نبتة غريبة عن تربته. وأنّ اقتلاعها بأسرع وقت ممكن يعيد للأردن بهاءه الذي يحاول الآخرون النّكرات تشويهه.
هذا الخطّ، افتراضيّ وهميّ خياليّ كحمى كُليب، لا يجرؤ أحد رسمَه أو تحديدَه؛ فمثُلنا تعوّد على رسم خطّ الفقر، من خلال الاستجابة لدراسات وزارات أو هيئات لتحديده وتعريفه ومعرفة جيوبه وزواياه ومنعطفاته. في حين لم تكلّف أيّ وزارة أو مؤسسة أو معهد دراسات أو جامعة بتعريف خطّ الفساد، ومواخيره وبيوته؛ وإن كان هناك خطّ للفقرّ معترف به، فهذا يعني بالضرورة وجود خطّ فساد مسببٍ له؛ فإذا كان الفقر نتيجة فالفساد سببه، فالعلاقة بينهما، إذن، سببيّة. وليس من العدل ولا من المنطق دراسة نتيجة ما دون دراسة أسبابها. وعندما يسود الفساد في ماخور ما، ينتشر الفقر في جيب ما. معادلة ليست بحاجة إلى كثير تفكير وتدبّر.
وكما الفقر واضح جليّ للعيان، فكذلك الفساد؛ فالموظّف العام مهما كانت رتبته ومرتبته لن يتحدث بالملايين وعشرات الملايين من وظيفته الاعتيادية. ومعظم الموظفين خدموا في سلك الحكومة والقطاع العام عشرات السنيين وما زال الكثير منهم يفتقر إلى توفير الاحتياجات الأساسية للحياة من مأكل ومشرب وملبس وسكن كريم قبل أن يهدمه اللئام. حتى القطاع الخاص الذي تزاوج مع المتنفذين في القطاع العام تجاوز الخطوط الطبيعية في الربح والكسب، فصار حديثهم بأرقام خيالية من خلال استغلال القربى والقرابة، والصحبة والزمالة، وتبادل المنفعة على المبدأ المتعارف عليه( حكّ لي تـ حكّ لك). كلّ هذا وغيره على حساب الوطن والمواطن ونظام الحكم، وعلى حساب الدين والعرف والتقاليد، وعلى حساب الشرف ومكارم الأخلاق، وعلى كلّ ما هو طاهر ونقيّ.
خطّ الفقر وجيوبه منتشر في كثير من أركان هذا البلد، وخطّ الفساد محصور في بؤر ودهاليز معروفة ومتداولة بين السائرين على الخطّ الأوّل؛ فدولته أو معاليه أو سعادته مثلا معروف لدى أبناء هذا الوطن فردا لا يختلف كثيرا عما نحن عليه، فإذ بليلة (ما فيها ضو قمر) يصبح من الذّوات الذين حديثهم بالملايين، وتعاملهم بآحاد الملايين، وأرصدتهم بعشرات الملايين؛ فأنّى لهم هذا!! تلك هي النقطة الأولى في تحديد خطّ الفساد. وما النقاط الأخرى ببعيدة عن النقطة الأولى، فما هي إلا سلسلة من النقاط واحدة تلو الأخرى؛ ممتلكات، قصور، أراضي، نفوذ.....وغيرها من نقاط ونقط تشكّل هذا الخطّ وتعطيه ملامحه وخصائصه. وأما النوع الثاني من هؤلاء الفاسدين فهم الذين لا نعرف لهم منبتا ولا أصلا؛ فَسِحَنُ وجوههم غير مغبرّة بتراب المفرق، ولا ملفوحة بشمس الأغوار، ولا يميزون بين تلّ إربد وسفوح شيحان. إنّهم قوم ينتمون إلى وطن يدعى دينارا ودرهما؛ فأين كانا يكونوا. هذا هو وطنهم؛ وطن لا تحدّه جغرافية ولا دين ولا عرق. ولهذا، فإنّ دمار الأوطان وشعوبها وأنظمتها الحاكمة ليست بذي بال عندهم، ولا من ضمن اهتماماتهم؛ إنهم غربان مهاجرة، جنتهم دينارهم، ونعيمهم درهمهم، لا فرق عندهم حلاله وحرامه.
قوانين وأنظمة وتعليمات تشرّع بأيدي مَنْ لا شِرعةَ لهم ولا مبدأ؛ تحارب الفلاح والمزارع بمنتجاته التي رواها بعرقه وعرق أسرته، ففي يوم نرى سعر بندورة المزارع بمقدار تافه، وبعد فترة ما تنزل إلى السوق بندورة بأسعار مرتفعة ليست لفلاحنا ولا لمزارعنا. مما يستدعي أن يكون مزارعنا تحت رحمة الكمنسجية كبارهم وصغارهم، في حين يضع هذا الفلاح رأسه بين يديه مطرقا ألما وغصة. وهي ذات القوانين أو شبهها التي تحارب أبناء البادية برزقهم وحلالهم كي تدفعهم دفعا نحو التّخلي عن هذه المهنة التي يعتاشون منها، وذلك لصالح حيتان التجارة والشركات التي تستورد الحيوانات من نيوزلندا وبلغايا وأستراليا والسودان بل وأثيوبيا، والتي تفوح روائحها وروائح( بعض) المستوردين لها. وقس على هذا وغيره صنوف الاحتكار لكل سلعة يحتاج إليها المواطن كالحديد مثلا لا حصرا.
تلك هي بعض مستنقعات الفساد؛ بشخوصه وقوانينه؛ فخطّ الفقر بيّنٌ وخطّ الفساد بيّنٌ. فيا أيها القائمون على الدراسات وإجرائها، هل لكم بتزيودنا يوما ما بخطّ الفساد: تعريفه، الشريحة والعينة الخاضعة للدراسة،متغيراته، أرقامه وأعداده..... وأخيرا، أسماء السائرين عليه وكناهم وألقابهم.
للعلم؛ كثر الحديث عن الفاسدين في الأردن جدّا، والسبب في ذلك يُعزى إلى أنّ الأردن أرضًا وشعبًا نقيٌّ طاهرٌ، يرى الفساد نبتة غريبة عن تربته. وأنّ اقتلاعها بأسرع وقت ممكن يعيد للأردن بهاءه الذي يحاول الآخرون النّكرات تشويهه.
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |