الوطن على موعد مع حالة طوارئ


مما يبعث على الدهشة أن جميع دول المنطقة تستعد لحرب تلوح في الآفاق باستثناء الأردن، ربما لأن لدينا ما يكفينا من تسلح وتماسك في الجبهة الداخلية وموارد إستراتيجية؟! غير أنه ليس لدينا سوى المناداة بزيادة الرواتب وتنظيم الاعتصامات لمطالبات علاواتية متناسين كافة الأخطار المحدقة بالوطن.

وعلى صعيد التقدم في ملف مكافحة الفساد فيكاد زنبرك الضغط أن ينفلت من مكانه لينفجر في وجوهنا قبل أن ننجز أية خطوة في هذا السياق، غير آخذين بمبدأ أن الفساد في الأردن تخالطه في الأساس ثقافة شعبية فاسدة أفرزت مسؤولا ضعيفا تسبب في تعكير الماء وضياع الثروات وتسرب المال من جيب الدولة.

إيران تبعث بسفنها الحربية لسواحل سورية دعما للنظام فيها وإقواء لحزب الله في نزاعه مع الداخل اللبناني من جهة ومواجهته المحتملة مع إسرائيل من جهة أخرى، كذلك نشهد توترا في البحرين حيث يطالب الشيعة بقلب الحكم فيها، وفي العمق السوري نطالع كل يوم مجازر وانشقاقات ونزوح على هيئة موجات بشرية مضطربة من ويلات العنف والفوضى وثورة قد تتحول إلى فتيل حرب عالمية ثالثة.

نرى انعكاسا في أدوار القيادة للأمة العربية بعد أن تصدرت دولة بحجم قطر المشهد العربي فيما تراجعت قيادات معول عليها الوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية والغربية في المنطقة مثل مصر وسورية والعراق، إلا أن قاعدة المثلث الفعلية في الوقت الحاضر وبوابة أمن المنطقة بأكملها تتجسد في الأردن "العظيم" بعد أن تهاوت هذه الدول شاء اللوبي الذي يحكم قناة الجزيرة أو أبى.

وتوقعت أن يشهد الأردن ترقبا شعبيا ورسميا حذرا لما بادرت إليه الدولة العبرية مؤخرا بإزالة الألغام من الأرض الحدودية مع الأردن في خطوة اعتبرها مراقبون بأنها ذات أبعاد حربية بحتة قد تتجاوز ما نعتقده من ترجمات لسياسة اليمين الإسرائيلي بترانسفير فلسطيني إلى حد قد تصل فيه إلى مستوى قطف البرتقال عن أشجار غورنا، خاصة بعد عودة حماس للأردن وتحقيق المصالحة الفلسطينية وتهديدات سورية بالرد بقسوة على أي منطلق لحرب قد تشن عليها من أراضينا.

وكان رؤساء حكومات ودول عظمى قد أبدوا في الفترة الأخيرة خشيتهم من تطور الوضع في الشرق الأوسط إلى درجة الغليان والحرب الشاملة التي قد تغير خارطة المنطقة بأكملها، إلا أن الداخل الأردني بشقيه الرسمي والشعبي لا زال متمترسا خلف قضبان معالجة الهم العام، وكأن ما يدور في المنطقة ليس في الخلد أن ينال من سيادتنا واستقرارنا، ويدخلنا في دوامة الفوضى والانجذاب للحرب دفاعا عن الذات والأرض والمقدسات.

إن انصباب فكر الشارع في الوقت الحاضر في بوتقة مكافحة الفساد وتسجيل الأهداف في مرمى الحكومة، بمطالبة زيادات الرواتب والنيل من سمعة العائلة الملكية بعد أن شاب هذا الشارع عناصر البعث والطابور الخامس ومنظمات الحقد الأعمى ضد وطن ولد من رحم القومية، هذا الانصباب لا يؤشر على فهم عميق لطبيعة المرحلة والتي أصفها بحالة الكفر بكل الوطن وأركانه، هذه الحالة التي تنتظرها إسرائيل وأعوانها في الداخل والمنطقة بشغف باتت عند أقدامها وفي مرمى نيرانها.

هذه الحالة التي يجسدها كل من يقول " خليها تخرب فوق روسنا، يلعن أبو هيك بلد، كل واحد يرجع لبلده، مستخسرين فينا علاوة والذهبي وباسم نهبوا ملايين، ما إلي علاقة في سورية إلي علاقة بالكاز والكهربا، هذي البلد آخرها للحرب، باعوا الوطن، الجواز الأردني بنباع في الدكاكين.." كل ما أسلفت في ذكره يمثل إشارات خطيرة على أن الوطن تراجعت قيمته كمكون للهوية ومهدا لينا للأجيال القادمة، وانتكست لمنزلة إما "الزيادة أو الطوفان".

قد يقول أحدهم لما لا يوجه هذا الكلام إلى النظام نفسه، الذي لم يلبي مطالب الشارع على النحو المفترض، فيما أن الشارع نفسه يتناقض في مطلبه الأساسي، فهو يطالب بنقل الصلاحيات من الملك وعلى الجهة الأخرى يتناسى أن الأغلبية الساحقة تحذر من المساس بثالوث العقيدة الأردنية وتعتبر أن مجلس النواب لازال غرا على تحمل هذه الصلاحيات ولم يراع الشارع الأردني عندما بدأ مشواره أن لكل منهج إصلاح خريطة محددة بثوابت ونهايات إلا أنه كلما نال استحقاقا بحث عن ثغرة في جسم الوطن لكي يوخزها.

فليس صحيحا أن الانتحار يعبر عن حالة احتقان حقيقي، فالأردن لا هو بالبلد القامع للحريات ولا المفاوض على الدماء ولم يستقر فيه كرسي العرش على الجثث والأشلاء، ولم يبن على الفئوية بقدر ما نما وتطور بحسب ما تحدده الأولويات الشعبية، وهذا ما ذهب إليه المفكر الحسن بن طلال بالقول أن تاريخ آبائه وأجداده أنحاز إلى العدل بين الناس وترك لهم تحديد الطموحات، فيما أنه لو وصل إلى الدفة السياسية غير الهاشميين لنكل واضطهد وهمش مثلما جرى في معظم دول الربيع، خصوصا في مرحلة فجر الدولة، ولو تركت البلاد لغيرهم لكنا الآن أقلية في دولة نجهلها.

إن عدم تعاطي الشارع بشكل واع مع ما يدور في المنطقة من أحداث وتطورات خطيرة، وعدم تقديره لصعوبة المرحلة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالأردن، تصبح معه حالة الطوارئ في قمة المطلبيات التي من شأنها أن تحصن الأردن ضد أي تهديد، وتضمن له مرورا سالما من نفق الويلات والمهالك، إن بقيت مياه الشارع تتدفق في مزاريب الندية الخالصة ومصارعة النظام.

فمزيدا من الضغط الغير مبرر بحجة أن الذهبي لم يكبل بالأغلال أو أن باسم لم يرمى في السجن أو أن الفوسفات ذهبت مع الريح أو أن الكردي ومجدي خارج السرب ...الخ لن يقودنا إلا لإضعاف الدولة هذا إلا إذا انتهجنا سياسة جديدة تطالب في الداخل وترقب في الخارج وتوازي بين المشهدين، ولا تنقاد إلى العصيان المدني بل تتخذ نهجا وطنيا يقوم على وسائل الاحتجاج المشروع الذي كفلها الدستور ويخدم الكل وينأ بالفرد.

برغم ثقتي أن الملك لن يرمي البلد في أحضان العسكر احتراما ووفاء لإرادة الأردنيين، وفي المقابل علينا مراجعة ما بدأناه منذ عام تقريبا وإعادة ترتيب مطالبنا وفق الأهمية الوطنية، أو لنأخذ استراحة محارب نتفحص فيها ما أنجز على صعيد الإصلاحات وما يجري تنفيذه مع الأخذ بعين الاعتبار أمن الأردن القومي.

لنتذكر أن قيمة الوافد المصري الذي يعمل في مختلف قطاعات الدولة هو في الحقيقة أهم للمواطن بقدر أكثر من معظم الأشخاص المتأبطين شعارات الحرية والإصلاح لأن الأول يعرف عن نفسه بمقدار ما يقدمه من خدمات للمواطن فيما الثاني يعرف عن نفسه بمقدار ما يريده من الوطن، وما يحدثه من فوضى وعبثية ونقد هدام طبقي فارغ.

فقيل يوما"تكلم لأراك" واليوم تعيد الفلسفة صياغة نفسها لتقول" افعل وقدم لكي أقف معك وأقتنع بشعاراتك".

نحن الأردنيين أهم وأرقى من أن لا نزن الأمور بمكيال غير مكيال الهاشميين، ولنتذكر أننا أهل حشد ورباط ومهمتنا أقدس من كل المطالبات، وأنه ما من نجدة لنا سوى أنفسنا، فالخليج الزاخر بالمال لم يزود الجندي الأردني بطلقة واحدة عام 1967 كذلك لم يرحمنا نظام جمال عبدالناصر ولا نظيره الأسدي في شدة أزماتنا السياسية، بل وقفوا ضد الأردن وراهنوا على زوالنا وعوقبنا بعد حرب الخليج لأننا لم نشارك في قتل الأشقاء العراقيين ودفعنا الثمن، ولغاية هذه اللحظة تحاول أطراف عربية طمس مجدنا وثقافتنا وإنجازاتنا تجاه قضيتنا الأولى فلسطين.

إن ما وصفه الأمير حسن بقذف الحجارة على البيت الأردني من قبل من هم في بيوت هشة هي أبلغ ما يقال في أسلوب معاملة إخوتنا العرب لبيتنا الأردني.

لن نسمح أبدا أن يمثل القليل ما هو أكثر منه، وأن يحدد مصيرنا من هو أدنى فكرا وتضحية منا، ولن نرضخ لتوجيهات طوابير الإضعاف المستمدين شرعيتهم من وحي التشاكي والفشل، وذلك إيمانا منا أن الطريق المرصوف بالمخالفات التي ارتكبتها مكونات الدولة الأردنية مجتمعة لا تصحح إلا بنهج ديمقراطي واع ومتزن وناعم الحركات لا يخدش خد الوطن أو يزهق حياءه وتطال تطبيقاته كافة بقاع الوطن بما فيها الصحراء التي كانت ملئى بالغزلان وحيوانات البرية إلا أن فساد البندقية قضى عليها.


فما الخوف إلاّ ما تخوّفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمْنا


محمد جمال الرفوع



تعليقات القراء

محمد عوض
سلمت يمناك..ولكن الأحرى أن يستجيب النظام لكي لا نصل إلى هذه الحالة
20-02-2012 03:37 PM
سفاح تجار الأزمات
طاب الموت من أجلك يا أردن
20-02-2012 03:38 PM
سفاح تجار الأزمات
طاب الموت من أجلك يا أردن
20-02-2012 03:38 PM
طواري
(.....موعد مع حالة طوارئ )

بي المستشفيات

اللي بيجي عالطواري

الو

اولويه

مكرر



20-02-2012 03:39 PM
أيمن
لقد أبدعت بل سحرتني بجميل التعبير والصياغة..نعم هناك من هم أقل من أن يمثلوا
20-02-2012 03:39 PM
زيد السعودي
لقد ناديت لو أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
20-02-2012 03:40 PM
حسين مبارك ارشيد
شكرا أخ محمد ..جسدت خطورة الحالة
20-02-2012 03:40 PM
عبدالرحمن المبيضين
فما الخوف إلاّ ما تخوّفه الفتى وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمْنا
20-02-2012 04:49 PM
مهند الخواجا
لقد تكلمت فااوفيت فعلا نحن تحت الخطر من ضعيف النفوس ولكن الاردن سوف يبقى شامخاً عالياً في وجه من تسول له نفسه بان الاردن لقمه سهله . لاوالله سنقول له والى جميع شاكلته خسئت من ان تنال من الاردن ولو بجذع شجره لان الاردن قيادتاً وشعباً هم من يحمون الاردن بدمهم ولحمهم واخيراً نقول للكل وبصوت الزئير ترخصلك الروح يااردن....
20-02-2012 07:12 PM
او يزن
الاردن سيبقى شامخا بقياده الهاااشمية المظفرة بعون الله وسيبقى كشجرة الصندل تقطر الفاس التي تقطعها والله الموفق وراااااااااااااعي المسيرة المباركة
20-02-2012 08:28 PM
د. عدنغن عواد
أسأل الله أن يحفظ بلادناآمنة مستقرة ، وأشكرك أخي محمد على اهتمامك بالقضايا الوطنية
21-02-2012 08:27 AM
أيمن غازي العمريين
قال ذات زمان احدهم :

أنا لا أنظرُ من ثقب الباب إلى وَطني
لكنْ أنظرُ من قلبٍ مثقوب
وأميّز بين الوطن الغالب والوطن المغلوبْ
الله...! لمن يتنصّتُ في الليل إلى قلبه
أو يصغي السمع إلى رئتيهْ
هذا الوطن بريء،
لم يشهد زورا،
لكنْ شهدوا بالزور عليهْ"

وأضاف آخر:

"جفّ ريقي بحروب الجهل من كلّ الجهاتْ
أفما تملأ إبريقي بساتين الفراتْ
قلت يا أحبابْ:
لمّوا الشملَ،
فالقاتل لا شيء سوى هذا الشتات "

شكرا أخ محمد أبدعت
21-02-2012 08:35 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات