لقد مللنا أفعالكم يا من تقايضون فتاتكم باستقرار الوطن وأمنه وأمانه ، وقوت وسكون الأبرياء ، فلقد وصل الصبر فينا حدّ العداء لتصرفاتكم ، وما أن ننتهي وتستكين أنفسنا وأجسادنا من اعتصاماتكم ومسيراتكم التي أتت على الأخضر واليابس من عمرنا ومن قهرنا وفرحنا وسرورنا وهنائنا ، جئتم بأخرى أشدُ بلاءً وفتكاً بمستقبل الوطن ، لتطال الجيل الذي عاهدنا عليه أنفسنا أن يكون جيل المستقبل المشرق .. أبنائنا فلذات أكبادنا ، باتوا على شفير حفرة الصياعة والضياع في الشوارع ، بديلاً عن مدارسهم التي أفقدتموها الروح والمبادئ النبيلة التي غرست فينا على مدى عقود خلت من الزمن الطيب ، وحولتم المفاهيم الجميلة في أنفسنا وأنفسهم مِن " مَنْ علمني حرفاً كنت له عبداً " إلى مفاهيم ثأرية " من حرمني حرفاً كنت له ندّاً " ..!!
ما يزعجنا نحن مَنْ تطيبنا بطيب هذا الوطن المعطاء ، أن سِمة الجحود لم تكن أبداً من شيمنا وأطباعنا ، بل نحن من ضرب بهم الوصف بالشعب الطيب والغيور على حمى الوطن ، نحن أبناء أرض الكرامة والعزة ، الكرامة التي هيّ همزة وصلنا مع تراب هذا الوطن الطاهر ، التي خطوّنا على ثراه خطواتنا الأولى ، ونموّنا بنموّ أجسادنا وفِكْرُنا ، وأصبح منا المتخصصون الذين نباهي بهم الدنيا ، نهضوا بالوطن كباراً كما نهض بهم الوطن صغاراً ، أهذا هو جزائك يا وطني ..؟؟؟
كنت في مكان قد كتبت مقالاً بعنوان " هل الإعتصامات " سيرة وانفتحت " في الشارع الأردني ..؟؟ ، وكنت أعني ما سألت به ، حيث بات الوضع أقرب من " الموضة " عند بعض الغاوين في إثارة أجندات جوارية تدور في بعض الدول العربية المجاورة ونقل ذاك الوضع المتأزم إلى الشارع الأردني عبر فئة العاطلين عن العمل الذين وجدوا في هذه التأزمات تفريغاً لبعض الشحنات القهرية التي ولدها تردي الوضع الاقتصادي وتفاقم بعض حالات الفساد في مؤسساتنا الوطنية ..!!
أما أن يصل الأمر لأبناء الوطن في كل الميادين ، فإنه لأمر عجيب يستحق الوقوف عليه والتفكر به ملياً ، فكيف ذلك ونحن من كان يفتدي الوطن بكل ما يملك ، حتى الدم لم نبخل به .. فهل لنا أن نستقوي ونساوم استقراره وأمنه الآن من أجل حفنة من فتات الدنيا .. لا والله ما هيّ هذه المفاهيم والقيم التي تربينا عليها لولا أن هناك من يعبث بأنفسنا وحياتنا ، ويراهن على أمننا واستقرارنا ، وأن ما يدور بين حين وآخر من إعتصامات ومسيرات ما هيّ إلاّ زوّبعات دخيلة على مجتمعنا الأردني ، جاءتنا عبر رياح التغيير التي قصدت المنظومة العربية بأكملها منذ الحادي عشر من سبتمبر ووعد بوش الابن حينها بعالم شرق أوسطي جديد ، وطالت بصورة دموية ووحشية الشعوب العربية بأكملها دون هوادة دليلاً على الانتقام ..!!
لذلك لا بد من أن نكون ذا عين ترى ما وراء الأحداث وتسلسلها ، واستثمار الشعوب المقهورة التي كانت خانعة لسطوة حكامها وأذنابهم كانت هيّ المفتاح الفعال في تغيير المنظومة العربية ، وكانت البداية من الغرب العربي من الشقيقة تونس إلاّ أن المرمى كان يقصد التقسيم الجغرافي لهذه المنظومة وتحويلها إلى دويلات صغيرة ومفتتة غير قادرة على النهوض بذاتها كما حصل في العراق والسودان ، والتوجه نحو مصر وليبيا وسوريا أيضاً بذات التوجه ، والضغط على الأردن بإنشاء الوطن البديل وتفريغ أرض فلسطين من شعبها وإنهاء القضية الفلسطينية إرضاءً للعدو الأزلي وإقامة الدولة اليهودية على كل التراب الفلسطيني ..!!
رغم كل ذلك دعونا نتسلق عتبات الأمل والتفاؤل من جديد ، ونمضى نحوّ ما قد يجلبه لنا القادم من الأيام علّها تكون رحمةً من رب العالمين لهذا التراب وحقن دمائنا ودماء أبنائنا الطاهرة ، وتفضي بأن يكون ثرى الوطن قد طُهِرَ من كلِ فاسدٍ ومنبوذ .. لأن الوطن هو أجمل غاياتنا وأهدافنا التي غرست فينا منذ الأزل ، وأشد ما يحتاجه منا هذا الوطن المعطاء الآن ، هو ما اختزن ما بين الضلوع والوجدان وما لمسه ضميرنا الأردني والعربي وحتى الإنساني منذ عقود على ثراه ، فوقفتنا الآن وتراصنا ككتلة واحدة غير قابلة للتمزيق هيّ أهم عنوان يجب أن نحافظ عليه .. فنظرة الأمل والتفاؤل يجب أن تتعاظم فينا أكثر فأكثر حتى نرى شروق شمسِ جديد تنير لنا درب الحرية التي أبداً لم نفقدها في ظل الهواشم الأطهار ، وليكن الوطن فينا دائماً أولاً وليس آخراً ..!! م . سالم عكور akoursalem@yahoo.com