قبل أيام قرأت في أحد المواقع الإخبارية الالكترونية خبراً مفاده "ان القضاة في ألمانيا يطالبون برفع رواتبهم مساواة برواتب المعلمين, وهو ما رفضته الحكومة الألمانية معللة ذلك بأنها كيف سترفع رواتب القضاة أكثر من المعلمين الذين جعلوا منهم قضاةً".., وهنا نتساءل لماذا لا يحصل هذا هنا في الأردن؟ أليس رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم وباقي الوزراء كانوا تلاميذاً ولولا المعلم لما أصبحوا على ما هم عليه الآن؟! أليس القضاة والمحامون والمهندسون والأطباء والصحفيون وجميع المهن الأخرى تتلمذوا على أيدي المعلمين ولولا المعلم لما وصلوا إلى ما هم عليه الآن؟! أين نحن من "من علمني حرفاً صرت له عبداً" يا حكومة؟! وأين نحن من كلمات الشاعر "قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا"؟! فأين العدل والإنصاف للمعلم يا وزير التربية والتعليم؟؟
عندما عملت في مديرية جمارك العقبة في الماضي تفاجأت بالرواتب المرتفعة التي يتقاضاها موظفو الجمارك, خاصة وانني كنت على علم بالراتب الذي يتقاضاه المعلم, فالمعلم عند تعيينه في وزارة التربية والتعليم يتقاضى راتباً لا يزيد عن الثلاثمائة دينار في أحسن الأحوال, بعد ان تكون عائلته قد دفعت دم قلبها من أجل دراسته الجامعية, وجميعنا نعلم حجم المبالغ التي ينفقها الأهالي على أبنائهم في الجامعات, حتى ان بعض الآباء قاموا ببيع أرضهم أو الاستدانة من أجل أن يدرسوا أبنائهم في الجامعات, وبعض الأمهات قمن ببيع ذهبهن من أجل المساعدة في تدريس أبنائهن في الجامعات, لكي ينتهي الأمر بهذا الإبن أو هذه الابنة معلماً /معلمة في وزارة التربية والتعليم, يتقاضى راتباً أقل من راتب "كونترول الباص" مع ان اغلب "كونترولية الباصات" لم يكملوا الابتدائية وخريجين سجون.. فأين العدل والإنصاف للمعلم يا وزير التربية والتعليم؟؟
وبالرجوع إلى موظفين الجمارك فإن موظف الجمارك عند تعيينه في مديرية الجمارك يتقاضى راتب شهري يزيد عن الـ 400 دينار مع ان بعضهم يكونون حاصلين على بكالوريوس يعترفون بأنهم حصلوا عليه بعد أن اشتروه بنقود أبائهم من أوكرانيا أو روسيا أو أي دولة أخرى من الدول التي تعطي البكالوريوس لمن يدفع ثمنه, والبعض الآخر يكون قد حصل على البكالوريوس من جامعة خاصة من الجامعات التي تتبنى شعار (ادفع قسطاً تنجح فصلاً تخرج سطلاً), وقد دخلوا الجمارك لأن معهم واسطة.., وبإجراء مقارنة بسيطة بين موظف الجمرك وبين المعلم نتساءل لماذا يُعطى موظفي الجمرك 400 دينار عند تعيينه ويُعطى المعلم راتباً لا يزيد عن الـ 300 دينار عند تعيينه؟؟ هل عمل موظف الجمرك أهم من عمل المعلم؟ والجواب بالطبع لا!! وهل مهنة موظف الجمرك أصعب من مهنة المعلم؟ والإجابة أيضاً بالتأكيد لا!! وهل مهنة الجمارك أقدس من مهنة التعليم؟؟ أكيد لا!! والمصيبة والكارثة الكبرى ان موظفو الجمرك بعد ست أو سبع سنوات تتجاوز رواتبهم الـ 600 دينار وقد تصل رواتب بعضهم إلى 1200 أو 1600 دينار إذا ما حالف أحدهم الحظ ووجد واسطة وعُين مديراً لمركز جمركي أو مساعد مدير مركز جمركي, ويبقى معلم المدرسة بعد ست أو سبع سنوات لا يتعدى راتبه الـ 400 دينار في أحسن الأحوال, فأين العدل والإنصاف للمعلم يا وزير التربية والتعليم؟؟
ولا يقتصر الأمر على الجمارك, فأغلب الدوائر الحكومية الأخرى تعطي رواتب أكثر بكثير مما يتقاضاه المعلم, ولكني تناولت الجمارك كمثال كوني قد عملت في هذه الدائرة سابقاً, وأنا هنا لا أدعو أو أحرض على إنقاص رواتب موظفي الجمارك أو الدوائر الأخرى, على العكس أنا مع رفع جميع الرواتب لتامين حياة كريمة للمواطن الأردني في ظل هذا الغلاء الفاحش الذي نعيشه.
وهنا نقول لوزير التربية التعليم, ولكل من يعارض إنصاف المعلم: هل تعلم ان راتب المعلم لا يكفيه إلا ليغطي مصاريف أكله وشربه؟! وهل تعلم ان اغلب المعلمين "مشنشلين" بالديون؟! وهل تعلم ان المعلم لا يستطيع ان يفي الطالب حقه في التعليم من الهموم التي تحاصره..؟! وهل تستطيع ان تقول لي كيف سيستطيع أن يتزوج المعلم بالـ 300 دينار التي يتقاضاها؟! أو كيف سيبني بيتاً؟! أو كيف سيفرض احترامه ويرجع هيبته في المجتمع بعد أن نزلت إلى الحضيض؟! وهل.. وهل.. الخ, فأين العدل والإنصاف للمعلم يا وزير التربية والتعليم؟؟
وهنا لا ننسى دور الإعلام في إبراز دور المعلم وأهميته, وللأسف فإن إعلامنا قام بتهميش المعلم على مدى العقود التي مضت وهذا لا يجوز وهو ظلم للمعلم وللدور المهم الذي يلعبه كركن أساسي في مسيرة التنمية.
اننا نرى ان المعلمون وحماة الديار (الأمن العام والقوات المسلحة) يجب أن يحصلوا على الراتب الأعلى في سلم الرواتب, وذلك لأن المعلم هو من يخرج الأجيال, ولأن الأجهزة الأمنية هي التي تحمي الوطن والمواطن, ولذلك نقول لوزير التربية والتعليم اننا مع المعلمين في إضرابهم لانتزاع حقوقهم, ونقول له كذلك انه وحده من يتحمل وزر أبنائنا الذين لم يبدؤوا دراستهم حتى الآن, ونقول له أيضاً انه قد آن الأوان لكي تنصفوا المعلم, وإنصافه لا يأتي بصرف علاوة للمعلمين بنسبة 100% هذه السنة وليس خلال ثلاث سنوات, وإنما إنصاف المعلم يأتي عندما تقوم وزارة التربية والتعليم بمضاعفة راتب المعلم مرتين على الأقل لكي نكون قد أنصفناه وأعطيناه حقه وأرجعنا له هيبته واحترامه أمام التلاميذ وأمام المجتمع.
في الختام لا يسعنا إلا أن نشكر الملكة رانيا العبدالله حفظها الله كل الشكر لاهتمامها الدائم بالمعلم وبالمدرسة وبالطالب فلها منا كل الحب والاحترام والتقدير, ونتمنى من وزير التربية والتعليم أن يتخذ من الملكة رانيا قدوةً حسنةً في تعاملها مع المعلمين وقطاع التعليم.