دبلوماسية التوازن والبقاء



لا يملك الأردن أن يُعلن حربا على إسرائيل لإجبارها على وقف العدوان بأشكاله المختلفة على غزة وغيرها ولا يملك أن يفعل أكثر مما فعل دون أخذ مخاطرة مرتفعة الثمن. ولكن بإمكانه أن يُضاعف من قدرته في استخدام وتوظيف دبلوماسية التوازن والبقاء ويحافظ على توازناتها الآن كما فعل على مر العقود الستة الماضية. إدارة الأردن لهذا الملف قد لا ترضي العديد من العرب بما في ذلك اردنيون، وهذا طبيعي ومتوقع وكان يحدث سابقاً وسيستمر. ولكن ما هو البديل المتاح والممكن لما قام به الأردن؟ في ظل الظروف الراهنة وتوازن القوة الذي لا يخدم الأردن ولا العرب عموماً البديل أسوأ وغير مرغوب به. إسرائيل دولة غيرة مستعدة للعيش بسلام ولا ترى بالعرب شركاء سلام وإنما مجال لفرض سطوتها العسكرية وهي تتصرف كعدو ومعتدٍ سواء من خلال آلتها العسكرية أو دبلوماسيتها. ولكن هذا لم يجبر الأردن على التخلي عن استراتيجية التوازن والبقاء. استمرار الأردن في نهجه الدبلوماسي لم يتم في الفراغ.

الرأي العام الأردني والعربي فيه قدر كبير من العقلانية ويدرك كذلك أن موازين القوة ليست لصالح العرب ولكنه وبالوقت نفسه غير مستعد للاستسلام. لذلك يُعبّر عن موقفه الرافض للعدوان وابتلاع الأراضي وقتل الأبرياء ورفض الإعتراف بإسرائيل بصفتها دولة يهودية في الشرق الأوسط كما أظهرت استطلاعات مقياس الرأي العالم العربي. وعلى مر الأسابيع الماضية لم يطالب الرأي العام بفتح جبهات عسكرية مع إسرائيل، وإنما طالب بأقل من ذلك بكثير مثل قطع، وتجميد، وتقليص العلاقات الدبلوماسية، وقف التطبيع، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية. ومع تدني مستوى هذه المطالب إلا أن أغلبها غير ممكن التحقيق نظراً لإرتفاع كلفته السياسية ضمن معطيات التوازن والبقاء التي تحكم معادلة السياسة الخارجية الأردنية وتوازناتها الداخلية. قطع العلاقات مع إسرائيل سيكلف الأردن في واشنطن ولندن وبروكسل والقاهرة وليس من الحكمة أن ندفع ثمنا ونحن قادرون على عدم دفعه.

الكلفة الإنسانية والمادية لخيار المقاومة ضد الإحتلال مرتفعة جداً كما رأينا في العراق وعلى امتداد عمر البطش الإسرائيلي في غزة ولبنان ومن قبلها في جنين وبيروت وصبرا وشاتيلا ودير ياسين. ولكن هذه الكلفة لم تُجبر الرأي العام على الإستسلام ولم تنه المقاومة. وعلى الرغم من خسارة الأرض والأرواح إلا أن المجازر الإسرائيلية عززت من قناعة الرأي العام بخيار المقاومة وهو الخيار الذي يبدو أنه سيتعزز مع الأيام على الرغم من إستمرار إسرائيل بالقتل والدمار. ونظراً لكلفة المقاومة ضمن المعطيات الحالية فإنها ستتحول، على الأرجح، إلى ممانعة غير قابلة بإسرائيل وتمتد إلى فترة طويلة ولن تتحول للإستسلام على المدى البعيد. وهذا ما عبرت عنه حماس مسبقاً بقبولها فكرة التهدئة طويلة الأمد.

نجحت الدبلوماسية الأردنية في حسابات التوازن والبقاء ومرت بسلام من أزمة اقليمية أخرى. ولكن هناك ما يدعو للتوقف ويتطلب الملاحظة مثل أن بعض الأردنيين يرون أن القاعدة في بلاد الرافدين هي منظمة مقاومة مشروعة. فكيف ستكون النظرة لحماس بعد هذا العدوان الإسرائيلي؟ وكيف يمكن التكيف مع نتائج العدوان الإسرائيلي على الرأي العام الأردني والعربي الآن ولاحقاً في ظل تصلب الموقف الإسرائيلي وجنوح الرأي العام الإسرائيلي إلى اليمين بشكل متزايد؟



f.braizat@gmail.com

د. فارس بريزات



تعليقات القراء

مهادن
الاردن وقف تاريخيا لجانب القضية الفلسطينية ما يبعده عن دائرة المزاودات!!
02-02-2009 12:02 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات