( يهدف هذا المقال الى محاولة لفت نظر القاريء الواعي الى طبيعة الخطاب الموجود حاليا في المجتمع الاردني ويحاول ايصال رسالة الى الجهات المؤثرة في الرأي العام من مؤسسات واجهزة واحزاب وتنظيمات ومؤسسات مجتمع مدني ومساجد ودعاة واعلام وتربويين الى ضرورة المساهمة الفعالة في اعادة تقييم هذا الخطاب الموجه للعامة الذي ينذر استمراريته بكارثة حقيقة ويطالب الجميع بالعمل على اعادة التوازن والتعايش للجسم الاردني على الاقل وليس الوصول للحالة المثالية التي تفترض التناغم والانسجام .. واحذر هنا من دخولنا كمجتمع في مرحلة اللاوعي حتى اصبح خطاب الكراهية مسألة عادية وهي الاصل وليست الاستثناء ..)

خطاب الكراهية ..
المتتبع للخط البياني للغة الخطاب الموجودة في الشارع الاردني يجد ان المجتمع يعاني ازمة اخلاق حقيقة في لغته ومسلكه وشعاراته في خطاب كراهية يصل لدرجة الحقد بكل ما تحمل الكلمة من معنى ودلالات ..

هذا الخطاب والمسلك يبدأ من ابسط الامور في اسلوب قيادة المرء لسيارته مرورا بتعامله مع اطفاله وجيرانه وينتهي بالقضايا الاساسية للوطن مثل الاصلاح والعقد الاجتماعي الجديد المنشود للدولة الاردنية ..

لايمكن ان نجد أي مبرر اخلاقي او سياسي او ديني او انساني او اجتماعي لطبيعة الخطاب المليء بالكراهية بكل ما يحمله من دلالات تعطي الاطار العام القادم للعقد الاجتماعي الاردني .. حيث ستكون النتيجة الحتمية بعد عدة شهور ولا اقول سنوات ( هذا ما لم نكن نريده ) ..

وحتى لو حاول البعض تأصيل هذا الخطاب لما مر على المجتمع من ظروف قاسية وعلى رأسها احتلال فلسطين والحالة الاقتصادية المستعصية ومعايشة الاردنيين بكافة اجيالهم لحروب متعددة اورثت كما هائلا من النفسية والخطاب المتطرفين الا ان ذلك ليس مبررا لما نعايشه ونشاهده ونسمعه من خطاب كراهية سيحرق الاخضر واليابس وسيفتت المجتمع ويجعله منقسما على نفسه ..


فمثلا لقد صدر عن احد رموز الحراك بأننا ( مقبلون على عنف ) و ( للشعب الاردني ثأر لا يسقط بالتقادم ) عنف .. ثأر !!! .. وصدر عن رموز احد رموز الدولة ( لا يجوز للمخيمات الانخراط في الحراك الشعبي ) !!! .. خطاب كراهية ..

ثم .. شعارات الحراك الشعبي بكافة اشكاله وخطاب الرفض والاستئصال وعدم قبول الرأي المخالف وتسخيف الغير من قبل دعاة الاصلاح - وهم دعاة اصلاح - ومجموعة الفتاوى والبدع السياسية والخطاب التكفيري ومصطلحات مثل الزعران والبلطجية .. اتهام الناس ورميهم بالتنفع والنفاق لصالح الحاكم وعدم ايمانهم بوجود محبة صادقة .. خطاب كراهية ..

وردود الفعل على الحراك الشعبي من ضرب واعتداء ومصادرة حق التعبير والتخوين والتفسيق والاتهام بالعمالة والتجييش وتزييف وتضليل الجماهير واقلاق الاغلبية الصامتة على مستقبلها .. خطاب كراهية ..

تقسيم المجتمع .. معارضة وموالاة .. حراك الجنوب وحراك الشمال .. حراك العاصمة وحراك المحافظات .. اصلاحيون وقوى شد عكسي .. مع الفساد وضد الفساد .. والاتهام والاتهام المقابل .. خطاب كراهية

حتى المسجد .. حالة رعب للمصلين في خطبة الجمعة وعندما يخرج الشخص من مكان المحبة والسلام والطمأنينة وطريق الجنة يظن المرء انه كافر او فاسق او زنديق وان الله سبحانه وتعالى خلقه ليضعه في جهنم وان الله ساخط عليه وسيخسف به بعد خمس دقائق .. خطاب كراهية ..

خطاب الكراهية امتد للاعلام واصبح له كتاب متخصصون ووكالات اخبارية متخصصة في الكراهية والتشجيع على ممارسة الكراهية والتفنن بخطاب الكراهية واصبحنا نشاهد معلقين متخصصين بفنون الكراهية .. حتى ظنوا انها تقربهم من الله زلفى ..


ان كل القيم السامية والراقية وكل المفاهيم المتصلة بالخير والابتعاد عن الشر اصبحت مشوبة بخطاب الكراهية .. فالاصلاح قيمة سامية وواجب اخلاقي انحرفنا به في خطاب الكراهية .. حتى الوطنية وقيم الانتماء التي تعني محبة الارض التي لا قيمة لها دون الانسان التي يمشي على ترابها اصبحت تفهم وتمارس من خلال مقدار كراهيتك للاخر .. يا قوم حتى الرياضة اصبحت رمزا للكراهية ..

سأعلنها بكل صراحة ووضوح .. انا مواطن اردني عربي مسلم لم أكن مولودا سنة 1970 ولا علاقة لي بما حصل في تلك الايام .. سأحب الجميع من اجل الاردن ولن اكره احدا من اجل الاردن .. أريد كمواطن ان اعيش بأمان وأن آكل لقمة العيش بكرامة دون أن يخالطها دقيق الكراهية .. أريد اصلاحا بلا فساد الكراهية ..

كفى كراهية فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكره احدا وكانت رسالته المحبة والرحمة والسلام مع الذات والاخرين وقدم عليه السلام ومن معه نموذجا اصلاحيا عظيما مبني على المحبة لا الكراهية بالرغم من كل ما تعرضوا له من ظلم وكراهية والجميع يعلم انهم حوصروا حتى اكلوا اوراق الشجر ..

اذا استمر الحال على ما هو عليه فسيدفع كل الاردن الثمن وسيقف كل من ساهم بهذه الكراهية بعد سنين ليقول يا ليتني ما فعلت .. فمن اراد الكراهية ورضي بها دينا ومنهجا في حياته فليفعل ولكن ليس من حقه ان ينقلها للاجيال القادمة ..

لنعمل جميعا بصدق ولنستبدل ثقافة الكراهية بالخير والمحبة .. عظموا الانجاز واظهروا الخير في المجتمع وابتعدوا عن تضخيم دعاة وابواق الكراهية ومتابعة اخبارهم واعزلوهم ان لم يستمعوا لصوت العقل والحكمة .. ولا تساهموا في نشر هذه الثقافة .. قدموا للمجتمع نماذج العقل والاتزان .. نماذج العطاء ومكارم الاخلاق ..

فأن عجزنا عن ذلك فلننظر للموضوع من خلال ترسيخ مفاهيم اشتراكية الضرر والمنفعة ان لم تكن المفاهيم يراد بنائها على اساس اخلاقي ..

فأن لم نستطع فلنوجه الكراهية باتجاهها الحقيقي وذلك اضعف الايمان فمثلا مشكلة الاردن ليست باللاجئين مثلا وانما بالصهاينة الذين طردوا البشر وسلبوا حقوقهم لأننا اذا بقينا نخوض في حديث وخطاب الكراهية سيصل الضعف بالاردن لمرحلة لن يكون معها موضوع العودة مطروحا ولا حتى الحق بالتعويض وسيخسر الجميع والرابح هو الخصم ..

المحامي بشير المومني
basheerlawyer@yahoo.com