في سفينة الصحراء والبرلمان


ذهبت للعزاء, وقد جالست علية من القوم وفيهم رئيس وزراء سابق جليل, "معني بالعزاء" وثلاثة من الوزراء السابقين ونائب برلمان معاصر وفقيه في العمل السياسي والقانوني, وثلة من الناشطين في العمل الثقافي وأساتذة جامعات من مختلف التخصصات. وتركز الحديث عن الإصلاح ومكافحة الفساد والتعديلات الدستورية, قال دولته أنه قد قرأ أطروحة وافية بديعة للفقيه -الجالس أمامي- موضوعها إصلاح الإصلاحات الدستورية, وهي وثيقة بحثية دقيقة, مكتوبة بعناية وحرفية. وقال الفقيه أنه قد أوصي فيها بأن يبقى البرلمان الحالي منعقدا لحين انعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد, لأن ممثلي الشعب يجب أن لا يغيبوا عن تمثيل الشعب, وكان الجمع يومي برأسه موافقة وإقرارا لما يتحدث به ذلك الفقيه الحصيف, وبادر سعادة النائب بالقول أن رئيس مجلس النواب لا يأخذ بأي أطروحة من خارج المجلس وبأنه خبير برلماني وقانوني يعتد برأيه الشخصي وحسب, وقال آخر أن رئيس البرلمان لا يوصي بأخذ أي مقترح من خارج المجلس وخاصة أذا كان من أطروحات ذلك الفقيه, حيث تواتر مثل ذلك الاقتباس عن رئيس المجلس من نواب آخرين ! فقال أحد الظرفاء قبل أن نغادر العزاء, اسمحوا لي أن لا أتحدث عن الإصلاحات ولا عن البرلمان ولكن حديثي سيكون عن الجمل, فقال: قيل أن الجمل أشتكى يوم الحساب لرب العالمين مظلمة واحدة بعد أن تسامح بظلم البشر له من تعاملهم معه كسفينة للصحراء, يقطعها وهو عطش والماء فوقه ظهره محمول, وأنهم يحملونه فوق طاقته ويركبونه رجالا ونساء ويضعون الهودج فوق سنامه, وينقلون أحمالهم في هزيع من الليل والعرائس وجهازها في أطراف النهار فوق ظهره من مكان بعيد ولا يتوجع ولا يعارض, ويتركونه دوما في الخلاء ويطعمونه الشوك ولا يبالي ويضعونه في حدائق الحيوان والأطفال, ليركبه الفتيان والفتيات في يوم عيدهم ليسعدون, ويركبه الهواة والسائحون وحاديه لا يألم لألمه ولا يكرمه بوجبة طازجة يخصه بها ! لكنه, "أي الجمل" لن يتسامح في مظلمة واحدة وهي أن يقوده حمار وذلك في مواسم جني المحصول في أيام الحصاد. طال سهري في ليلتي بعد مغادرتي العزاء, وأنا أتذكر ما قد قيل, وتذكرت قصيدة الشاعر الكبير "عبد الرزاق عبد الواحد" الملحمية, يا صبر أيوب, مقاربا فيها صبر الجمل مع واقع العراق الجريح, التي يقول فيها:

قالوا وظل.. ولم تشعر به الإبل
يمشي, وحاديه يحدو.. وهو يحتمل..
ومخرز الموت في جنبيه ينشتل
حتى أناخ بباب الدار إذ وصلوا
وعندما أبصروا فيض الدما جفلوا
صبر العراق صبور أنت يا جمل !
......

... يا صبر أيوب.. حتى صبره يصل إلى حدود, وهذا الصبر لا يصل !
يا صبر أيوب, لا ثوب فنخلعه إن ضاق عنا.. ولا دار فننتقل
لكنه وطن, أدنى مكارمه يا صبر أيوب, أنا فيه نكتمل
وانه غرة الأوطان أجمعها
فأين من غرة الأوطان نرتحل !
أم أنهم أزمعوا أن لا يظللنا
في أرضه نحن لا سفح ولا جبل......

يرحم الله الدكتور عون سلامة العبيني رحمة واسعة, وعظم الله أجر ذويه الكرام, وشكر الله سعي كل من ترحم على الفقيد العزيز.



تعليقات القراء

فنيخر
الكاتب الكريم

الدكتورمحمود الحموري

بنفس المقارنه:

اقول:

"الله اكبر بسم الله"

انها ليست مقدمه لخطبه جهاديه تستحث الاعراب لاستعادة قدسهم المأسور

اولتطهير عرضهم المدنس(بتشديد النون)

او لبدء حملة لمكافحة الفساد

او اخرى لجمع مال لمساعدة المسخمطين

انها

مقدمة:

اغاني و اهازيج

الحنه(بتشديد النون) في التعليله

مع عظيم مودتي و احترامي

جراسا و المحرر المبجل

thank you
30-01-2012 07:51 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات