إيران تحفر قبرها بإغلاق مضيق هرمز


مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن, وهو يفصل ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، تطل عليه من الشمال إيران ومن الجنوب سلطنة عمان, عرض المضيق لا يتجاوز 50كم (34كم عند أضيق نقطة) وعمقه 60م فقط، ويبلغ عرض ممرّي الدخول والخروج فيه 10,5 كم, وتعبر من خلاله 20-30 ناقلة نفط يوميا. مع اكتشاف النفط إزدادت أهمية مضيق هرمز الإستراتيجية نظراً للاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة، وقد دفعت الأزمات السياسية دول المنطقة إلى التخفيف من اعتمادها على هذا المضيق والاستعانة بمد خطوط أنابيب نفط، إلا أن هذه المحاولات بقيت محدودة الأثر خصوصاً بالنسبة إلى استيراد الخدمات والتكنولوجيا والأسلحة.
نتذكر كيف ان مجموعة من القراصنة الذين يمتلكون قوارب وأسلحة متخلفة شغلوا العالم قبالة السواحل الصومالية, وكيف ارتفعت أجور تامين السفن التجارية وقتها. وعندما يصرّح قائد القوة البحرية الإيرانية الأدميرال "ستاري" (ان غلق مضيق هرمز أسهل من شربة ماء) فهذا حقيقي ولا مبالغة فيه, فإغلاق المضيق لا يحتاج إلى قدرة عسكرية فائقة بالنسبة لإيران, خاصة ان هذا المضيق تشرف عليه قمم جبلية يمكن إخفاء الصواريخ والأسلحة فيها وصعوبة اختراقها من قبل قوات الغرب, بالإضافة إلى عدد من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة "قشم" الإيرانية وجزيرة "لاراك" وجزيرة "هرمز"، إضافةً إلى الجزر الثلاثة المتنازع عليها بين إيران والإمارات (طنب الكبرى, وطنب الصغرى, وأبو موسى).
هناك عدة طرق قد تلجا إليها إيران لإغلاق المضيق منها أن تقوم بزرع الألغام البحرية في المضيق, أو/و أن تقوم بضرب ناقلة نفط عملاقة وهي تعبر المضيق فيتسرب منها النفط, أو/و تفجير ناقلة غاز قطري في منعطف مدخل الخليج، وتفجير ناقلة نفط أو غاز أو كلاهما ليس بالأمر الصعب ولا يحتاج لأكثر من صاروخين أو طربيدات اثنين أو غارة جوية لطائرة أو قارب صغير سريع يمكن أن يقوم بهذه المهمة, وسينتج عن التفجير اشتعال النفط أو الغاز ونشوب حريق ضخم في المضيق وبالتالي إغلاقه لعدة أشهر حتى يتم إطفاء الحريق وإعادة تأهيله لمرور الناقلات والسفن.
لقد بات من الواضح إن كل من أمريكا وأوروبا يحاولان دفع إيران لإغلاق مضيق هرمز وذلك لكسب التأييد العالمي لشن حرب سريعة على إيران لأن 40% من الاحتياجات النفطية لدول العالم تمر من هذا المضيق؛ وفي حال نفذت إيران وعودها وأغلقت المضيق فإن أسعار النفط سترتفع عالمياً إلى مستويات قياسية, وسترتفع كذلك قيمة التأمين البحري, وعندها ستصبح فرصة كل من أمريكا وأوروبا اكبر للحصول على قرارات أممية لضرب إيران, والحصار الاقتصادي الأمريكي والأوروبي الذي بدأ يجني ثماره اكبر دليل على ان كل من أمريكا وأوروبا يدفعان إيران لإغلاق المضيق أو الإقدام على أي خطوة متهورة أخرى, فالاقتصاد الإيراني في تدهور مستمر والعملة الإيرانية فقدت أكثر من ربع قيمتها في الآونة الأخيرة, وإيران الآن في وضع حرج وقادتها في تخبط مستمر وهو ما سيدفعهم إلى تنفيذ وعودهم وإغلاق المضيق أو/و مهاجمة إحدى الدول الخليجية أو/و مهاجمة البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية أو/و حتى مهاجمة إسرائيل.
إيران تعلم جيداً ان الحرب مع الغرب قائمة لا محالة ولكنها تحاول تأخيرها قدر الإمكان لكي يتسنى لها التسلح بشكل اكبر وهي تراهن على عنصرين رئيسين لتأخير ساعة الحسم الدولية، وهما أولا الاستحقاق الرئاسي الأمريكي حيث ان التلويح بإغلاق مضيق هرمز هو رسالة مزايدة مع الإدارة الأمريكية وتهديد بان يعاود الإيرانيون ما فعلوه بالرئيس كارتر إبان حملته الانتخابية الثانية وسقوطه لصالح الرئيس ريغان. والرهان الثاني على الأوروبيين فالتلويح بإغلاق مضيق هرمز يهدف إلى اللعب على وتر الأزمة المالية الأوروبية وارتفاع أسعار المحروقات التي ستولد متاعب متزايدة للأوروبيين, مع العلم ان صادرات إيران النفطية للدول الأوربية يتجاوز 400 ألف برميل نفط يوميا.
لقد تعودنا من إيران أن تصرّح بما لا تفعل, وهي دائماً تعطي نفسها اكبر من حجمها, والتهور أصبح طبعاً للحكام الشيعة في إيران, فإيران فازت في المرتبة الأولى ببث الأخبار الكاذبة وغير الصحيحة في كل المجالات, فمثلاً قالت سابقاً انه من يمس سوريا كأنه أعلن الحرب على إيران وبالفعل قامت إسرائيل بضرب سوريا في "دير الزور" ولم تحرك إيران ساكناً. وقالت كذلك انها ستقطع يد من يمس أمن إيران وقُتل أكثر من عالم إيراني داخل وخارج إيران ولم تفعل شيئاً أيضاً. فالسياسة الإيرانية الحمقاء تستمر بدفع الأمور باتجاه لا يخدم مصالح الشعب الإيراني بقدر ما يخدم إستراتيجية الغرب في محاصرتها اقتصاديا وتكنولوجيا. والسياسة الإيرانية الحالية البعيدة كل البعد عن الحنكة السياسية ترتكز على التلويح بقدراتها العسكرية لتعطيل الملاحة الدولية في مضيق هرمز الحيوي لاعتقادها انها بهذا تفرض شروطها على الغرب وعلى دول المنطقة، لكنها في الحقيقة تحفر قبرها بإغلاق المضيق حيث انها تقدم نفسها كطرف يهدد السلام والأمن الدوليين وتعطي مبررات كافية للمجتمع الدولي لمحاصرتها وخنقها اقتصاديا.
لإيران الشيعية مأرب آخر في تهديد الملاحة في مضيق هرمز وهو إشغال الرأي العام ولو جزئياً عن المجازر التي تُرتكب في سوريا على يد حليفها بشار الأسد العلوي –العلوية أحد فروع الشيعة-, على الرغم من ان النظام السوري أصبح قاب قوسين أو أدني من السقوط, خاصة بعد فشل مهمة المراقبين العرب الحتمية بسبب طغيان نظام بشار الفارسي وعجز الجامعة العربية عن إنقاذ الشعب السوري من براثن النظام العلوي الدكتاتوري.
يمكن لإيران أن تلحق أضراراً اقتصادية بالدول المصدرة والمستوردة للنفط من منطقة الخليج العربي إذا ما أقدمت على إغلاق المضيق لكن سيكون الثمن الذي ستدفعه أفدح وابعد بكثير مما سيخسره الآخرون, ولا سيما في ظل وجود القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج العربي ووجود البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية وبحر العرب والمحيط الهندي واعتماد امريكا على في حروبها على التكنولوجيا وحسم المعركة من الجو, والتخبط الذي يحصل في إيران اليوم ليس ببعيد الشبه عما فعله صدام حسين قبيل غزوه الكويت من استعراض للعضلات. لذلك إذا أغلقت إيران مضيق هرمز فانها ستعطي المبرر لضربها واستهدافها, ولن تكون قادرة على الاستمرار في غلق المضيق لأنها لا تمتلك التكنولوجيا التي تؤهلها لمواجهة القوى الغربية ومصيرها لن يختلف عن مصير عراق صدام.
في الجانب الآخر فإن الدول الغربية وعلى رأسها أميركا تستمر في حث الدول الخليجية لتقوم بعقد صفقات بعشرات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وتطوير جيوشها للدفاع عن دولها وكيانها من الخطر الشيعي القادم من إيران, وآخر صفقات السلاح ما سمعناه في الإعلام المقروء والمرئي مؤخراً عن صفقات بيع طائرات حربية بالمليارات لكل من السعودية والإمارات.
لقد استغلت إيران تحالفها مع الغرب وإسرائيل في الماضي بمساعدته على اجتياح العراق ومحاصرته, ومساعدتها أيضا في اجتياح أفغانستان, وخلال فترة التحالف هذه أخذت إيران بتطوير أسلحتها البرية والجوية والبحرية لتكون جاهزة لساعة الحسم, وهي تعتمد على تحالفها مع كل من روسيا والصين في حال نشبت حرب مع الغرب, وإذا ما تهورت إيران وأغلقت مضيق هرمز فستكون الشرارة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة, خاصة إذا ما أقدمت إيران على قصف إسرائيل بالصواريخ بعيدة المدى وتدخلت كل من سوريا الأسد وحزب الله في لبنان وحماس في غزة ضد إسرائيل وأمريكا, ووقفت كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا مع الحليفة إيران, خاصة ان هذه الدول لن تسمح بوجود أمريكي غربي على حدودهما, وفي المقابل ستقف معظم الدول العربية –بما فيها الأردن- إلى جانب أمريكا وإسرائيل في حربها ضد إيران, وستكون حرب لا تُحمد عقباها تستمر لسنوات, وربما ستقدر إيران وحلفائها على الإضرار بالمصالح الإسرائيلية والأمريكية والعربية ولكنها في النهاية ستخسر ومن معها هذه الحرب.
ان المشكلة الكبرى تكمن في فلسفة ما تؤمن به القيادتان الأمريكية والإيرانية, فالأمريكيون (المحكومون من الماسونية والصهيونية) يؤمنون بقدوم أعور الدجال ويسعون لتسخير الظروف المناسبة لقدومه, والإفساد في الأرض من الأمور التي ستعجل بقدوم أعور الدجال, وحرب عالمية ثالثة كافية للإفساد في الأرض وخروج أعور الدجال (حسب رأيهم). أما بالنسبة للقيادة الإيرانية, فإن الأمر لا يختلف كثيراً ذلك لأن مرشد الجمهورية وأحمدي نجاد ومن معهم يؤمنون وبصورة مطلقة بنظرية ظهور الأمام المهدي المنتظر, ولظهور هذا الأمام يجب أن تتوفر الشروط اللازمة لظهوره وهي إشاعة الفوضى والفساد, وحرب عالمية ثالثة كفيلة بإشاعة الفوضى والفساد (حسب رأيهم). ولكن بالرجوع إلى الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن المستقبل وبقراءة متمحصة وعميقة للأمور فإن إيران ومن يحالفها من الدول ستخسر هذه الحرب والله اعلم.



تعليقات القراء

مالك فايز
مقال رائع يدل على وعي عال و رؤية ثاقبة واقعية
28-01-2012 08:15 PM
متابع
نظرة ثاقبة للوضع في الخليج العربي وايران وعلاقتهم بالغرب

شكرا على المقال
29-01-2012 12:22 AM
فنيخر
فنيخر:سمعت انه ايران بدها تسكر المظيق وتروح تنام

هذلول:ولك لاميت بدك ظل هبيله(لازم تراجع تعليقات ثانيه:جمهورية المسؤول المتنفذ ؟



للاستاذ :احمد عريقات و المنشور على موقع جراسا)

فنيخر:ما فهمت

هذلول:اول اشي

هاظ حكي من فوق الجوزه

و ثاني اشي

لو كان من تحتها

غيرهم كان اكثر و طنيه و اقوى و جرب

و ما زبطت معه





الكاتب الكريم

الاستاذ هيثم المومني

مع عظيم مودتي
29-01-2012 09:45 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات