الثورة السورية .. إلى أين؟


إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
سوريا ليست بمعزل عن دول المنطقة, وشعبها جزء من شعوب هذه الدول التي انتفضت وطالبت بحريتها وحقوقها الأساسية في العيش الكريم، للقضاء على الفساد وللانشقاق على الديكتاتورية وعلى القبضة الأمنية, فالانشقاق بحد ذاته شيء ايجابي وليس سلبي وهو أداة من أدوات تطور المجتمعات، ولولاه لما تقدمت الأمم, فكل الفضل للعلماء المنشقين القائلين بكروية الأرض في زمن كان ينكر الدوائر ولا يرى إلا أجساماً مسطحة، وتحية إجلال لعظماء التاريخ الذين أسسوا حضارتهم بملحمة الانشقاق على الجموع المستكينة، فالمستقبل لم يصنعه إلا المغامرون, وولادة الإنسان وظهوره للحياة هي حركة انشقاق عن الرحم بامتياز، فيجب أن لا نتهيب من مصطلح "الانشقاق"، لأن فيه سبيل التطور وتتشكل ملامح المستقبل من الانشقاق البناء، فخدمة المجتمعات أولى من خدمة ذواتنا، وحيويتها أولى من عبادتها الأصنام، حتى ولو كنا نحن الصنم, وقد فهم الشباب السوري ذلك جيداً, والوعي الذي بات يمتلكه اليوم هو أكبر من أن يقضي عليه شخص ما أو جهة ما، مهما بلغت وبالغت في قسوتها وقمعها.
بدأت الثورة السورية باحتجاجات في درعا كانت تنادي ضد الفساد والاستبداد.. ومعظمها كان يهتف "حرية.. حرية" بعيداً عن إسقاط النظام.. وكانت تنظر هذه الاحتجاجات إلى التغيير بما يليق بمدنية سوريا وتاريخها.. فالشباب السوري الثائر في درعا هم قناديل النور التي أضاءت الطريق لباقي مدن سوريا لتثور على الظلم والاستعباد.. فالحل كان يجب أن يكون منذ بدايات الاحتجاجات وكان على الأسد النزول عند رغبة الشارع التي كانت قليلة نسبيا.. أما الآن فلا حل عند الشعب السوري إلا بالإطاحة بهذا النظام الذي لم يعد له قاعدة شعبية، والذي تأسس على القمع وقهر الشعب وإهدار كرامته. أما مسالة الحوار التي يتغنى بها بشار الأسد ونظامه فالحوار ينبغي أن يكون واقعا حقيقيا لا كلاما نظريا، فمن كان يريد الحوار فعليه أن يسحب دباباته من المدن السورية ويتجه بها نحو الجولان لاسترجاعها بدلا من أن يقتل شعبه بها.
ان الشعب السوري الثائر اليوم يسعى للقضاء على عائلة الأسد التي أفسدت كل ما هو جميل وحقيقي في سوريا.. وهو يناضل ويكافح لإسقاط الطاغية الديكتاتور بشار الأسد (نشار الجسد), وفي المقابل يرد نظام الأسد بالقتل والقمع الوحشي بواسطة قوات النظام السوري وشبيحته.. بعد أن راهن هذا النظام على الخيار الأمني في إخماد ثورة شعبه, وبدعم من الأقليات العلوية في الداخل, وبدعم من شيعة الخارج (إيران وحزب الله), فإيران وحزب الله يقدمان الدعم للأسد ويمدانه بالأسلحة ليخمد بها ثورة شعبه. ونظام الأسد كذلك مدعوم من روسيا, ليس حباً من القادة الروس في بشار الأسد ونظامه وإنما تحقيقاً للمصالح الروسية في سوريا كون سوريا تحتضن أكبر قاعدة عسكرية روسية على أراضيها, وكون سوريا تعتبر سوق لبيع السلاح الروسي, ولاعتبارات أخرى كثيرة.. وابرز دليل على ذلك ما تناقلته شاشات التلفزة عن ان باخرة محملة بالأسلحة قدمت من روسيا إلى سوريا قبل أيام.
إن بقاء نظام الطاغية العلوي – العلويين هم أحد فروع الشيعة- بشار الأسد مستولياً على السلطة غير وارد نهائياً, فزوال بشار الأسد ونظامه حتمي لأنه وصل مع شعبه مرحلة اللاّعودة, فلا حل بالدم لأن الدم لا يولد إلا مزيدا من الدماء, ولا يمكن للشعب أي شعب ثائر العودة إلى نقطة الصفر دون تحقيق مطالبه حتى ولو دفع الغالي في سبيل ذلك, فالنظام السوري انتهى وسقطت أركانه أمام شعبه وأمام العالم.
بشار الأسد لم يتعظ من حسني مبارك وزين العابدين ومعمر القذافي, واستخدم نفس الأساليب القمعية التي استخدمت في ليبيا, فهو يظن أن الشعب السوري إرث ورثه عن أبيه, وحتى انه لم يستمع لنصائح أشقائه العرب وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني حينما نصح بشار قائلاً (لو كنت مكان بشار سأتنحى فورا..), فبشار يصم آذانه الطويلتان باستمرار. ناهيك عن خسارة النظام السوري للتعاطف العربي الشعبي لمواقفه الظاهرية من قضية فلسطين التي كان يتاجر بها ويُسكت بها كل صوت يطالب بالحرية. وخسارته كذلك لجاره التركي الذي وقف مع الشعب السوري في ثورته.
الشعب السوري الثائر لم ينسى يوماً ان حافظ الأسد جاء على دبابة بانقلاب دبرته المخابرات الأمريكية, وتم خلالها ترويض الشعب السوري وإذلاله, ولا ينسى كذلك مجازر حافظ الأسد في حمص وحماه, كما ان الشعب السوري لن يسامح بدماء آلاف السوريين الذي استشهدوا على يد قوات وشبيحة بشار الأسد ونظامه, فأين كان هذا الجيش وأين كانت هذه القوات عندما احتل الكيان الصهيوني الجولان؟؟!! وكذلك الشعب السوري لن يسامح على عمليات الاغتصاب وتشويه الجثث من قبل قوات وشبحية بشار الأسد, ولن يسكت عن عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون بشار الأسد, وكذلك لن يقبل بالإصلاحات الصورية التي قام بها بشار الأسد, ولن ينسى.. ولن يسكت.. الخ.
لقد بدأ نظام بشار الأسد بالتهاوي خاصة بعد الانشقاقات الكبيرة التي حدثت في صفوف الجيش السوري, وانشقاقات أخرى حدثت في الدوائر الدينية في الدولة, وآخرها انشقاق مدير مكتب المفتي الذي هدد بانشقاقات كبيرة في الدوائر الدينية في الدولة, هذا بالإضافة إلى ان عزلة النظام السوري تشتد وهناك شبه إجماع دولي بأن على بشار الأسد أن يتنحى.
أما الاقتصاد السوري فهو في تصدع مستمر نتيجة للعقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضت على سوريا من مجلس الأمن ومن جامعة الدول العربية, وكثير من البلدان العربية قامت بتطبيق هذه العقوبات وأوقفت تعاملاتها الاقتصادية مع النظام السوري, وبالتالي بدأت الدولة السورية بالانهيار اقتصادياً وهو ما سيؤدي إلى تحرك رجال الأعمال الذين يقفون الآن مع نظام بشار الأسد لينقلبوا عليه بشكل سريع.
لا أحد ينكر ان هناك مخطط امبريالي لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد حسب الحاجة والرؤيا الأمريكية, ولا أحد ينكر أيضاً ان إسرائيل وأمريكا وبعض الدول الأوروبية تحاول السيطرة على الثورات العربية وحرفها عن مسارها والاستفادة من نتائجها باسم الديمقراطية, ومما لا شك فيه أن سورية مستهدفة من قوى معادية كثيرة وهذه القوى تتربص بها منذ أمد بعيد، ولكن رياح التغيير لم تأت هذه المرة من أمريكا وإنما هبت من المغرب العربي حاملة معها بذور الديمقراطية ومبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وهذا هو مطلب الشعوب العربية بما فيها سوريا, وما كان لأمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول أن تنال من سورية والشعب ملتف حول قيادته, فأتى بشار الأسد ونظامه وأعطوا أعداء سوريا هذه الفرصة على طبق من ذهب بتصرفاته الوحشية وإجرامه الذي قابل به شعبه السوري الثائر.
إن التدخل الأجنبي أصبح مؤكداً نتيجة لاستمرار النظام السوري في عناده ورهاناته على الخيار الأمني, وثمة العديد من الدلائل على ان التدخل الأجنبي سيحصل في سوريا, منها حركة الأساطيل البحرية الأمريكية والبريطانية, والمناورات التي ستجريها القوات الأمريكية في إسرائيل, وما يرافق ذلك من التصريحات النارية. وكل الدلائل تشير إلى انه لم يبق الكثير من الوقت للمناورة حيث سيصدر قرار دولي بالتدخل لقوات حلف الناتو وستقود أمريكا الحلف بشن هجمات طويلة على الجيش السوري وعلى مقرات حزب البعث ويصاحب هذا تحرك قوي من الثوار السوريين حتى يتم إضعاف ما تبقى من الجيش السوري مع النظام وشل حركته وانشقاق المزيد من أفراده وانضمامهم للثوار, ثم يسقط نظام حزب البعث في سوريا ويتحرر الشعب السوري من الدكتاتورية, وقد تمتد هكذا حرب إلى إيران وتجر معها كل من روسيا والصين وأوروبا وإسرائيل وتصبح حرب عالمية ثالثة.. أما إذا انتهى الأمر في سوريا ولم تتدخل إيران وحزب الله فهناك سيناريوهين: إما أن يهرب بشار الأسد إلى إيران لأنه لا يوجد دولة في العالم ستقبل به على أراضيها غير النظام الإيراني الذي يشابه النظام السوري في ديكتاتوريته وقمعه, والسيناريو الآخر هو أن يقبض الثوار على بشار ويكون مصيره بإذن الله أسوأ من مصير القذافي ويُقتل شر قتلة. أما أعوان النظام السوري الذين لم يستطيعوا الهرب فسينتهي بهم المطاف إلى الاختلاء في الحفر أو القناطر ويخرجون منها كالجرذان والجرابيع في جحورها أذلاء مهزومين يطلبون الرحمة والعفو ممن يصفونهم بالجرذان والخونة وسينالون جزائهم العادل. وسيستلم الإسلاميون الحكم في سوريا عن طريق انتخابات حرة ونزيهة (كما جرى في تونس ومصر) وستسود الديموقراطية والعدل والمساواة والدولة المدنية في سوريا الحرة شاء من شاء وأبا من أبا, وسوف تكون الحياة الكريمة للشعب السوري العريق, ولو انها أتت بعد مخاض طال شيئا ما عن نظيراتها من الثورات العربية.
للأسف فإن هنالك فئة تستمر في رسم الصورة التي تحدث في الدول العربية على انها مؤامرة خارجية, والذي يروج ذلك إما جاهل لا يؤمن بان العالم تغير بكل حيثياته السياسية الاقتصادية والإعلامية والالكترونية, وإما انه من أذناب الأنظمة المنهارة أو التي في طريقها للانهيار. فالقرن الحالي يشهد شباباً عربياً حراً قائماً على العلم والتكنولوجيا، وعلى الاستفادة من المعرفة الإنسانية أينما كانت, وهؤلاء الشباب ليسوا علمانيين أو ماركسيين أو إسلاميين أو ليبراليين بمفهوم القرن الماضي، فهذه المصطلحات تعجز عن أن تبلور فكرهم، لأنهم يدركون عمق التداخل بين الأفكار في الفكر الإنساني، ويؤمنون أن خلف الحقيقة حقائق أخرى خفية لا يظهرها إلا العلم، وان عليهم إبداع أيديولوجيا جديدة تجيب على أسئلة الواقع يتطلب بجانب العودة إلى النظر في النصوص المرجعية إلى عقل حر يطلع على كل الثقافات والأفكار بهدف الاستفادة منها وأخذ أفضل ما فيها.
إن الغرب مهما بلغ مكره ودهائه فإن الله هو خير الماكرين مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ). وسيكون النصر على أيدي هذا الجيل بإذن الله لإعلاء كلمة الله في الأرض وإنشاء دولة الخلافة الإسلامية التي بشرنا بها حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام.



تعليقات القراء

فنيخر
(الثورة السورية .. إلى أين؟ )

الى احضان الدوحه

عاصمه امبراطورية قطر العظمى

مع الاعتذار من

الشعب القطري الكريم



22-01-2012 09:29 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات