الأردن أزمة نظام لا أزمة حكومات


للأسف فقد كان جلوس د. علي ضلاعين على طاولة الحوار على محطة (سفن ستار) مع أحد نواب المجلس المزور، ومدير البرنامج -سقطة نأمل أن لا تتكرر من إنسان نحسبه يحترم عقله ويحفظ كرامته.
لم تكن تلك جلسة حوار، ولا نقاش موضوعي بقدر ما كانت الجلسة جلسة مهاترات ودعاوى كاذبة، وخروج عن حدود اللياقة الأدبية، والأمانة العلمية في النقاش، وإن كنت لا أرغب بتسجيل أي ملاحظات على سعادة النائب لأن ما يطرحه مبتذل مكرور، فإنني أبدي أسفي على المستوى الذي رأيت فيه مدير البرنامج وهو يناصره ويستخف بالإسلام، ويطعن فيه وفي مبادئه وقيمه مختبئا وراء الطعن في الإخوان (باعتبارها صرعة العصر) لينتقص من اللحى والجلابيب والعمائم، مع أنها في علم الاجتماع -على الأقل-من المظاهر المميزة للأسلام وللأمة المسلمة بين مثيلاتها من أهل الملل الأخرى.
دافع الرجلان باستماته عن النظام، وتجاوزا كلّ حدود الذوقيات ، ورفضا فكرة تغييره كشرط لإنهاء الفساد، والبدء في مشوار الإصلاح، على اعتبار أن النظام خط أحمر، وأنه فوق النقد، وأنه على المنتقدين أن يوجهوا نقدهم للحكومات وللحكومات فقط.
من هنا أقول لقد انفرد الأردن بأرقام (جينتس ) في عدد الحكومات قياسا لعمر الدولة، والتي كانت دوما مجرد أقنعة لصانعي القرار الحقيقيين في النظام، ومناشف لمسح الأيدي بعد الانتهاء من أداء السياسات التي جاءت من أجلها.
لقد شكلت الحكومات بدورها عبئا على الدولة والنظام نفسه، لأن النسبة الكبرى من عناصرها تتحول إلى عوالق للابتزاز، ولأن عملية تغذيتها وتلبية نهمها بهدف إسكاتها وضمان صمتها عن التجاوزات يستنزف الإمكانات، ويضاعف فرص العجز عن تلبية النهم المتزايد لجحافلها مع محاسيبها ومن يدور في فلكهم.

الأزمة أزمة نظام لأنه ألغى الدستور، وعطل القانون، وزور الإرادة الشعبية، وبنى سياساته على أساس الاسترضاء وشراء الولاء، وهي سياسة تورث الشراهة في الذِّمم الْمُشتراة إلى القدر الذي تعجز فيه أدوات النظام نفسه عن تلبية الرغبات الجامحة، في حين تساهم سياساته هذه وبفعالية في تولد المشاعر الغاضبة للقطاع الأوسع من الجماهير المهمّشة التي تشعر بالعزلة والحرمان والإقصاء.
الأزمة أزمة نظام حين رضي أن تنمو في جسده عدة رؤوس، تضخمت حتى نافست الرأس الكبير، كما نبتت في جسده أذرع وأهداب خرجت عن سيطرته، وأفسدت برامجه فهي تعيقها حينا وتصادمها حينا وتصادرها أحيانا أخرى.
الأزمة أزمة نظام بمعني أزمة نهج وسياسات وإدارة، والدعوة لتغيير النظام لا تعني إسقاطه واستبداله بغيره، بل وضع الضمانات الدستورية والقانونية التي تكفل العدالة والنزاهة، وترسيخ الآليات التي تضمن المتابعة والمساءلة والمحاسبة، بحيث يصير الجميع تحت طالئلة المسؤولية، وتتكرس في أدبيات الدولة معادلة تلازم السلطة والمسؤولية، وتختفي من أجنداتها سياسات التخدير والتمرير وأكباش الفداء.
أما الإنجازات التي يتحدثون عنها فهي إنجازات الشعب الأردني، وليس للنظام ولا لغيره أن يَمُنّ بها على الشعب ، لأنها من أبجديات أي نظام، وأوجب وواجباته تجاه شعبه، ولولا الفساد المعشعش في مفاصل النظام لتضاعفت الإنجازت مرتين وثلاث مرات بل أكثر من ذلك، مع يقيننا أن الانجازات التي يتحدثون عنها ما هي إلا في حدها الأدني، ولا أدلّ على ذلك من السير لساعة واحدة في شوارع مدننا وقرانا، وفتح عشوائي لحافظات النقود لعينة من المارّة في طرقاتنا أو أسواق الخضار عندنا.
أما الحديث عن سقف الحرية التي يعيشها المواطن قياسا للمحيط العربي، فلا ترقى لتكون سببا مقنعا للكف عن انتقاد النظام وسياساته، لأن هذا السقف فرضته التحولات الجارية فرضا، ولم يكن اختيارا من النظام وأجهزته، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن مكاسب النظام من هذه السياسة أضعاف أضعاف مكاسب المواطن، لأن حرية التعبير لا يترتب عليها عندنا أي تحولات في السياسات، ولسان حال النظام يقول لنا: (قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء). ولو انزلق النظام لا قدر الله إلى منزلق القمع وتكميم الأفواه والتصفية لأعلن من زمن بعد عن انتهاء وجوده في ظل طبيعة العقد والعلاقة القائمة بين الشعب والنظام منذ نشأته.
الأزمة أزمة نظام حقيقة لا مجال للجدال فيها، وباتت حديث المثقف والعامي والبادي والحضري والمطلوب سرعة إجراء التحولات لأن السدود امتلأت ولا تحتمل المزيد، وإذا انهدمت فلا مجال للتدارك.



تعليقات القراء

1
.........
رد من المحرر:
نعتذر.....
22-01-2012 11:58 AM
الدويري عبدالرحمن
نشكر المحرر // متعودون فلا بأس عليك. شكرا لمهنيّتك.
22-01-2012 02:32 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات