تضطلع مؤسسة الضمان الاجتماعي بدور اجتماعي واقتصادي مهم في الدولة، لا يكاد يخفى على أحد، وهو دور في تعاظم وتنامٍ مستمر، وسوف يضعف هذا الدور بعد أن تم إخضاع المؤسسة وموظفيها لمظلة الخدمة المدنية، على اعتبار أن تنظيم الموارد البشرية حين يكون متماشياً مع نظام الخدمة المدنية والتعليمات الصادرة بموجبه، سوف يؤدي إلى إدخال المؤسسة في دهاليز البيروقراطية الحكومية بكل سلبياتها مما يؤثر على طبيعة العمل التأميني والاستثماري الذي تقوم به مؤسسة كبرى بحجم مؤسسة الضمان الاجتماعي..!!
وعلى أية حال، فإن الإصرار الحكومي على عدم استثناء المؤسسة من الخضوع لمظلة الخدمة المدنية، سيدفع باتجاه وضع المؤسسة في دائرة المؤسسات الحكومية، مما يعيق عملها بشكل كبير جداً، ويرفع بالتالي من كلفة تشغيلها ونفقاتها الإدارية المختلفة، وليس تخفيضها كما يتصور صانعو القرار، ذلك أن البيروقراطية لها كلف عالية على المجتمع والدولة، ولن ندخل في التفاصيل، وسوف يدعم هذا التوجّه - غير الحصيف بتقديري- الفكرة السائدة في مجتمعنا بأن الإدارة الحكومية لمرافق حيوية في الدولة غير ناجحة، وبالتالي فإن المناداة بضرورة العمل على ترشيق مؤسسات الدولة المختلفة، وبخاصة تلك التي تضطلع بأدوار غير تقليدية، ومنحها مزيداً من المرونة والاستقلالية، يظل هو الأساس الذي يجب أن تستند إليه الحكومات ويستند إليه المشرّع في التعاطي مع إدارة بعض المرافق العامة، وإلاّ فإن النتائج ستكون وخيمة ومكلفة على الاقتصاد الوطني، وسوف ترفع مع الوقت من وتيرة الاحتجاج الشعبي على شكل ومضمون الخدمة، ورداءة الإنتاجية والإنجاز..!!
وإذْ تُذعن المؤسسة الآن للقرار الحكومي الذي حذّرنا منه مراراً، وتضع نفسها تحت الولاية الكاملة للحكومة عبر دخولها مظلة الخدمة المدنية، إلاّ أن ذلك لا يمنع من التذكير بأن تبعات هذه المرحلة ستكون كبيرة ولن تنتهي بمجرد عملية تنظيم للموارد البشرية كقضية إدارية فحسب، كما قد يتراءى بنظرة سطحية من الوهلة الأولى، بسبب تداخل الشأن الإداري التنظيمي بالشأن التأميني والاستثماري في أعمال المؤسسة المختلفة، وفي المجالس واللجان التي تحكم جوهر عملها.. ومن هذا المنظلق، سوف تتأثر أعمال المؤسسة الأساسية نتيجة إعادة هيكلة مواردها البشرية، وفي اعتقادي بأن الحكومة (أي حكومة قادمة) سوف تشعر بالندم على الخطوة التي اتخذتها في هذا الصدد ولمّا تدرس بشكل كاف تداعياتها وتأثيراتها على أعمال هذه المؤسسة ومستقبلها..
من هنا، فإنني أريد التذكير بأن مشروعاً بحجم إعادة الهيكلة وتنظيم الموارد البشرية وما يستهدفه من ضبط للنفقات وعدالة كما يُقال، وهي أهداف لا يختلف عليها أحد، تتطلب أيضاً حرصاً أكبر على ضبط نفقات مؤسسة كبيرة ومهمة وذات نفع عام في المجتمع مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي التي انخفضت نفقاتها الإدارية من (2ر4% عام 2010 إلى 4ر3% عام 2011) وذلك من مجمل إيراداتها التأمينية، وهي نفقات تقل كثيراً عن المعيار العالمي في نفقات المؤسسات التأمينية التي تتراوح في العادة ما بين 4% إلى 7% من إيراداتها التأمينية.
وهذا الأمر يحتاج إلى دعم حكومي رسمي للمؤسسة مادياً ومعنوياً لتمكينها من توجيه جهود أكبر على المستوى التأميني لخدمة الشرائح المنضوية تحت مظلة الضمان من مشتركين ومتقاعدين، ودعم هذه الشرائح بحيث تحظى بنظام تأميني يحقق لها مزيداً من الحماية والاستقرار والحياة الكريمة، ولذلك تنحو الحكومات التي تتدخل بشكل أو بآخر بأعمال وإدارات المؤسسات التأمينية ذات النفع العام إلى تحمّل كامل نفقاتها الإدارية والتشغيلية بما فيها رواتب وأجور العاملين والموظفين، وعليه فإنني كمواطن وإعلامي ومشترك وصاحب خبرة في الضمان، ومن منطلق الحرص على هذا المرفق ذي النفع العام والذي يعتبر من أهم المرافق في الدولة، أطالب الحكومة وبهدف تعزيز مسؤوليتها عن مؤسسة الضمان وولايتها عليها، بعد أن قررت إدخالها ضمن منظومة الخدمة المدنية، بحيث أصبحت تتعامل مع موظفي الضمان كموظفي خدمة مدنية شأنهم شأن بقية موظفي الحكومة في المؤسسات والدوائر الرسمية المختلفة، أطالب الحكومة بأن تجري التعديلات القانونية اللازمة المتوافقة مع هذا التوجّه، ومن ذلك أن يكون هناك مخصصات للنفقات الإدارية ورواتب موظفي مؤسسة الضمان الاجتماعي ضمن الموازنة السنوية العامة للحكومة، حتى لا تُمسّ أموال المشتركين على الإطلاق، ولا يظهر أي مسؤول أو أي مواطن مستقبلاً ليقول بأن موظفي الضمان يتقاضون رواتبهم ويحصلون على مزاياهم من أموال المشتركين..!! عندها سيشعر المشتركون والمتقاعدون بأن أموالهم بعيدة عن أي انتقاص، وسوف تكون هناك فرص وحيدة لتوجيه صرفها لغايات منفعة المؤمن عليهم والمتقاعدين دون غيرهم..
وأتساءل أخيراً: هل تعمل الحكومة بهذا المقترح الضروري، استكمالاً لما بدأته بإدخال مؤسسة الضمان ضمن منظومة الهيكلة والخدمة المدنية.. سؤآل ينتظر إجابة واضحة من وزيري التطوير والمالية..!؟؟


Subaihi_99@yahoo.com