رجال الرخاء ورجال الشدة


حتى فترة قريبة، وقبل انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وكذلك الحراك الأردني –الذي نحترم كثيراً من مطالبه ونتفق معها- لم يكن يمر يوم إلا ونصحوا على خبرٍ مفاده أن أحد أصحاب الدولة أو المعالي أو السعادة أو ممن يعتقدون أنفسهم وكان الكثير منا يشاركهم الاعتقاد بأنهم من رجال الأردن وأبنائه البررة، قد ألقى محاضرة، أو شارك في ورشة عمل، أو ظهر في برنامج حواري، أو قاد جحافل جاهة كريمة لطلب يد صاحبة صون وعفاف، أو أنه كان على رأس مستقبليها، ولا ننسَ الصور التي كانت تزخر بها تلك الأخبار لهذا الإبن البار، وهو يمتطي صهوة الكلمات الرنانة متسلحاً بالمايكروفون كي يلقي خطبة عصماء عن العلاقات الإجتماعية، وعن النسيج الفسيفسائي الجميل لهذا الوطن العزيز، وعن الإنتماء للوطن والولاء للقيادة الهاشمية المظفرة، وعن خطط آليات العمل وبرامجه، وعما كان كيف كان يجب أن يكون، ولا ينسى ذلك الإبن البار التندر بمآثر الوطن والإنجازات التي تحققت على مدى عقود من عمر هذا الوطن، وقد حقق أولئك ثروات مادية ومعنوية- في زمن الرخاء- لا يمكن لهم أن يخفوها.

أما اليوم، وفي ظل الظروف التي لا يخفى على أحد مدى صعوبتها ومدى حاجتنا في ظلها إلى التماسك والتعاضد فيما بيننا، كأبناء لهذا البلد وسكان لذلك البيت، فلم نرَ أياً من هؤلاء الأبناء البررة يخرج علينا نحن الأردنيين ليشرح بعض المفاهيم أويوضحها أو يصححها والتي إما أنه تم تشويهها، أو أنها فُهمت على نحو مغاير لما هي عليه في الواقع، بل إن منهم من ركب الموجة ليحقق أيضاً مصالح شخصية لا تخفى على أحد.

نحن نرى أن اختفاءهم وغيابهم عن الساحة له أحد الأسباب الثلاثة وهي، إما أنهم حققوا من هذا البلد ما كانوا يطمحون إليه على المستوى الشخصي من أهداف، واكتفوا بذلك متعاملين مع الوطن باعتباره صفقة تجارية، أو أن لديهم الشكوك بقبولهم لدى الشارع أو لدى ما يسمونه قواعدهم، أو أن لديهم تخوفاً من حقائق تخصهم فيما لو انكشفت.

نقول لأولئك الذي نستطيع أن نسميهم، بكل أسف، رجالَ الرخاء: إننا نأسف على تلك الفترة من الزمن التي قدمناكم فيها على أنفسنا، وبجّلناكم فيها كرجال أوفياء لهذا البلد ولنا كأردنيين، نحن لا نقول هذا الكلام لأننا كأردنيين أو كوطن –لا سمح الله - بحاجة إليكم، ولكن لأننا نعتب على أنفسنا، قبل أي أحد، لما قدمناه لكم من فُرط الإحترام؛ فهذا البلد الذي أنجب هزاعاً ووصفي قادر، بإذن الله، على إنجاب أمثالهم من الرجال (رجال الشدائد) الذين نذروا أنفسهم على دروب التضحية من أجل هذا البلد وذلك الشعب وتلك الأمة.

لقد قالها أباؤنا وأجدادنا من قبل: إن الرجال نوعان: رجالٌ للرخاء ورجالٌ للشدة.

اللهم سلّم لهذا البلد رجال الشدائد؛ فهذا البلد قادر، بإذن الله، ثم بقلوب وسواعد أبنائه رجالِ الشدائد على تخطي كل الصعاب والمضي قدماً نحو الرفعة والسمو.


المحامي الشريف ايوب المجاغفة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات