جولة ميتشل


جولة الأسبوع التي شرع فيها المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل وتقوده إلى كل من القاهرة وتل أبيب ورام الله وعمان والرياض وربما أنقرة والتي ستقوده كذلك إلى باريس ولندن في طريق عودته إلى بلاده ستكون الامتحان الأول لإدارة الرئيس أوباما في ملف الأزمة التي يزداد سوءها استفحالا وتزداد آفاق حلها ابتعادا.

ومع أن الخطوط الأساسية لتحرك ميتشل في المرحلة المقبلة بعد انتهاء جولته الحالية لن تتضح بما يكفي إلا بعد عودته في ضوء ما قاله الرئيس أوباما من أنه يريد في نهايتها صياغة "رد محدد" على ما جرى مؤخرا في المنطقة، ويقصد الحرب على غزة، ومن أن بلاده ستتخذ "سلسلة مبادرات في الشرق الأوسط"، إلا أن التصريحات الأمريكية المطلقة إلى حد الآن، سواء من الرئيس نفسه أو من أركان دبلوماسيته الجديدة، لا تبعث حقيقة على كثير من التفاؤل وقد تجلى ذلك في عدد من النقاط أبرزها بالخصوص:

ـ التركيز المطلق والدائم والممل في نهاية المطاف على أمن إسرائيل وضرورة حمايته الدائم وكأن الذي جرى مؤخرا في غزة هو تدمير لبيوتها وقتل لأطفالها ونسائها وقصف لمدارسها وجرح لآلاف مواطنيها أغلبهم بإعاقات دائمة وبأسلحة محظورة دوليا، وكأن هي من وقع ضحية لجرائم حرب فلسطينية وليس العكس. صحيح أن التزام واشنطن بأمن إسرائيل من ثوابت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مهما كانت ولكن في سياق كالذي نمر به الآن بعد عدوان غزة يبدو الأمر خارج أي سياق منطقي بل ويبدو مستفزا وعنصريا في انتقائيته عند الحديث عن الضحايا.

ـ غياب كامل لمفردة "الاحتلال" في كل التصريحات إلى الشعب الفلسطيني وكأن هذا الشعب في الضفة وغزة دولة قائمة بذاتها إلى جانب إسرائيل ودخلت في نزاع مسلح معها وعليها بالتالي تحمل وزر أفعالها على غرار ما وقع مثلا بين روسيا وجورجيا. وفي المقابل وبالتوازي مع ذلك هناك إهمال كامل وواضح لأي أفق سياسي موعود لهذا الشعب سوى الترديد الممجوج عن دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب بحيث لم تتردد سوى عبارة إحياء عملية السلام وكأن الهدف بات عملية التفاوض في حد ذاتها وليس ما يمكن أن يتمخض عنها.

ـ تنامي المقاربة التي باتت تختزل معاناة هذا الشعب في الجانب الإنساني دون غيره عبر الحديث عن إدخال المؤن والدواء والوقود وتوفير الخيام، بل وحتى عبر الحديث الفني البارد عن إعادة إعمار غزة، وكأن أبناء هذا الشعب سقطوا ضحايا زلزال أو تسونامي. إن التركيز الكبير على هذا الجانب دون غيره، على أهميته طبعا، يشتم منه بالأساس تقزيم الطابع السياسي للمشكلة برمتها وإبعاد إسرائيل وممارساتها عن دائرة الاتهام والتشهير.

ـ تكرار أنه لا يجب انتظار المعجزات في التحرك الحالي والإلحاح على أنه من غير المناسب تعليق الكثير من الآمال لأن المجهود الأمريكي يحتاج إلى أشهر وأن واشنطن لا يمكن لها في النهاية أن تساعد الفلسطينيين والإسرائيليين إلا إذا أقدم الطرفان على اتخاذ خطوات حاسمة تجاه بعضهم البعض.وفي هذا تضليل كبير إن لم يكن لجهة طمس العلاقة بين قوة محتلة وشعب واقع تحت الاحتلال فعلى الأقل لجهة طبيعة العلاقة التي بين واشنطن وتل أبيب إذ من السذاجة تصويرها على أنها بين فاعل خير وبين آخر يفترض أن يتجاوب مع هذا المسعى فإن امتنع فلا حول ولا قوة إلا بالله.

بالطبع قد لا يكون من الإنصاف الخروج باستنتاجات قاطعة وحاسمة على جهود المبعوث الأمريكي الجديد وهو بالكاد يشرع في التحرك ولكن إغفال المسائل السابقة المثيرة للقلق توحي بأننا نريد الشعور بالتفاؤل ولو بالتعسف على الحقائق وإيهام النفس بالتمني. وأتعس ما في الأمر أن يكون كل ما نحن مقدمون عليه مع إدارة بوش ومبعوثيه لا يتعدى محاولة إعادة تدوير لخيبات سابقة لم نتعظ بها بعد. ومع ذلك فلننتظر "فالمية تكذب الغطاس" على رأي المثل المصري.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات