إن أهمية استقلالية السلطة القضائية بين السلطات التشريعية أمر مهم جداً ، وما يتبع ذلك من تحسين أوضاع القضاة من كافة الجوانب حتى يكون ذلك عوناً لهم نوال الجنة مصداق لحديث الذي صححه بعض العلماء أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: القُضَاةُ ثَلاَثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ فَذَلِكَ فِي الجَنَّةِ. وأثير هذا التساؤل ؟ سألني أحد الأخوة قبل عدة أيام: هل القاضي شرعي أو نظامي يجوز أن يشهد في المحكمة ؟ فقلت إن الذي لا تقبل شهادته هو فقط الذي يقذف المحصنات فقط مصداق قوله تعالى: ( وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور/4]. فقال لي الرجل السائل: ليس هذا مقصودي وإنما أنه أجل وأسمى من أن يقف بين يدي قاض آخر فيدلي بشهادته؟ فقلت له يقول تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة/282]) فهو يسمو بإتباع الكتاب والسنة. ونحن نرى رؤساء دول وحكومات يذهبون ويدلون بشهاداتهم أمام القضاء ؛فلا يمتهن القاضي الإدلاء بشهادته بل هو دليل على استقلالية القضاء ونزاهته ولنا في الفاروق نماذج خلدها التاريخ ، فقال الرجل لي: إذا كان خصمك القاضي لمن تشتكي؟ فقلت له استغرب أن يكون القاضي خصم فانه يعلم أن بين العبد وربة لا توجد واسطة وهناك جهات كثيرة يمكن اللجوء إليها بالقانون. وبعد برهة سألني آخر هل من حق القاضي أن يرفع صوته أمام من تنظر قضيته ويغلظ له للمحافظة على هيبة القاضي أو القضاء وربما يتلفظ بكلام لا يقبل أن يشهد بسماعه المحامي خوفاً من القاضي وأصدقائه ولا يقبل الحضور خوفاً من صلاحيات القاضي بالتوقيف مثلاً وخوفاً من أن يكون لذلك أثر على قضية منظورة؟ فأجبت السائل إننا لسنا في شريعة غاب، فقاطعني السائل بقوله وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها )وهذا الحديث يتذرع به بعض القضاة فيقول: انا أقضي بحسب ما اسمع فقط؛ فقلت له : إن القاضي الذي يتصدر للقضاء ينبغي أن يكون كيِّس فطِن فعندما يعرض احدهم على قاض شرعي أنه طلق زوجته وهو غضبان مغلق عليه نجد القاضي يسأله ماذا كنت تفعل عند ذلك؟ فيقول له: كنت جالس على أريكة وأدخن مثلاً. فيجيبه القاضي بأن من يطلق زوجته غالباً غضبان ولكنك لم يكن مغلق عليك بدليل ما ذكرت . فلا يكتف القاضي بما يسمع بل يناقش، ولا أعتقد جازماً وجود هذه النظرة التشاؤمية في دولة القانون والمؤسسات .... ولا أريد ذكر باقي كلام هذا السائل وغيره ... !
أقول إن استقلالية القضاء أمر حفظه الدستور ولكن لا يوجد هناك سلطة مطلقة، ولا يقال أن قاض مثلاً فوق القانون بل القاضي وأي مواطن أمام القانون سواء ، وهناك جهات في دائرة قاضي فيما يتعلق القضاة الشرعيين ، وهناك في وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء فلا يقبل توغل سلطة على سلطة أخرى، والحمد الله الذي أتم علينا نعمة الأمن الإيمان ولا يلتفت لكلام أمثال ذلك السائل وأمثاله. فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى.