2011 وربيعه المختلف


كان عاما مختلفا حتى بمعايير المواسم، وحساباتها. بدأ بالشتاء وانتهى به. الشتاء في النفس الانسانية ، والعربية بخاصة ، يعني الماء والخصب، واستمرار الحياة وتجددها. أما ارتباطه بالربيع كالروح والجسد ، فقد كان أهم ما ميزه . لكنه ربيع مختلف ، شاء له التاريخ أن يختزل الفصول كلها. سويعات قليلة بحساب الزمن ، ويلملم عام 2011 أشياءه ، ويرحل ، لكنه العام الأطول في تاريخ العرب الحديث . عرب كثيرون يتشبثون بهذه السويعات ، وكأني بهم لا يريدون لشمس اليوم الأخير من عام 2011 أن تغرب ، لأنه ارتبط في عقولهم وقلوبهم بالتغيير ، والحلم بغد أفضل. أما عرب الاستبداد والانتفاع من الاستنقاع الآسن ، فيتمنون لو يحذف هذا العام من التاريخ ، عل ساعة الزمن تعود الى الوراء ، أو تتوقف على الأقل .

مر عام 2011 كأنه حلم . ستذكره الأجيال كثيرا ، وسيتوقف عنده المؤرخون والباحثون أكثر باعتباره بداية مرحلة جديدة في التاريخ العربي . لقد فاجأ العرب أنفسهم والعالم على مدار هذا العام بما حدث وما يزال يحدث في بلدانهم. فمن كان يتوقع أن النار التي أشعلها البوعزيزي في جسده ستسري بهذه السرعة في الهشيم العربي من المحيط الى الخليج؟. لكن الحريق ما كان له أن يكون بهذه الضخامة لولا تراكم اليباس عبر قرون ران خلالها الاستبداد على الصدور، واستطيب القهر والفساد الاقامة في الربوع العربية. 2011 كان عام الانسان العربي ، الذي كسر حواجز الخوف ، وتحدى للمرة الأولى في تاريخه دياجير الظلام والتخلف ، بعد أن كاد المراقبون يؤبنونه ، ويخرجونه من التاريخ . الانسان العربي دشن خلال 2011 عودته الى التاريخ ودائرة الفعل مدججا بالارادة ، والعزيمة الواثقة بالقدرة على السير في طريق النهوض لبناء حاضر وغد أفضل ، عنوانهما الدولة الحديثة ، دولة المواطنة والعدالة والديمقراطية. لقد قدم العرب أنفسهم للعالم خلال 2011 بصورة مغايرة وغير متوقعة ، مسحت الصورة النمطية المترسخة في العقل الغربي عن العربي المتخلف الخانع ، الذي لا يجيد سوى بيع النفط ومضاجعة النساء. وقد تكون المرة الأولى ، أقله في التاريخ الحديث ، التي تقلد فيها شعوب الدول المتقدمة العرب في الخروج الى الشارع والتظاهر للمطالبة بالحقوق ، مرددة الشعارات اياها ، التي صدحت بها الحناجر في الميادين والشوارع العربية.

وسيبقى محفورا في الذاكرة الى أمد طويل ذلك المانشيت الفاقع المعبر الذي خرجت به كبريات الصحف العالمية على صدر صفحاتها الأولى:" وأخيرا فعلها العرب".

عام 2011 أزاح الأقنعة عن الواقع العربي في زمن أصبح فيه اغلاق النوافذ أمام رياح التغيير مستحيلا . سقطت أوهام كثيرة ، كما تبددت شعارات ثبت زيفها ، لأنها لم تكن الا أقنعة للاستبداد والتسلط على العباد. عام 2011 فتح باب التغيير في الواقع العربي ، ورسخ حقيقة أن العودة الى الوراء من المستحيلات. بعد سويعات يرحل هذا العام التاريخي بامتياز ، لكنه يرحل بحساب الزمن فقط ، وهنا نقول له : وداعا . أما بحسابات التاريخ فانه باق فينا ، وترك للعرب ربيعا عابرا لعقود طويلة مقبلة في تاريخهم.



تعليقات القراء

هذلول
...........
رد من المحرر:
نعتذر........
02-01-2012 10:20 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات