اليوم تصحو القرية على خبر فاجع يعلنه مؤذن القرية ، بأن ابو الهمايم في ذمة الله، الكل مصاب بالذهول ! لأن ابو الهمايم لم يكن شخصا عاديا ، بل كان علما من اعلام القرية يشبه المسجد القديم في ثباته ، والجبل الوحيد في شموخه، وقرعود الزيتون في عطائه وجدول الماء في تحركه للخير، كان عربيا اردنيا حتى النخاع ، تشغله هموم الأمة وتحزنه انكساراتها ، وتجده يصدر تصريحات الشجب والاستنكار قبل الزعماء العرب ، كان خدوما يساعد كل افراد القرية دون من او تجمل ، واذا دعوته الى منسف شمر عن ساعديه وبدأ يقطع اللحمة للاطفال والحاضرين وأكاد اجزم انه لايذوقها .
نراه احيانا يتصدر المجالس بكلامه الطيب المفعم بالبطولات ، خصوصا عندما يحدثنا عن بطولته في حرب 67 وحرب الكرمه، ثم يرينا اصابته البالغه في ساقه الأيمن ، واحيانا يحدثنا عن طرائفه عندما كان سائق تكسي ، واذكر انه جمع اهالي القرية ليقول لهم انه اليوم ركب معه اجنبي حمار يسأله عن احلامه فقال ابو الهمايم : قلت لهذا الاجنبي : ان احلامي ان امتلك بيتا ، وان اتزوج ، وان ادرس ابنائي في الجامعات على حساب الدوله ، وان نكون مؤمنين صحيا . فقال لي الاجنبي : انا اسألك عن احلامك وأنت تحدثني عن حقوقك ! مسكين ابو الهمايم مات ولم يميز بين الحقوق والواجبات .
لكن المؤلم حقا ، عندما فتش اهالي القرية في جيوب ابو الهمايم لعلهم يجدوا شيئا من المال لشراء الكفن وفتح بيت العزاء ، لكنهم لم يجدوا الا نصف دينار فقط ، هذا كل ما تركه ابو الهمايم من الدنيا نصف دينار وهويه شخصية ، هذا الرجل الذي خرج من بيننا بعد مسيرة حافلة بالعطاء يخرج من وطنه بنصف دينار وقطعة بلاستيكية تثبت انه كان مواطنا . ابوالهمايم الذي خسر ساقة الأيمن من اجل الدفاع عن وطنه وتحرير أراضيه وقبل على نفسه ان يكون من الأغلبية الصامتة - حتى لاتشيع الفوضى في بلده رغم ان شخصيته تتنافى مع الصمت والاستسلام الا أنه كبح جماح النفس الثائرة من اجل أمن هذا الوطن وأستقراره خرج من بيننا دون ولد او زوجه ، اوحتى قطعة ارض تثبت انه امتلك شيئا من ثرى هذا الوطن الذي عاش يدافع عنه .
اليوم دعوني افجر سؤالي هذا : لو سافر ابو الهمايم الى بلد اجنبي وقبل عشرة سنوات هل سيخرج من الدنيا بهوية ونصف دينار؟ ... الم يكن ابو الهمايم اردني حتى النخاع؟ .... فلماذا يعيش في وطنه فقيرا ويموت حقيرا وهو اولى الناس بأن ينعم في بيت اسري دافىء اليس هو احق من اولئك الذين عاشوا على ترابنا وتقلدوا المناصب الرفيعة ثم يقدمون اليوم الى المحاكم الواحد تلو الاخر لثبوت تورطهم في سرقات هذا الوطن؟! رحم الله ابا الهمايم ورحم الله هذا الوطن الشامخ بشرفائه .