إعادة هيكلة الرواتب بين القبول والرفض


أيام قليلة تفصلنا عن الخطة الحكومية الرامية لإعادة هيكلة رواتب الدولة ، وبين مؤيد ومعارض تبرز الحراكات والإعتصامات وتتزايد حدتها مع تواصل العد النهائي لتاريخ التطبيق والمزمع بداية العام 2012 ، ويبرز الخاسر الأكبر ضمن هذه الحراك وهو المواطن الذي لطالما كان الحلقة الأضعف ضمن أي معادلة !! فتعطلت مصالحه من تعدد الإعتصامات وتوقف العمل لساعات طويلة، ومع إختلاف مظاهر الإعتصام ما بين مؤيد ومعارض تبرز التساؤلات التالية: لماذا عمدت الحكومة إلى إعادة هيكلة الرواتب ؟ ولماذا يرى البعض بأنه الأحق بعدم الهيكلة ؟ ولماذا ينظر البعض إلى إعادة الهيكلة ببريق من الأمل ؟
بادئ ذي بدأ وليس إنتقاصاً لأحد ومع إجلالي للتصريحات التي تناثرت بها الأجواء من هنا وهناك وتنادي بأن هذه المؤسسة أو تلك الدائرة يجب تمييزها لأنها عصب حيوي بالدولة، فأود التأكيد هنا على أن مؤسسة الضمان الإجتماعي على سبيل المثال لا الحصر ليست بأفضل من دائرة ضريبة الدخل والمبيعات وقس على ذلك العديد من الدوائر والمؤسسات.

أتفق مع الكثيرين من الذين دافعوا عن إعادة الهيكلة للرواتب وأية خطوات ونتائج إيجابية من شأنها خدمة الوطن، ولا ألوم مع من إعتصم وصرخ بأعلى صوته ضد المساس براتبه ، ورغم ألمي للتعبير عن الرأي من خلال الإعتصام إلا أن البعض قد يرى بإعادة الهيكلة مساساً براتب قد ربط عليه واقع معيشة وحياة ولم يعد من المقبول لديه العودة إلى الوراء !! لكن تراكم الآلمام والجراح قد يستدعي الكي في بعض الحالات.
رغم علمي بالإحباط الذي يشعر به البعض ممن سيشلمهم إعادة هيكلة الرواتب، إلا أنني أحب أن أبين أن التخلص من التحديات والمعوقات لا يتأتى بالسباب والتشهير والقول النكير والتعرض للوطن في بعض الحالات!!

لقد وضع الأردن أسساً تعتمد عليها لوائح وقوانين في الانتقاد والقول، ولعلنا في هذا المضمار يمكن أن نشير إلى مطلبين المطلب الأول هو أن تفعّل الحكومات من برامجها وشفافيتها كي تتمكن من أداء دورها الطليعي، أما الثاني فهو العمل التشاركي مع كافة الجهات والمؤسسات وسماع الرأي والرأي الآخر ، والوقوف على الأمور بشكل أكثر شمولية فإعادة الهيكلة لم تكن خياراً لو لم تكن موزاتنا مثقلة بالدين وخدمة الدين ، وفي غمرة النداءات والمطالبة بزيادة الرواتب للبعض كان الحل الأمثل بإعادة الهيكلة التي ستخدم فئة كبيرة من العاملين وتمس فئة آخرى بنوع من الضرر.

في هذا المضمار وليس دفاعا عن أحد أود أن أطرح التساؤلات التالية لماذا أثقلت موازنتنا بالديون ؟ وهل إرتقت الحكومة إلى الشفافية المطلوبة مع الوطن والمواطن ؟ وكم هو حجم النفقات الحكومية التي أهدرت دون تخطيط أمثل ؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر ما هو حجم التكاليف الفعلية من شراء وصيانة ووقود للسيارات الحكومية التي تصول وتجول في شوارع الممكلة كمثال للنفقات الحكومية ؟ وما هي الخطط الرامية لتحسين الوضع المعيشي للمواطن بعد إعادة الهيكلة ؟ وهل إعادة الهيكلة بهذا الشكل وفي هذا الوقت كانت الخيار الأمثل ؟

لست أخشى على الوطن في ظل وجود بعض المخلصين على كافة المستويات الوظيفية في القطاع الحكومي وحتى الخاص ، ولكن ما يخفني هو التخبط في القرارات الصادرة من هنا وهناك بين الحين والآخر من بعض ممن يدعون رؤيتهم الثاقبة ويعشقون المغامرات الغير مدروسة والتي ما دفعت الوطن إلا إلى الوراء !!

يدرك الجميع بأن جهد المجموعة المتكاثفة من أجل صناعة الأفضل هو أفضل من جهد الفرد الواحد، وفي نفس الآن يدرك الكثيرون بأن الفرد الذي يسخّف أي جهد مهما كان من أجل مصلحته يجب محاسبته على خطئه وعدم مجاملته على قصوره مهما كان مسئولاً كبيراً أو صغيراً.


والقصور في العمل أو الأداء لا يمكن تحميله على طرف دون آخر فالموظف الحكومي هو شريك المواطن غير الموظف ولا يمكن لأي منا أن يلوم مسؤول حكومي أو غيره عن قصور ما ، وفي نفس الآن لا يقوم هو بأعماله الوظيفية بالشكل المطلوب !

إن وضع الأصبع على الجرح يعتبر من السهولة لأي شخص، ولكن منع الجرح من التفاقم صعب يحتاج إلى من يفهم في علم الطب والجراحة ، والكثير يعرف أن البحث عن أصل المشكلة وكيفية حلها هو الأصعب من النظر إلى واقع المشكلة.


لقد أتى علينا حين من الزمان تبوأ فيه أفراد منّا مناصب قيادية وهم ليسوا مؤهلين لتلك المناصب، ولكن هذا وإن كان يشكل جزءا من المشكلة إلا أنه يقصر على أن يكون أصلها. فالمخلفات كثيرة والرواسب كثيفة والمعوقات عديدة والتحديات صعبة، وهنا لا يفوتنا أنه تتعالى النداءات بين الفينة والأخرى لتغيير لوزير أو مسؤول ما، ويطالب بحلول آنية قد تفلح في التنفيس ولكنها تعجز عن التشخيص الحقيقي للمشكلة الأساسية في جودة المعايير التي يتم على أساسها عمل العديد من الوظائف أو المواقع أو القرارت، وفي هذا المضمار نقول كان الله في عون المسؤول الحكومي لأن المسؤولية في كثير من الأوقات تكون كبيرة وبعض الأخطاء غير مقبولة.


لست أدعي هنا بأنني قد ملكت السبق في تثبيت الأسباب التي أوهنت مسيرتنا أو أني وجدت البلسم الذي سيشفي مرضنا أو يعمل على محل مشاكلنا من رواتب وإعادة هيكلة ومديونية وفقر وبطالة وفساد، بل أجرؤ على القول بأن المسبب الأساسي لمشاكلنا هو البعض ممن أثقلوا مسيرتنا بأفكارهم السلبية تارة والمتسرعة تارة أخرى بكافة المواقع والأطياف.

مستشار اقتصادي ومالي
a.qatawneh@zuj.edu.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات