في النموذج الأول من عش الدبابير تكلمنا عن الصيادلة وحجم الفساد والمبالغة في الربح على حساب المواطن ، وفي هذا النموذج الثاني من عش الدبابير نبدء من قاعدة قانونية تنص عليها تعليمات وزارة الصحة وتقول القاعدة أنه يمنع على شركات ومستودعات الأدوية القيام بالإعلان عن منتجاتها من الأدوية في أية وسيلة إعلامية كانت ولها صفة الاعلام الجماهيري ( الاذاعة والتلفزيون والصحف ) .
ومن هنا تبدء العملية التي من خلال عمل عش الدبابير الثاني ، ويتم ذلك من أن شركات ومستودعات الأدوية ونتيجة للقاعدة القانونية السابقة لم تجد أية وسيلة إعلانية سوى الأطباء أنفسهم كلوحات وشاشات تلفزيون وأوراق صحف وأثير إذاعة للتسويق لمنتجاتها من الأدوية ، وتقوم تلك الشركات والمستودعات بإستخدام وسيلة وسيط لإتمام العملية وهذه الوسية تتمثل في الصيادلة الخريجين وخاصة الجدد منهم واليافعين .
ويقوم هؤلاء الصيادلة بالتسويق لتلك الشركات والمستودعات من خلال زيارات ميدانية على عيادات الأطباء لتسويق الأدوية ومنتجات هذه الشركات والمستودعات ، وهنا تتم عملية التلاعب بالمواطن ( المريض ) من حيث إختيار الدواء المناسب له ، فهذا المواطن الذي يذهب لعيادة الطبيب ويأتمنه على جسده وروحه يصبح عنده هذا الطبيب مصدرثقة عالية لديه ، وبالتالي فأن هذا الطبيب سيتمكن من تسويق منتج تلك الشركات أو المستودعات بكل سهولة ويسر.
قد يقول البعض هنا أين الدبابير والفساد في هذا العمل ، إن الفساد والدبابير يأتي من خلال القيمة المالية التي تدفع لهذا الطبيب أو ذاك مقابل عملية التسويق لدواء هذه الشركة أو ذلك المستودع ، وهذه القيمة المالية لاتكون نقدية بل تقدم على عدة أشكال من العطايات والهدايا ، والتي تتمثل في تقديم أجهزة تكييف ومعدات طبية ورحلات سفر مجانية للطبيب وأسرته ، وقد تصل هذه الأعطيات الى قيم أكبر من مثل السيارات وشراءالبيوت والشقق ومستلزمات هذه البيوت والشقق .
وترتفع قيمة هذه الهدايا والأعطيات عندما يكون الطبيب مممن يعالجون الأمراض المزمنة والتي تتطلب من المريض وصفة طبية كل شهر وتكون قيمة الدواء مرتفعه ، وهذا يجعل تلك الشركة أو المستودع يضمن مبيعات شهرية وبكميات كبيرة لمنتجاته .
والجزء الأخر من عش الدبابير النموذج الثاني يتمثل في العلاقة التكاملية التي تقوم ما بين الأطباء ومراكز تقديم الخدمات الطبية المساندة ( تحاليل وتصوير وخلافة ) ، إذ هذا الجزء يتمثل بنسبة مالية نقدية يستوفيها الطبيب من هذه المراكز عندما يقوم بتحويل مريض لأحد هذه المراكز ، وتكون قيمة هذه النسب عالي عندما تكون تلك العلاقة التبادلية قائمة ما بين الأطباء والمستشفيات وتصل في هذه الحالة لأرقام خرافية جدا .
مما سبق علينا أن نعيد التفكير بضرورة وجود ضوابط قانونية تحكم كلا العلاقتين ما بين شركات الأدوية والمستشفيات والأطباء ، ومن ضمن المفارقات في عش الدبابير النموذج الثاني قدرة هذا العش على إيجاد مبررات ومسوغات قانونية لديه كي يبعد يد الدولة عنه فيما يخص ضريبة الدخل .
وهنا نترك هذا العش الخاص بالدبابير النموذج الثاني للقسم الذي أقسمه عند تخرجه سواء كان قسم أبوقراط أو القسم على الكتابين المقدسين وضميره ؟