الفاجعة الكبرى .. المتوقعة


لن يستغرب الشعب الأردني المسكين .. في كل مرة يشاع بها أنه ربما يكون هناك مجرد دراسة لزيادة في رواتب الغلابا من فئاته ، ولو كانت هذه الزيادة شيئا رمزيا أو يسيرا إلى أدنى حد ، مع أنه قد لا يسدَّ رمق المحتاجين من الفقراء ، الذين اعتادوا على أن تصل لديهم القناعة بقبول أي شيء من الحكومة ، بل فإن البعض يعتبرها مكرمة ، أو من الصدقات التي توزعها الحكومة أيا كانت على مواطنيها ، لأن غالبية الشعب بحق مازالوا يعتبرونها من الصدقات التي تتفضل بها الحكومة على مواطنيها ، بل ولم تدرك هذه الغالبية العظمى بأن للشعب حقوق كثيرة على حكومته .

من هذه الزاوية .. فقد دأبت بعض الحكومات على انتهاج أساليب متشابهة تصرُّ من خلالها على إقناع الشعب بطريقة أو بأخرى بأن تلك المعونات أو الزيادات ومهما بلغت من الصغر والضآلة ، إنما هي منة من لدنها على المواطنين ..

كان هذا في الزمن الغابر .. أيام كان المواطن لا يعرف أي نوع من حقه أو حتى إن كان له حق على حكومته .. وأن كل مكرمة أو صدقة تأتي من الحكومة إنما هي لجبِّ الشرور وغضب الآلهة عنها ، ولأنه أي المواطن كان يعلم واهما بأن الحكومة لها الحق في أكل الذبح كله ، وأن للشعب ما تبقى من هذا الذبح وإن لم تبلغ هذه البقية سدَّ الرمق من الجوع أو الحاجة المميتة .

بعد الثورات أو ما يسمى بالربيع العربي (ولا أحسبه ربيعا كما يزعمون ).. أدركتْ الحكومات بأن الشعوب نضجت عقليا وأصبحت على دراية شبه مكتملة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات .. ولذلك عمدت بعض الحكومات في العالم العربي وعلى عجل ، إلى بذل التضحيات والتنازلات تباعا .. إذ أصبح الكلام (منزوع الدسم) عن الإصلاح ، في قمة الأولويات .. والإصلاح كما تعلمون يا شعوب العرب ، يشمل جوانب كثيرة .

فإن كنتم قد استيقظتم من غفوتكم التي استمرت لستة عقود خلتْ ، وعرفتم كنه الإصلاح الذي يجب على الحكومة أخذه بعين الاعتبار، وتقديمه للشعب قسرا أو برضاها ، على أنه حق من حقوقه المكتسبة ، وليس منة أو صدقة من بركاتها تقدمها قربانا لجبِّ الشرِّ والأذى وغضب الآلهة .

أما الإصلاحات التي أعتبرها بالفعل حق مكتسب وشرعي للشعب من حكوماته ، فلا يمكننا تصوره إلا من حيث الكمية والكيفية .. ولا يخجلني أبدا أن أتكلم عن هذه الإصلاحات بوضوح وجرأة ، لأن ذلك كما أسلفت هو حق مكتسب . فالإصلاحات بأنواعها تبدأ من الإصلاحات السياسية .. مرورا .. بالثقافية (لأن شعبا بدون ثقافة لا يستحق أي نوع من الإصلاح) ثم .. الاقتصادية .. والتعليمية .. والصحية .. والفكرية .. والزراعية .. والبيئية .. والسياحية .. وتتوج ذلك كله توفر الحرية والعدالة والمساواة بين جميع الطبقات ، وديمقراطية الحكومة .

لكن .. فكما تعلمون فإن البركات التي كانت تحلُّ على حكومات بعض الدول العربية غير البترولية ، ومنها حكوماتنا ذات العهد البائد .. بذكرها السيئ الذي لم نكن لنطيقه أو نحتمله كشعب عانى الأمرين ابتداءا من حروبنا مع إسرائيل أو بحياة التقشف التي فرضت علينا ، بغض النظر عما سمعناه من وسائل إعلامنا وتصريحات مسئولينا عن ملاحقات القضاء ودوائر مكافحة الفساد للمفسدين منهم في هذا البلد ، وعلى الأخص الذين ظهروا على ساحات الفساد كمحترفين ، استطاعوا بحرفيتهم هذه امتصاص دماء الشعوب على مرّ سنوات خلت ولا أدعي عقودا كثيرة ، لأن البركات التي حلت على الأردن ، ما هي إلا من قبيل المساعدات التي تأتي إلينا بالقطارة أي من فيض أشقائنا العرب وخاصة الدول النفطية المجاورة ، التي حافظنا على علاقات طيبة ووطيدة معها ، منذ أن دقت بريطانيا العظمى الخوازيق بيننا وبينهم كحدود يجب أن يلتزم بها الجميع ، كما أوفدنا إليهم شبابنا المثقف المتعلم ، من أصحاب الكفاءات والشهادات والتخصصات النادرة ، فقدموا هناك من خبراتهم وجهودهم ما لم يقدمه غيرنا بنفس الكفاءة والقدرات والإخلاص .

فكانت بركات تلك الدول تجيء للأردن بالقطارة كما أسلفت ، وهم يعلمون بأن الأردن ضحى من أجل العروبة ، ومن أجل فلسطين العزيزة بالغالي والنفيس ، وقدمنا من أجلها التضحيات البشرية ، كما لم تسلم أي مدينة أو قرية أردنية من القصف الجوي الصهيوني والمدفعي ونيران الدبابات والصواريخ ، التي كانت تهاجمنا ليل نهار ، ونحن ما كنا إلا سياجا حاميا على طول الجبهات المحيطة ، نصدُّ عنهم كل ما نراه عدوانا عليهم وعلينا في آن معا . لكن انظروا المكافأة التي حصلت عليها الأردن من دول مجلس التعاون الخليجي .. إذ أن دولها تتبنى فكرة رفض انضمام الأردن لدول مجلس التعاون الخليجي تباعا .. دولة في إثر دولة .

ولن أتوقع من الأردن التي اعتادت على أن تتبنى الحفاظ على علاقات جيدة ووطيدة مع الأشقاء العرب حتى الذين هم بدون نفط .. ولكن لو كان الأردن ينتهج نفس الأسلوب الذي تنتهجه دول الخليج معها ، فقد يؤدي ذلك إلى قطيعة وأي قطيعة ستكون ما بين بلدنا وأشقائنا .. ولو علم القادة في دول الخليج بأن تبني مثل هذه الأفكار التي يرفضها الأردن وشعبه ، ما هي إلا سابقة خطيرة قد تدفع ثمنها باهظا تلك الدول المعارضة نفسها ، وأنا شديد الإيمان بأن هذه الأفكار تملى عليهم من الأسياد في الغرب .

وبقي على الأردن أن تسعى جاهدة إلى استثمار خزائن أرضها الغنية بأنواع شتى من المعادن والنفط ومواد أخرى لا حصر لها .. هناك يكون بإمكان الأردنيين تجنب الامتهان العربي لكرامتهم والنظر إليهم على أنهم شعب يعيش متطفلا على غيره عن طريق المساعدات والهبات التي ترد من فيض وصدقات العالم النفطي من حولنا وهي بذات الوقت لا تسمن ولا تغن من جوع .

بعد هذا الإسهاب في ذكر ما يحتاجه الشعب الأردني من الحكومة ، بقي علي أن أعود للبداية .. لأذكر على سبيل التحذير وليس على سبيل التسول وطلب الصدقات من الحكومة الحالية .. فقد تستغربون يا أصحاب المعالي الوزراء.. والسعادة النواب .. بأنه ما أن حلت بركات الحكومة الحالية بدراسة فكرة زيادة رواتب المتقاعدين بمختلف فئاتهم وبمجرد الإعلان عنها ، والفكرة من أصلها ما زالت حبرا على ورق ، بل وفي دور مبكر لم يأت مخاضها ولم تكتمل ولادتها بعد .. إلا أن اقتناص الفرص من قبل المتربصين بهذا الشعب ظلما وبهتانا ، بدأت تتحفز من الآن .. لا بل فقد تمخضت فكرة الزيادة عن ميلاد نهم شديد وطمع وجشع لدى حيتان السلعة في الأردن .. ولا أذكر غير مثال واحد من هذه الأمثلة الحية .. يوم السبت الماضي .. كانت كيلو البندورة .. التي تعتبر لحمة الفقير المدقع .. تساوي خمسة عشر قرشا فقط ، لكنها بقدرة وطلاسم الحيتان .. قفز سعر الكيلو الواحد منها إلى دينار يوم أمس الأربعاء 30/11/2011 ، وهذا كلام مؤكد ، وأنا أتحمل مسئولية قولي هذا .. وهذا هو سوق الخضار في عجلون أمامكم فاذهبوا إلى هناك ، لكن .. لا أعتقد بأنكم ستذهبون أنتم بشخصكم ، فأوفدوا عنكم من يأتيكم بالخبر اليقين .. ناهيكم عن السلع الأخرى الضرورية للفقراء التي قفزت بقدرة هؤلاء الحيتان لتجاوز إمكانيات الفقراء حتى بعد الزيادة .. التي لم تولد بعد .

هذا .. قبل حلول البركات .. لكن ماذا بعد أن تحل بركاتكم علينا .. ماذا سيحدث ؟؟ هل تستبعدون زيادة في الضرائب ..؟ أم هل تتوقعون زيادة أسعار المواد الرئيسية الضرورية لحياة المواطنين الغلابا ؟ ، أم هل تتوقعون إيجاد رقابة صارمة من قبل المختصين على أسواق الأردن ، للحد من جشع وطمع الطامعين ، ووقف تماديهم ؟؟ أنا لا أؤمن أبدا بأنكم ستذهبون إلى هذا أي مذهب ، فتجارب الأردنيين حافلة بالمآسي والظلم واستهتار تجار الأردن الظلمة الذين اعتادوا أن لا يأكلوا إلا النار في بطونهم .

كم أتمنى أن أعرف أسماء هؤلاء الحيتان الظلمة الذين عانت الشعوب وجاعت من شدة بأسهم وقسوتهم على الشعوب ، وهم في تخمتهم لاهون ، وعن الفضيلة هم مبعدون ، وفي جشعهم منغمسون ، وعن عين الله يتسترون ، وعن الخوف من الله منشغلون ، ولكن دعهم في طغيانهم يعمهون ، فغدا إذا ما أحاطت بهم المصائب فلن يكون بمقدورهم دفع الأذى عن أنفسهم ، والراحمون يرحمهم الله . والله وحده سيكون لهم ولأمثالهم بالمرصاد . هو ولينا في الدنيا وفي الآخرة وهو الهادي إلى سواء السبيل .



تعليقات القراء

هندي و اخوالي باكستانيه و يفتخر
الى كريم كاتب:

(أدركتْ الحكومات بأن الشعوب نضجت عقليا )سعوب ناضج عقل من زمان بابا
01-12-2011 04:00 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات