الصورة


ليس هناك أمتع من العودة إلى الصورة ، وقراءة تفاصيلها دون وجود الحروف التي تنبىء عن محتواها، إذ يكفي الصورة أنها بما تبرزه تصبح مقالاً أو عنواناَ لمقال، أو مسودة لكتاب، ويكفيها أن تصبح الحدث المحكي دونما إفساح المجال للكلمات المطبوعة أو المكتوبة باليد.

أمسكت الصورة وتأملتها ملياً، وقالت نحن ستة أشقاء أربعة أولاد وبنتان. أين نحن ؟؟ وتأملتها ملياً ثم تنفست الصعداء. يا رب احمنا وابقنا أشقاء معاً كما أراد لنا والدنا. فكل واحد بالأخوة له ظروف أتعبته. استحضرت وهي تتأمل بالصورة الأمنيات القديمة، والطموحات، ماذا تحقق منها ؟؟ الصورة ذهبت بها إلى ما كانت تريد وما يجب عليه أن يكون، أو كان، المساحة الزمنية هي التي تعنيها. أنها لعبة الأيام، الزمن.

الآن ما نراه موزعاً بين الصورة التي يحن لها الإنسان وما يراه حاضراً في تفاصيلها، وفي أدق الروح التي تعنيها، ونعنيها نحن، وحقيقة الأمر هي الأيام، وتاريخنا المحكي من خلال تلك الصورة.

يكبر الفرد يا شقيقي، كما تكبر الأوطان دون أن تشيخ، لكننا إذ نظرنا صورنا نعرف كم كبرنا نحن، وكم اختلفت الأوطان، وكما استحال معرفة العواصم والمدن والقرى، وحتى الذكريات في شوارع المدينة، مساكين نحن، جعلنا لحياتنا صوراً ناطقة بأيامنا الماضيات، ولكننا عظماء لأننا تركنا الأدلة على حياتنا كي يأتي أبناؤنا من بعدنا لينفضوا عنا غبار الزمن، ونجعل منهم عكازة لنا لنكمل بقية المشوار. سنظل كشجر الزيتون مغروسين في الأرض الخصبة، ولن نموت إلا مرفوعي الرؤوس، فمئات الطيور المهاجرة ستحط الرحال في يوم من الأيام وإن غيرت مسارها إلى زمن، وسنعيد إلى الصورة ألقها وبريقها، فالرحلة لم تنتهي بعد، أحباؤنا سيجبرونا على تجاوز المحن وإن غص أحدنا فليس معناه أننا فقدنا الحياة والأمل، الطريق ما زال طويلاً طويلاً. يكبر الإنسان كالشجرة التي تتنامى فروعها فأحفادنا يحبوننا لأننا نحبهم، ويحدقون في عيوننا طالبين منا أن نرجع إلى عهد طفولتنا، ممسكين بأيدينا لنلعب معهم، إنهم القلادة التي نتزين بها.

دعونا نصغر معهم، وندعهم يكبروا معنا، لن نسمح للغياب أن يلفنا، ولن نبحث عن قناع يخفي وجوهنا عن بعض، لن نذرف الدموع للفراق، فإننا سنكون بلقاء دائم، ومتجدد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات