مِن الصحافةِ إلى السياسةِ .. ألْسِنَةُ الخَلْقِ أقلامُ الحقِّ
لستُ أوّلَ وزيرٍ، وبالتأكيد لَنْ أكون الأخير، ينتقل، مؤقّتاً، من بيتِ الصحافة وهُمومها، إلى بيتِ السياسة ومحاذيرها، وإنْ كانت المسافة، بينَ البيتينِ، الصديقينِ واللدودينِ في آنٍ معاً، ليست "مفازَة..". وكلٌ لهُ شجونُه وشؤونُه، وأروِقَتهِ وفناءاتهِ، ومصاعبه ومُشكلاته وتناقضاته، فإلى أيّ "بيتيكَ.."، أو قُلْ جَانبيكَ، تَميلُ..!؟
ولأنّ "القولَ.." كان في البدءِ، في تاريخ البشرية، مشروطاً ومُقدّساً. وبعدَ البدءِ، صارَ القولُ المكتوبُ، في قانوننا الأردنيّ، للموظّف العموميّ، مشروطاً بموافقة رئيسِ الوزراء، فأستميحُ القاريء بِفسحةٍ مِن: التوضيح، والتفسير، والتأكيد.
فأمّا التوضيحُ، فهو أنّني استأذنتُ الرئيس، قبلَ كِتابة هذا النصّ، تحت سقف الدستور الأردني الجديد وقوانينه، الذي أقسمت، لِتوّي، على كتاب الّله المجيد، "أن أُحافظ عليه.."، و"أن أكون مُخلصاً للمَلِك.."، و"أن أخدمَ الأمّة.."، وزيراً في حكومة الرجل الراشد والرشيد، دولة السيّد عون الخصاونة، رأساً للولاية العامة في بَلَدِنا، التي تُمثّلها الحكومة، التي يُمارسُ، مِن خلالها، جلالةُ الملك سلطاتهِ التنفيذية، كما يُحدّدها الدستور. حكومة القاضي والنائب لرئيس محكمة العدل الدولية، الذي تخلّى عن موقعه العالميّ المرموق فيها، مِن أجل موقعٍ محليّ هو الوطن بعينه، وهمومه وشجونه، في حِقبةٍ بالغة الحساسية والدقّة والأهميّة. حكومة الرجل، الذي وصفه جلالة الملك، عِندَ تكليفه، بأنّه "أحد أبرز المراجع القانونية على المستوى العالمي".
أمّا التفسيرُ، فربّما يرى فيه البعضُ بأنّه فائضٌ عن الحاجة، أو لا لزومَ لهُ، غيرَ أنّي رأيتُ أنّه ضروريٌ ولازِمٌ. فالضرورةُ، تأتي مِن باب تفسير جدوى الإنتقال، مِن الصحافة إلى السياسة، لشخصٍ مثلي. واللزومُ، يجيءُ مِن رِحابِ أسئلةِ الأسباب الشخصية، سيّما وقد قضيت عُمري كُلّه في مهنة الصحافة وبيتها: صحفيّاً، وكاتباً، رئيسَ تحريرٍ، ونقيباً للصحفيين، ولمرّاتٍ عديدة.
ففي التفسيرِ، أستطيعُ القولَ، بأنّه لا أدقّ مِن اللحظة العربية الراهنة، في تاريخ الأوطان العربية الحديث. لحظةٌ يحتاج الوطن فيها إلى كلّ أبنائه، ويعجِمُ فيها عيدانَه. لحظةٌ، لا تُساءَلُ فيها المقاديرُ، عن مصائر الأوطان: "هَلْ لاَ زِلْتِ سَـادِرَةً / أَمْ أَنْتِ خَجْلَى لِمَا أَرْهَقْتِـهِ نَصَبَـا؟". بل يُساءَلُ فيها الولاةُ والمسؤولون، وقادةُ الناس والجماعات والعصبيّات، عَن كلامهم وأفعالهم ودعواتهم: "هَلْ تَبْتَغِي مَطْمَعاً أَوْ تَرْتَجِـي طَلَبَـا؟". ويشهدُ الّله، بأنّني لم أرتَجِ طلباً أو مطمعاً. لكنّه الوطنُ والأمّة، والمخاطرُ المتزايدة عليهما، ساعةً تلوَ ساعة، وحيرةُ المواطنِ العربيّ فيما ينبغي عليه ويجبُ، وإمكانية ذلكَ وجدواه ..
فهَذَا البَلَدُ الطيّب، الذي أخذ شكل "الضِّيَاءِ.."، الواضحِ والكاشفِ في آنٍ معاً، فأهْدَى إلى "مكامِنِهِ.." لصوصاً ونهّابين، وأفاعي "تَنْفُـثُ العَطَبَـا". فيما أبناؤهُ يلهجون بالرجاءِ "يا ربُّ نَـوِّر لَنَـا، إنَّـنَا فِي أَيِّ مُدَّلَـجٍ"، ذلكَ أنّ زُمَرَ الفكرِ والسياسة والعصبية والدين والثقافة
"تَفَرَّقَتْ فِي ضَلالاتِ الهَـوَى عُصَبَـا"، تتصَيّدُ "الجَـاهَ وَالأَلْقَـابَ" والمصالحَ، متناسيةً "بِـأَنَّ فِـي فِكْـرَةٍ قُدَسِيَّـةٍ لَقَبَـا"، ومُشِيحةً بوجهها ورؤاها، عَن حقائق الدينِ والدُنيا، وبأنّه "تَأْبَى انْحِـلالاً رِسَـالاتٌ مُقَدَّسَـةٌ / جَـاءَتْ تُقَـوِّمُ هَذَا العَالَمَ الخَرِبَـا"..!؟
فإذا كانت الأحوال العربية، البائسةِ والخطيرة، والتي شاهدَها المواطنُ العربيّ، طوال عامٍ تقريباً، صوتاً وصورةً، ولحظةً بلحظةٍ، أوصلتِ الناسَ، في بلادنا، إلى يقينٍ مفاده بأنّه: "ما أقبحَ الدُّنيا إذا / ضَلَّ الرُّعَـاةُ وما أَضَـلاَّ". فإنّ الأردنيين عَرَفوا، والحمدُ للهِ، كيف يُحبّون وطنَهم ومليكَهم، وجوهرَ وطبيعة الحُكم في بلادِهم، منذُ أن تفتّحت أبصارُهم وبصائرُهم على إمارتهم الفتيّة، عشيّةَ خمودِ نار الحرب الكونيّة الأولى. تماماً، كما عَرَفَ ملوكُهم، الهاشميون الأردنيون، كيف يسوسونَ العِباد والبلادَ، فيُجنّبون الناسَ مخاطرَ العواصف. فمِن عبد اللّه الأوّل، إلى عبد اللّه الثاني، لم ينسَ الأردنيونَ كم مِن الأهوال تمّ اجتيازُها بأمانٍ، وكم مِن الحِقَب والمراحل القاسية رَسَت فيها سفينةُ الأردن إلى برّ السلامة. كيفَ لا، وسيّدُ البلاد يُحبُّ سماعَ قول "الفاروق عُمر..": "إنّني أحبُّ قيادةَ السفينةِ أثناءَ العاصفةِ .."..!
ولأنّ "هذه المرحلة.. تتميّز بطابع الإصلاح السياسي"، كما شخّصها جلالة الملك، و"ضمن رؤية إصلاحية شاملة"، مُحدّداً أنّ "مهمة هذه الحكومة.. هي الإصلاح السياسي"، وبالتفاصيل التي ورَدت في كتاب التكليف. وهو ما تفهّمهُ دولة الرئيس عون الخصاونة، وباشَرَ في تنفيذه، منذُ لحظة التكليف الأولى.
ولأنّه لا أمانَ بلا أمنٍ، فقد جاء التغيير الحكوميّ الجديد متلازماً مع تغيير في رأس المؤسسة الأمنيّة. فبالمضيّ "في تنفيذ خطّة تطويرية وتحديثية لهذا الجهاز الوطني"، يأمل جلالة الملك، في اللحظة الراهنة، بترجمة رؤيتهِ "الإصلاحية الشاملة". ولا يتحقّقُ ذلكَ إلّا بالإلتزام "بروح الدستور والقانون، وقدسية الحفاظ على حقوق الإنسان، وحريّته وكرامته"، كما قالَ اللواء فيصل الشوبكي، في رسالته الجوابية إلى الملك.
قد يكونُ مِن اليسير الآن، وفي سياق المديح الشخصيّ لِلواء الشوبكي، وهو، في رأيي الشخصيّ، يستحقّ ذلكَ فعلاً، القولَ:"تلكَ الأمانةُ أَوْدَعَتْ / أثقالَهَا كُفُـوَاً وَأَهْـلاَ"، لكنّه قولٌ مُحبٍّ، ورأيُ منحازٍ، يأخذُ شكلَ الشهادة المجروحة. غيرَ أنّ مَن يعرفون المهمّات المهنيّة، التي أنجزها الرجل، في عُمرِ جهاز المخابرات الأردنية العامّة، يذكرونَ أنّه كان "يَقْفُو بِعَيْنِ النَّسْرِ تَرْقُبُ.." ذِئاباً وضِباعاً وثعالبَ وبنات آوى، بِعلمٍ ورويّةٍ وصبرٍ، عزّ نظيرها. أمّا ما هو حقٌّ، ويؤكّدهُ تاريخُ الرجلِ، وعملهُ وجدّيتهُ، في المؤسّسة نفسها، فأقوله، بكلّ راحة الضمير الأردني النقيّ، بأنّها أمانة الوطن الأثقل، وأنّه يُريدها للناس والوطن مَغْنَمَ أمنٍ وأمانٍ، على حدّ تعبيرِ الجواهريّ: "كانتْ لهُ غَـلاًّ وَآخَرُ / شَاءَهَا للناسِ غُـلاَّ "..!؟ وسَيَرَى الأردنيونَ، في قادِمِ رئاسته لمؤسّسة الأمن الأردنية الأبرز، مفرداتِ التطبيق الفعلي لقولِ الحقّ سبحانه: "وقُل إعملوا.."، وإنّ غداً لناظرِهِ قريب.
أما في باب التأكيد، الذي أشرتُ إليه، فإنّ في قولَ الزعيم الإنجليزيّ "ونستون تشرتشل"، بأنّه يبحثّ "عن حقيقة الأمة في حبر المطابع وصفحات الصحف"، ما يجعلُ من الصحافة، الحرّة والمستقلّة، البيت الأوّلَ والأخير للصحفيّ المهنيّ المُحبّ لمهنتهِ، على الرغم مِن، أو ربّما بسبب، ما يخسرهُ الصحفيّ بالسياسة من استقلاليته الكاملة. ولِما لجريدتيّ "الرأي" و"الدستور"، في نفسي، وفي تاريخيّ المهنيّ والشخصيّ، مِن مكانةٍ وتجربةٍ طويلةٍ، فقد سمحتُ لنفسي، مُستئذناً، أن أكتبَ هذا النصّ، على صفحاتهما، توضيحاً وتفسيراً وتأكيداً، قبل البدء بمرحلة جديدة، في أعمارنا الشخصية، وفي عُمرِ الوطن.
هي الدُنيا، "تَجري على رَسْلِها.."، ويختلفُ الناس فيها وحولَها، "ويَتْبَعُها رأْيٌ بتعليـلِ مَجْراهـا ومُعْتَقَـدُ.."، ويطولُ التَّمَحُّلُ، وتعتاصُ الحُلولُ، وتبقى العُقَـدُ الأساسيّة كما كانت عليه. وحولها تَحْتَ شِدُ عواطف كثيرةٌ وأهواءُ. فيا شعبُ .. "زَعموا التطرّف في هواكَ جهالةً":
فُـرُبَّ ثَاقِـبِ رَأْيِ حَـطَّ فِكْرَتَـهُ غُنْمٌ فَسَفَّ.. وَغَطَّى نُـورَهَا فَخَبَـا
وَأَثْقَلَـتْ مُتَـعُ الدُّنْيَـا قَوَادِمَـهُ فَمَا ارْتَقَى صُعُدَاً حَتَّى ادَّنَـى صَبَبَـا
وَرُبَّ رَاضٍ مِنَ الحِرْمَـانِ قِسْمَتـهُ فَبَرَّرَ الصَّبـْرَ وَالحِرْمَـانَ وَالسَّغَبَـا
وعلى الّلهِ الإتّكالُ، مِن قبلُ ومِن بعدُ، وحمى الّلهُ الأردنّ وأهلَهُ ومليكَهُ.
Rakan1m@yahoo.com
لستُ أوّلَ وزيرٍ، وبالتأكيد لَنْ أكون الأخير، ينتقل، مؤقّتاً، من بيتِ الصحافة وهُمومها، إلى بيتِ السياسة ومحاذيرها، وإنْ كانت المسافة، بينَ البيتينِ، الصديقينِ واللدودينِ في آنٍ معاً، ليست "مفازَة..". وكلٌ لهُ شجونُه وشؤونُه، وأروِقَتهِ وفناءاتهِ، ومصاعبه ومُشكلاته وتناقضاته، فإلى أيّ "بيتيكَ.."، أو قُلْ جَانبيكَ، تَميلُ..!؟
ولأنّ "القولَ.." كان في البدءِ، في تاريخ البشرية، مشروطاً ومُقدّساً. وبعدَ البدءِ، صارَ القولُ المكتوبُ، في قانوننا الأردنيّ، للموظّف العموميّ، مشروطاً بموافقة رئيسِ الوزراء، فأستميحُ القاريء بِفسحةٍ مِن: التوضيح، والتفسير، والتأكيد.
فأمّا التوضيحُ، فهو أنّني استأذنتُ الرئيس، قبلَ كِتابة هذا النصّ، تحت سقف الدستور الأردني الجديد وقوانينه، الذي أقسمت، لِتوّي، على كتاب الّله المجيد، "أن أُحافظ عليه.."، و"أن أكون مُخلصاً للمَلِك.."، و"أن أخدمَ الأمّة.."، وزيراً في حكومة الرجل الراشد والرشيد، دولة السيّد عون الخصاونة، رأساً للولاية العامة في بَلَدِنا، التي تُمثّلها الحكومة، التي يُمارسُ، مِن خلالها، جلالةُ الملك سلطاتهِ التنفيذية، كما يُحدّدها الدستور. حكومة القاضي والنائب لرئيس محكمة العدل الدولية، الذي تخلّى عن موقعه العالميّ المرموق فيها، مِن أجل موقعٍ محليّ هو الوطن بعينه، وهمومه وشجونه، في حِقبةٍ بالغة الحساسية والدقّة والأهميّة. حكومة الرجل، الذي وصفه جلالة الملك، عِندَ تكليفه، بأنّه "أحد أبرز المراجع القانونية على المستوى العالمي".
أمّا التفسيرُ، فربّما يرى فيه البعضُ بأنّه فائضٌ عن الحاجة، أو لا لزومَ لهُ، غيرَ أنّي رأيتُ أنّه ضروريٌ ولازِمٌ. فالضرورةُ، تأتي مِن باب تفسير جدوى الإنتقال، مِن الصحافة إلى السياسة، لشخصٍ مثلي. واللزومُ، يجيءُ مِن رِحابِ أسئلةِ الأسباب الشخصية، سيّما وقد قضيت عُمري كُلّه في مهنة الصحافة وبيتها: صحفيّاً، وكاتباً، رئيسَ تحريرٍ، ونقيباً للصحفيين، ولمرّاتٍ عديدة.
ففي التفسيرِ، أستطيعُ القولَ، بأنّه لا أدقّ مِن اللحظة العربية الراهنة، في تاريخ الأوطان العربية الحديث. لحظةٌ يحتاج الوطن فيها إلى كلّ أبنائه، ويعجِمُ فيها عيدانَه. لحظةٌ، لا تُساءَلُ فيها المقاديرُ، عن مصائر الأوطان: "هَلْ لاَ زِلْتِ سَـادِرَةً / أَمْ أَنْتِ خَجْلَى لِمَا أَرْهَقْتِـهِ نَصَبَـا؟". بل يُساءَلُ فيها الولاةُ والمسؤولون، وقادةُ الناس والجماعات والعصبيّات، عَن كلامهم وأفعالهم ودعواتهم: "هَلْ تَبْتَغِي مَطْمَعاً أَوْ تَرْتَجِـي طَلَبَـا؟". ويشهدُ الّله، بأنّني لم أرتَجِ طلباً أو مطمعاً. لكنّه الوطنُ والأمّة، والمخاطرُ المتزايدة عليهما، ساعةً تلوَ ساعة، وحيرةُ المواطنِ العربيّ فيما ينبغي عليه ويجبُ، وإمكانية ذلكَ وجدواه ..
فهَذَا البَلَدُ الطيّب، الذي أخذ شكل "الضِّيَاءِ.."، الواضحِ والكاشفِ في آنٍ معاً، فأهْدَى إلى "مكامِنِهِ.." لصوصاً ونهّابين، وأفاعي "تَنْفُـثُ العَطَبَـا". فيما أبناؤهُ يلهجون بالرجاءِ "يا ربُّ نَـوِّر لَنَـا، إنَّـنَا فِي أَيِّ مُدَّلَـجٍ"، ذلكَ أنّ زُمَرَ الفكرِ والسياسة والعصبية والدين والثقافة
"تَفَرَّقَتْ فِي ضَلالاتِ الهَـوَى عُصَبَـا"، تتصَيّدُ "الجَـاهَ وَالأَلْقَـابَ" والمصالحَ، متناسيةً "بِـأَنَّ فِـي فِكْـرَةٍ قُدَسِيَّـةٍ لَقَبَـا"، ومُشِيحةً بوجهها ورؤاها، عَن حقائق الدينِ والدُنيا، وبأنّه "تَأْبَى انْحِـلالاً رِسَـالاتٌ مُقَدَّسَـةٌ / جَـاءَتْ تُقَـوِّمُ هَذَا العَالَمَ الخَرِبَـا"..!؟
فإذا كانت الأحوال العربية، البائسةِ والخطيرة، والتي شاهدَها المواطنُ العربيّ، طوال عامٍ تقريباً، صوتاً وصورةً، ولحظةً بلحظةٍ، أوصلتِ الناسَ، في بلادنا، إلى يقينٍ مفاده بأنّه: "ما أقبحَ الدُّنيا إذا / ضَلَّ الرُّعَـاةُ وما أَضَـلاَّ". فإنّ الأردنيين عَرَفوا، والحمدُ للهِ، كيف يُحبّون وطنَهم ومليكَهم، وجوهرَ وطبيعة الحُكم في بلادِهم، منذُ أن تفتّحت أبصارُهم وبصائرُهم على إمارتهم الفتيّة، عشيّةَ خمودِ نار الحرب الكونيّة الأولى. تماماً، كما عَرَفَ ملوكُهم، الهاشميون الأردنيون، كيف يسوسونَ العِباد والبلادَ، فيُجنّبون الناسَ مخاطرَ العواصف. فمِن عبد اللّه الأوّل، إلى عبد اللّه الثاني، لم ينسَ الأردنيونَ كم مِن الأهوال تمّ اجتيازُها بأمانٍ، وكم مِن الحِقَب والمراحل القاسية رَسَت فيها سفينةُ الأردن إلى برّ السلامة. كيفَ لا، وسيّدُ البلاد يُحبُّ سماعَ قول "الفاروق عُمر..": "إنّني أحبُّ قيادةَ السفينةِ أثناءَ العاصفةِ .."..!
ولأنّ "هذه المرحلة.. تتميّز بطابع الإصلاح السياسي"، كما شخّصها جلالة الملك، و"ضمن رؤية إصلاحية شاملة"، مُحدّداً أنّ "مهمة هذه الحكومة.. هي الإصلاح السياسي"، وبالتفاصيل التي ورَدت في كتاب التكليف. وهو ما تفهّمهُ دولة الرئيس عون الخصاونة، وباشَرَ في تنفيذه، منذُ لحظة التكليف الأولى.
ولأنّه لا أمانَ بلا أمنٍ، فقد جاء التغيير الحكوميّ الجديد متلازماً مع تغيير في رأس المؤسسة الأمنيّة. فبالمضيّ "في تنفيذ خطّة تطويرية وتحديثية لهذا الجهاز الوطني"، يأمل جلالة الملك، في اللحظة الراهنة، بترجمة رؤيتهِ "الإصلاحية الشاملة". ولا يتحقّقُ ذلكَ إلّا بالإلتزام "بروح الدستور والقانون، وقدسية الحفاظ على حقوق الإنسان، وحريّته وكرامته"، كما قالَ اللواء فيصل الشوبكي، في رسالته الجوابية إلى الملك.
قد يكونُ مِن اليسير الآن، وفي سياق المديح الشخصيّ لِلواء الشوبكي، وهو، في رأيي الشخصيّ، يستحقّ ذلكَ فعلاً، القولَ:"تلكَ الأمانةُ أَوْدَعَتْ / أثقالَهَا كُفُـوَاً وَأَهْـلاَ"، لكنّه قولٌ مُحبٍّ، ورأيُ منحازٍ، يأخذُ شكلَ الشهادة المجروحة. غيرَ أنّ مَن يعرفون المهمّات المهنيّة، التي أنجزها الرجل، في عُمرِ جهاز المخابرات الأردنية العامّة، يذكرونَ أنّه كان "يَقْفُو بِعَيْنِ النَّسْرِ تَرْقُبُ.." ذِئاباً وضِباعاً وثعالبَ وبنات آوى، بِعلمٍ ورويّةٍ وصبرٍ، عزّ نظيرها. أمّا ما هو حقٌّ، ويؤكّدهُ تاريخُ الرجلِ، وعملهُ وجدّيتهُ، في المؤسّسة نفسها، فأقوله، بكلّ راحة الضمير الأردني النقيّ، بأنّها أمانة الوطن الأثقل، وأنّه يُريدها للناس والوطن مَغْنَمَ أمنٍ وأمانٍ، على حدّ تعبيرِ الجواهريّ: "كانتْ لهُ غَـلاًّ وَآخَرُ / شَاءَهَا للناسِ غُـلاَّ "..!؟ وسَيَرَى الأردنيونَ، في قادِمِ رئاسته لمؤسّسة الأمن الأردنية الأبرز، مفرداتِ التطبيق الفعلي لقولِ الحقّ سبحانه: "وقُل إعملوا.."، وإنّ غداً لناظرِهِ قريب.
أما في باب التأكيد، الذي أشرتُ إليه، فإنّ في قولَ الزعيم الإنجليزيّ "ونستون تشرتشل"، بأنّه يبحثّ "عن حقيقة الأمة في حبر المطابع وصفحات الصحف"، ما يجعلُ من الصحافة، الحرّة والمستقلّة، البيت الأوّلَ والأخير للصحفيّ المهنيّ المُحبّ لمهنتهِ، على الرغم مِن، أو ربّما بسبب، ما يخسرهُ الصحفيّ بالسياسة من استقلاليته الكاملة. ولِما لجريدتيّ "الرأي" و"الدستور"، في نفسي، وفي تاريخيّ المهنيّ والشخصيّ، مِن مكانةٍ وتجربةٍ طويلةٍ، فقد سمحتُ لنفسي، مُستئذناً، أن أكتبَ هذا النصّ، على صفحاتهما، توضيحاً وتفسيراً وتأكيداً، قبل البدء بمرحلة جديدة، في أعمارنا الشخصية، وفي عُمرِ الوطن.
هي الدُنيا، "تَجري على رَسْلِها.."، ويختلفُ الناس فيها وحولَها، "ويَتْبَعُها رأْيٌ بتعليـلِ مَجْراهـا ومُعْتَقَـدُ.."، ويطولُ التَّمَحُّلُ، وتعتاصُ الحُلولُ، وتبقى العُقَـدُ الأساسيّة كما كانت عليه. وحولها تَحْتَ شِدُ عواطف كثيرةٌ وأهواءُ. فيا شعبُ .. "زَعموا التطرّف في هواكَ جهالةً":
فُـرُبَّ ثَاقِـبِ رَأْيِ حَـطَّ فِكْرَتَـهُ غُنْمٌ فَسَفَّ.. وَغَطَّى نُـورَهَا فَخَبَـا
وَأَثْقَلَـتْ مُتَـعُ الدُّنْيَـا قَوَادِمَـهُ فَمَا ارْتَقَى صُعُدَاً حَتَّى ادَّنَـى صَبَبَـا
وَرُبَّ رَاضٍ مِنَ الحِرْمَـانِ قِسْمَتـهُ فَبَرَّرَ الصَّبـْرَ وَالحِرْمَـانَ وَالسَّغَبَـا
وعلى الّلهِ الإتّكالُ، مِن قبلُ ومِن بعدُ، وحمى الّلهُ الأردنّ وأهلَهُ ومليكَهُ.
Rakan1m@yahoo.com
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
حكم و امثال و كلام جميل بلاغة وو
الحر والشريف ركان المجالي
فأنت معروف لنا بأنك وطني حر وشريف
سر نحو الامام بمزيد من التقدم والنجاح
كان الله بعونك
أتمنى فتح التلفزيون الأردني كخطوة أولى بالتغيير للجميع بحيث نرى فيه جميع الرموز الموجودة في الساحة ونقوم بحل مشاكلنا الداخليه في الداخل وليس من خلال قنوات الإعلام العربي التي لا نعلم غايتها وأهدافها.
وأقبلو الإحترام معالي الوزير الجديد وإلى الأمام
1- ارحل يا دولة الرئيس فإنّ الملأ يأتمرون بك إنهم يحرقونك ثمّ سيغرقونك .
2- يا معشر الشباب القوم ينوون البطش بكم فاحذروهم ... يا معشر الشباب القوم لن يتنازلوا عن مكتسباتهم وسيقاتلون دونها , ونحن الشعب قلوبنا معكم وسيوفنا معهم فإن استطعتم التنصل مما طالبتم به فتنصلوا , وان استطعم الاستنكار فاستنكروا , وان استطعتم اعلان البراءة مما صدر منكم فأفعلوا فوالله إنني لأشاهد منخفضا جويّا يقترب , وغيوم سوداء مكفهرة قد اقتربت , وعاصفة هوجاء على وشك الوصل فالصفقات أبرمت , والاتفاقيات تمّت , ورضي أولياء النعم ... انتهى . اسيقظت مرعوبا ونسيت الكثير فالله الله في أنفسكم فلا يبقين أحد إلاّ على نفسه .