الديج البلدي وديوك المدجنة


كما التمايز موجود بين أصناف البشر، فكذلك هو في الطيور الداجنة والحيوانات الأليفة التي نتعايش معها في بيئاتنا الريفية والبدوية؛ ولا أدلّ على ذلك من الفرق البيّن الذي تلمحه بين الديج* البلدي والدِّيكة التي تُربّى في المزارع. وأول هذه الفروق هو في اللفظ، فعندما تلفظ كلمة ديج وخاصة عند إشباع الحرف الأخير، ستجد كثيرا من الجزالة في اللفظ وقوة في الدلالة التي تتجاوز المعنى المألوف، خصوصا عندما يرافق هذا اللفظ بعض الإيحاءات والإشارات الحركية المتمثلة في الضغط على قبضة اليد مع رفع الإبهام صوب الأعلى. وللتقريب اللفظي، فإن حرف الجيم الأخير يلفظ كحرفCHفي كلمة CHAIRأي كرسي. أما لفظ ديك فإنه يوحي بالنعومة والغنج والدلال. هذا من الناحيتين اللفظية والدلالية.
ولنتناول الآن الفروقات الجوهرية بينهما في الخصال والسمات المعنوية؛ فالديج يتصف بالإيثار وعدم الأنانية، فما إن يعثر على بعض الحبوب في تجواله حتى يبدأ بالصياح والمناداة على باقي الدجاجات والصيصان للحاق به ويأبى أن يتناول ولو حبة قمح واحدة حتى يتأكد أن الجاجات والفراخ بدؤوا بالتقاط الحب قبله. زد على ذلك استماتته في الدفاع عنهن إن لاح في الأفق خطر محدق من البساس وصبية الحي المشاكسين. أضف إلى أنه لا يقبل له منافسا ولا شريكا فما إن تتهدد مكانته الاجتماعية والقيادية حتى يحدث صراع يعرف في الموروث الداجن بصراع الديكة. وقبيل غروب الشمس بقليل تراه يتهادى في مشيته مختالا يقود قطيعه إلى خمّ آمن من عثرات الدهر وصروف الزمن. أما المثابرة فهي صفة لازمة له؛ فإن تجده الآن في هذه الحاكورة باحثا عن لقمة العيش ستجده بعد فترة وجيزة يعتلي تلك السنسلة أو ذاك المرتفع دون كلل ولا ملل. وله كذلك في الصبر والتحمل والجَلَدِ نصيب يُعْتَدُّ به؛ فهو صبور على حرّ الشمس اللاهبة في الظهيرة، وذو جَلَدٍ على زمهرير البرد القارص. وتوخيا للموضوعية والدقة، فإن له صفة لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها وهو أنه –أحيانا- ذو كَبْرَةٍ على خازوق كما يقال ويشاع عنه؛ فلا يغرنك رؤيته مختالا وواثق الصيحة أحيانا، فلعله حينها لايجد كفاف يومه، ولكنه مع ذلك معتد بذاته يساعده على ذلك لمعان ريشه الجميل وتنوع ألوانه التي يغلب عليها اللونان الأرجواني والأحمر. وإن أردت العثور على مثل هذا النوع منها فعليك بالأرياف والبوادي وقاع المدن وضواحيها. ولكن تكمن مأساة الديج البلدي عندما يتقدم في السن، ويضعف بصره، وينحل جسمه، وتتراخى أوتار صوته، فستجده عندئذ يتصدر صحن بروستد، أو معتليا سيخ شاورما.
بالمقابل، فإن ديوك المدجنة أو ما يعرف بديوك المزارع ذات صفات تختلف في كثير منها عما ذُكر آنفا؛ فهي تعيش في مزرعة مكيفة- حامي- بارد-، مع توفير أقصى درجات الرعاية الصحية من قبل الأطباء البيطريين المعنيين بهم وذلك بسبب سرعة تفشي الأمراض السارية وغير السارية إن وجدت بينهم، وعدم وجود مناعة وحصانة بدنية لديهم. كما أن الديك ليس على استعداد أن يتحمل مسؤولية غيره فجميع الديكة كحاله لا يحتاجون إلى سعي حثيث لالتقاط لقمة العيش والبحث عنها، لذا تسود الأنانية بين هذه الديوك وتنعدم مآثر الإيثار والأثرة فيما بينهم. إضافة إلى أنها تتشابه في اللون والطعم والرائحة والشكل والهيئة والخصال غير الحميدة-أحيانا-، بحيث لا تستطيع تمييز أحدها عن الآخر فهم يأكلون الحَبَّ أكلا لمّا ويحبونه حبا جمّا، لا يراعون بين خبيثه وطيبه، ولا بين حرامه وحلاله، فكلهم سواء في هذه الخلّة والصفة؛ تلك هي سنة الحياة؛ هناك ديج بلدي، وبالمقابل هناك ديك وديكة لا نعرف من أين استوردناها أو استوردنا بيوضها التي فرّختها، فتوارثت المزارع والضيع لمّا لمّا. وبقي الديج البلدي واضعا جناحه تحت منقاره فوق ربوة أو تلة ينظر من علٍ إلى قادم الأيام، وما تخبئه له الأقدار.



تعليقات القراء

أبو علي
صح لسانك
19-10-2011 02:22 PM
مصطفى القضاة
يا يسرى هل ياسر أخوك
19-10-2011 02:43 PM
يسري
أخ مصطفى المحترم، نعم
19-10-2011 04:21 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات