كيف يأتي الربيع إذا لم يسبقه الشتاء؟!


الربيع العربي الذي إنطلق قبل أقل من عام من رماد شاب تونسي أقدم على إحراق نفسه فكانت الخطوة الأولى في مسيرة شعوب عربية ضد طغاتها وسفاحيها وسارقيها، هذا الربيع كان يمكن أن يظل حبيس جدران الأنظمة وداخل أبنيتها المعتمة الرطبة لولا أن فضائيات عربية راديكالية تصدت للكشف عنه وإلقاء الضوء عليه لعل من أبرزها وأولها فضائية الجزيرة القطرية وفضائية العربية السعودية وقناة فوكس الأمريكية وفضائية بي بي سي البريطانية وقناة 24 الفرنسية ومعها عشرات المنابر الأرضية والفضائية والصحف الخليجية والأروبية ومعها وسائل إعلام الإمبراطورية العثمانية وهي الإمبراطورية التي تصنف كأول مشروع إستعماري في المنطقة والعالم لم يستهدف الأوطان بل الشعوب في تبديل كل ثوابتها كالدين واللغة والأموال والموارد وبأسلوب تعلم منه النازيون فيما بعد.

الأسرة الإنسانية مدينة بكل أممها وشعوبها وقبائلها لهذه الفضائيات الراديكالية، وقد وحدتها عوامل تحالف يصعب معها فهم من أين جاء إهتمامها بالإنسان العربي خارج حدودها الضيقة وليس وراء هذه الحدود حيث فقدان الديقراطية وأبسط حقوق الإنسان وهي في غالبيتها تستضيف على أوطانها قواعد الحروب والقتل والإذلال والإستعمار والتبعية والعار، ومع هذا كانت تلتقي مجتمعة على هدف واحد هو إعادة الإحتلال والهيمنة الأجنبية ونهب الموارد وعصر المندوبين الساميين المتوحشيين، فأنت تشعر وأنت تتابع هذه الفضائيات أن محررا واحدا يتولى فيها كتابة الأخبار وصياغة التقارير وإلتقاط الصور ووحدة النزاهة في الأكاذيب والتعامل مع واقع هذا الربيع، وليس هناك من يجهد نفسه بالبحث عن المستقبل أو الحديث عن أي مستقبل ينتظر أقطار هذا الربيع من تدمير لكل البنى التحتية وإنزال العار بالكرامة الوطنية والقومية وفك إرتباط الشعب العربي بقضية فلسطين لحساب الولاء والإنتماء والتبعية للعدو الصهيوني.

لم يعد هناك كثير من الأسرار فاللعب كله على المكشوف، تجمد أموال الشعوب ولا يفرج عنها لإعادة بناء ما دمره التحالف، وتسند إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية هذه المهمة (الإنسانية) في صفقات سلاح جديدة وصفقات بناء عشرات الآلاف من البيوت وعشرات المستشفيات والمدارس والجامعات، ويتم تقاضي عمولة على البناء الذي يدفع لمسؤولي الربيع العربي الذي سيتم تفريخهم في عواصم الدول الغربية فتضيع وتسرق مئات المليارات كما حدث في العراق الذي تم غزوه وتدميره تحت ذات اللافتة لافتة حماية الشعوب وتوفير الحقوق الإنسانية لها داخل مقابرها الواسعة.

قبل أيام ردت الحكومة التركية بقسوة على حديث فرنسي رسمي حول إبادة تركيا للأرمن، وطلبت في ردها أن تتذكر فرنسا عشرات الملايين من ضحايا الشعوب في المغرب والشرق في أرمينيا والجزائر وافريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وحتى على الأرض الأوروبية أثناء الحرب العالمية الأولى وأثناء الحرب العالمية الثانية وأثناء الحروب التي سبقت هاتين الحربين أو لحقت بهما في فلسطين والعراق وتونس وليبيا بالغزو الإيطالي ومصر التي غزتها ثلاث قوى إستعمارية عام 1956 دون الحصول على موافقة مجلس الأمن، عشرة أعوام من القتل الغربي للشعب الأفغاني وثمانية أعوام من القتل الإستعماري للشعب العراقي وأعوام كثيرة من القتل للشعب السوري واللبناني ولا موافقة واحدة من مجلس أمن الدول الإستعمارية، وحتى عندما سقط نظام الطاغية معمر القذافي فإن حلف النيتو قرر مواصلة تدمير ليبيا حتى يسوى فضائها بأرضها ويتولى المدمرون إعادة البناء وفق صفقات سرقة ونهب لم يشهد التاريخ الإنساني مثلها.

يعرف الكثيرون أن الدخول في قلوب العرب والمسلمين يكون من بوابة فلسطين، ومن هنا جاء موقف تركيا، لكن إقامة مناورات في لواء الإسكندرون وعلى حدود سوريا جاء مؤكدا على الحكم التركي في العودة إلى إستعمار بلادنا ومحاولة تشويه إنتمائنا وحضارتنا ولغتنا وثقافتنا، وعندما حاول السلطان رجب أردوغان إتمام جولاته العربية بزيارة قطاع غزة رده المصريون لأنهم لا يريدون مواصلة لعبته الإستعمارية ومواصلة زعمه العلني في أنه يريد بناء جدار عال أمام المسعى الشيعي!!

نحن الآن في ظل وضع يتحالف فيه أشقاء مع أعداء ضد أشقاء ولعل ما تترجمه الفضائيات التي أشرنا إليها أنفا ما يؤكد على هذه الحقيقة وإلا كيف نستطيع أن نفهم الدور الواحد الذي تقوم به فضائيات عربية مع بريطانية مع أمريكية مع فرنسية مع ألمانية في الحديث أربعا وعشرين ساعة عن معاناة شعوب عربية من طغاتها واستمتاع شعوب عربية بطغاتها وعن فتاوي تعتبر التظاهر والإعتصام والمطالبة بالحقوق الإنسانية من الكبائر مثل الزنا وشهادة الزور وأكل لحم الخنازير ولحوم الجيف وشرب الدم. وشرب الدم في الوطن العربي مباح ومشروع ولكن للطغاة والفاسدين والسجانين وحكامنا المخلدين وأجهزتنا الأمنية الوطنية!!

k.a.mahadin@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات