الفرقاء وأهل غزة


لم يحدث تحذير الملك عبدالله الثاني الصحوة المطلوبة بعد في الإعلام والانقسام العربي ، وكان يجب أن يجمع الفرقاء بعد أن فجر ما ظل مسكوتا عنه رسميا ، وربما تداوله الزعماء في جلسات مغلقة ، ولكنها كانت الصرخة الرسمية العلنية الأولى أمام الشعوب والعالم حول المؤامرة لتصفية فلسطين.

وينقسم العرب رغم جسامة الوضع إلى معسكرين ، المحور التركي السوري القطري ما زال يطالب بعقد قمة حتى بمن حضر رغم أنها لن تستطيع تغيير الواقع في غزة ، بل سيزيد عقدها انقسام العرب. أما المحور الثاني المصري السعودي فنقل القضية إلى مجلس الأمن تفاديا لمزيد من الانقسام ، فكان انعقاد المجلس وقراره مثل قلته ، فإسرائيل غير معنية به ، وكل المبادرات والجلسات في حساب إسرائيل مزيد من الوقت لعدوانها ، وهي تتكىء على تأييد أمريكا المطلق ، ولم تشغلها مبادرة فرنسا أو موقفها في مجلس الأمن ، ويكفي استعادة ما كتبته بعض الصحف الفرنسية في سيرة ساركوزي عند انتخابه بأنه عمل في الموساد فترة ، فلم ينف أو يعترض. وربما فسر ذلك غموض الموقف الفرنسي في مجلس الأمن.

بارقة أمل واحدة في هذا التخبط هو أن شعرة معاوية لم تنقطع بعد بين حماس والقاهرة. فالقاهرة قوة عربية إقليمية مهما ضعفت ، ومعبر رفح حياة لهم ولغزة ، وخطة إسرائيل تهدد وجودهم ومصر حين تسعى لتحميلها القطاع ، ومصلحة الجميع في مقاومته. والوفاق العربي والاتفاق الفلسطيني حتمية وجود وبقاء لأن الخطر يهدد الجميع.

لقد أتاح الخلاف العربي ذبح شعب غزة بحجة إضعاف حماس. ومنح الانقسام العربي حول القمة ثم نقل المشكلة إلى مجلس الأمن مهلة طويلة إضافية ، وهي تعلم أنه لا القمة ولا مجلس الأمن يستطيع إجبارها على الانسحاب قبل التهدئة كما تشترط حماس.

والسؤال: من سيجبر إسرائيل؟ وما السبب لاستمرار المقاومة؟ هل السبب هو الاعتراف بحماس قوة إقليمية لتصبح الممثل الشرعي بدلا من السلطة؟ والجواب لن تعترف إسرائيل بندية حماس مهما طالت الحرب. والمثال أنها لم تعترف بحزب الله ولكنها وقعت الهدنة مع الدولة اللبنانية. ولهذا لا بد من اتفاق فلسطيني لإنقاذ فلسطين ووقف االعدوان.

ثم من سيجبر إسرائيل على الاعتراف بندية حماس؟ هل هو الضغط الدولي أم المظاهرات في العالم؟ لا تعني المواقف الدولية كثيرا لإسرائيل ، ولهذا قصفت مدارس الأونروا وقوافلها وعرقلت عملها ، وأعادت ما فعلته في قانا اللبنانية ، وحجتها أن "الإرهابيين" يستغلون هذه الأماكن ويستعملون الناس فيها دروعا بشرية ، وربما كان هذا ما ستعتمد عليه حملتها الإعلامية القادمة في أوروبا وأمريكا هذا الأسبوع.

وتعرف إسرائيل أن الجامعة العربية عاجزة على الصعيد الرسمي العربي ، ولن تستطيع قممها اتخاذ ما تخشاه أو يهدد مصالحها أو علاقاتها ، وكل ما يطمح إليه العرب الآن هو نشر قوات دولية لحماية المدنيين.

إن الوقت ليس في صالح المقاومة أو صاحب الحق دائما ، فهو يعطي العدو فرصا أطول ، وقد بدأت اسرائيل العمل "لتعديل" ميزان التعاطف الشعبي الغربي مع أهل غزة ، فأخذت بالتباكي من خطورة الأنفاق الأرضية على جنودها ، وسمتها "المدينة السفلى" للتدليل على قدرة حماس على التغلغل والبناء إذا توفر الوقت ، ووقف إطلاق النار دون تدمير "المدينة الأرضية" سيبقي الخطر على شعبها وأمنها.

وكذلك لا يمكن لحماس المراهنة طويلا على تعاطف الشارع الغربي دون تحرك عربي مضاد ، فقد حجبت إسرائيل حقيقة ما يدور حين منعت الصحفيين الأجانب من الوصول إلى داخل غزة ، وهو سيتيح لها الطعن بمصداقية الشهود والصور في أي تحرك دولي لمحاكمة قادتها ، واعتبارها صورا منحازة لم تلتقطها قنوات غربية محايدة. وبدأت بعرض صور لمناطق قصفتها تدعي أنها استعملت مخازن أسلحة.

لقد استعمل التصوير برهانا على أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل احتلاله ، وكل ما تطلبه الأمر بعد سنوات حين انكشفت الكذبة ، هو اعتذار بأن الشاحنات كانت فارغة ، ولكن بعد أن حققت الصور هدفها.

لا بد من تنسيق بين الإعلام العربي ونقابات الصحفيين والكتاب والمحامين وحقوق الإنسان للرد على خطة إسرائيل الإعلامية ، فهي لن تقل خطرا عن القتل ، وحرام أن ينشغل الإعلام العربي بالانقسام الرسمي أكثر من انتباهه لخطر الإعلام الإسرائيلي.

التاريخ : 12-01-2009



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات