عفوا: المقاومة لا تدمر الفلسطينيين


لم يكن السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله موفقا عندما استخدم بعض العبارات الاستفزازية في مؤتمره الصحافي الذي عقده في القاهرة، في ختام اجتماعاته مع الرئيس المصري حسني مبارك، خاصة عندما قال "ان المقاومة التي تدمر شعبها لا نريدها"، في اشارة الى الفصائل الفلسطينية، وحركة "حماس" على وجه الخصوص.

وهذه ليست المرة الاولى التي يستخدم فيها السيد عباس مثل هذه الاقوال، فقد وصف العمليات الاستشهادية بـ"الحقيرة" وادانها بأقوى الكلمات. وقال ان الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة "عبثية"، ولم يتردد في السخرية من السفن الاوروبية والنشطاء الغربيين والعرب الذين يستقلونها، لكسر الحصار الاسرائيلي على القطاع بقوله إنها "لعب عيال".

السيد عباس يطلق هذه الاقوال المسيئة لمفهوم المقاومة السامية، في وقت تحتفل فيه حركة "فتح" بالذكرى الرابعة والاربعين لاطلاق رصاصتها الاولى ضد الاحتلال الاسرائيلي، وتتصدى فيه نظيراتها في قطاع غزة، ومن بينها كتائب شهداء الاقصى التابعة لحركة "فتح" لهجوم وحشي اسرائيلي يتعمد قتل الاطفال والنساء دون اي شفقة او رحمة.

المقاومة الفلسطينية ليست هي التي تدمر الشعب الفلسطيني، وانما الارهاب الدموي الاسرائيلي الذي نرى ضحاياه بالآلاف، شهداء وجرحى، في مختلف انحاء قطاع غزة، مثلما رأيناهم في جنين والخليل وبيروت وجنوبها ومخيماتها.

فالايحاء بان المقاومة هي التي تدمر الشعب الفلسطيني بصواريخها وعملياتها الاستشهادية، هو تبرير للعدوان الاسرائيلي الحالي، سارع الكثير من المسؤولين والاعلاميين الاسرائيليين والغربيين لاختطافه بتلهف، والتركيز عليه، لادانة المقاومة، وتحميلها مسؤولية كل القتلى والجرحى، خاصة ان هذا الايحاء، جاء على لسان شخص من المفترض انه رئيس للشعب الفلسطيني، ومنتخب من اجل الدفاع عنه، والانحياز الى جانبه في السراء والضراء.

وربما يكون مفيدا تذكير الرئيس عباس، بأنه لولا هذه المقاومة لما وجد اساسا في مقره في رام الله، ولظل حتى هذه اللحظة في المنافي العربية المجاورة لفلسطين المحتلة. فالمقاومة هي التي احيت الهوية الفلسطينية، وفرضت اعتراف اسرائيل والعالم بأسره بها.

لا نعرف ماذا سيقول السيد عباس لآلاف الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في معارك الشرف والمواجهة مع الاسرائيليين على امتداد المئة عام الماضية، وشهداء حركة "فتح" منهم على وجه الخصوص، او كيف سيواجه احد عشر الف اسير في سجون الاحتلال وأسرهم، قضوا اجمل سنوات عمرهم خلف القضبان، لانهم لبوا نداء الشرف والكرامة، وانخرطوا في صفوف المقاومة، وحركة "فتح" بالذات من اجل استعادة حقوقهم الوطنية المشروعة؟ فهل اخطأ هؤلاء، وهل اخطأ الشهداء ايضا... واخيرا هل اخطأ الجزائريون عندما قدموا مليونا ونصف المليون شهيد في ثورتهم ضد الاحتلال، وهل كان على شارل ديغول ان ينخرط في حكومة "فيتشي" التي اسسها الاحتلال النازي، وهل كان على الحبيب بورقيبة، ومحمد الخامس، ونيلسون مانديلا، ويوسف العظمة، وعمر المختار ان يلقوا البنادق، ويرفعوا رايات الاستسلام للاحتلال؟

ان يتهم السيد عباس حركة "حماس" بالخروج عن "الشرعية" والانقلاب عليها في قطاع غزة، فهذا امر مفهوم، وان كان موضع جدل، لكن ان يشكك، بسبب ذلك، بجدوى المقاومة، في وقت يتعرض فيه اهلنا في قطاع غزة "لهولوكوست" غير مسبوق، فهذا امر مستهجن لا يمكن قبوله، او حتى السماح به.

فالمفاوضات "العبثية"، التي هي بنظر السيد عباس بديل عن المقاومة، واطلاق الصواريخ لم تحقق للشعب الفلسطيني حتى الآن غير مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية، وتهويد مدينة القدس، والجدار العنصري، واكثر من ستمئة وثلاثين حاجزا امنيا حولت حياة ثلاثة ملايين انسان في الضفة الغربية الى جحيم لا يطاق.

الرئيس عباس انتخب من قبل الفلسطينيين بناء على برنامج سياسي وعدهم فيه باقامة دولة مستقلة قابلة للحياة على اساس خريطة الطريق ومؤتمر انابوليس، ووعد امريكي من قبل الرئيس بوش بتطبيق حل الدولتين قبل انتهاء ولايته بنهاية العام الماضي.
فترة الرئيس عباس الرئاسية انتهت قبل ثلاثة ايام، وسيغادر حليفه الرئيس بوش البيت الابيض بعد ثمانية ايام، ومعه السيدة كوندوليزا رايس، والمنطق هنا يقول ان يعقد الرئيس عباس مؤتمرا صحافيا في مقره في رام الله، ويعلن فيه "تقاعده"، ويدعو شخصا من السلطة نفسها للقيام بمهام الرئيس، ريثما يتم ترتيب انتخابات رئاسية جديدة، وانتخاب رئيس جديد وفق اقتراع شعبي نزيه وحر.

المقربون من الرئيس عباس قالوا في مجالس خاصة، وتصريحات عامة، بأنه، اي الرئيس عباس، سيلجأ الى خيارات اخرى في حال انتهاء فترة رئاسة الرئيس بوش دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ومن بين هؤلاء المقربين السيد نمر حماد مستشاره السياسي الاول.

السؤال الذي نطرحه الآن هو: اين هذه الخيارات، ولماذا لا نراها تطبق على الارض؟
كنا نتمنى لو ان السيد عباس قد التزم الصمت، ولم يطلق ايا من هذه التصريحات المسيئة للمقاومة، وفي هذا الوقت بالذات، او ان يقول ما قاله زعماء مثل رجب طيب اردوغان (تركيا) او هوغو شافيز (فنزولا) او حتى ساباتيرو رئيس الوزراء الاسباني الذي حمّل اسرائيل وحدها مسؤولية المجازر الحالية في قطاع غزة، دون اي اشارة للمقاومة وصواريخها، ولكن تمنياتنا هذه لم تكن ابدا في مكانها.
السيد "ابو الوليد" الناطق باسم شهداء الاقصى (فتح) في قطاع غزة خرج على قناة "الجزيرة" ليقول لنا ان ابناء "فتح" يقاومون جنبا الى جنب مع اشقائهم في "حماس" والجهاد الاسلامي، والوية الناصر صلاح الدين، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وكتائب الشهداء ابو الريش والقيادة العامة، ويتحدث عن تنسيق كامل، وغرفة عمليات مشتركة، ويبشر بالنصر القريب.

هذه هي "فتح" التي نعرفها، والتي احببناها والشعوب العربية والاسلامية جميعا، وحملت النضال الفلسطيني لاكثر من اربعين عاما، واستحقت القيادة بجدارة بفضل تضحيات شهدائها. "فتح" الشهيد ياسر عرفات وزملائه خليل الوزير (ابو جهاد) وصلاح خلف (ابو اياد) والقائمة تطول.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات