دولة الرئيس : هيكلة البلديات قبل انتخاب مجالسها!!!


الأساس الذي انطلقت منه دول العالم المتحضر في إنشاء المجالس البلدية أن تكون مدارس للديمقراطية تسهم في تأهيل سكانها وتمكينهم من إدارة شؤون حياتهم من خلال انتخاب مجلس محلي يساعد على خلق القيادات المحلية والتي تعتبر المصدر الأساسي لتوفر القيادات على المستوى الوطني، وتحقيق المشاركة الفعالة في عملية التنمية مما يؤدي إلى تطوير الفرد ورفع قدراته ومستوى تفكيره ، بالإضافة إلى الاعتماد على النفس واختيار الأفضل نتيجة الممارسة الفعلية لاتخاذ القرارات، وتطوير روح المواطنة الحرة نتيجة العلاقات التي تنشأ بين سكان المنطقة وأثر ذلك في تدعيم الوحدة الوطنية، إضافة إلى تدعيم الاتجاه التنموي السليم على المستوى المحلي .

أما الأساس الذي انطلقت منه الحكومة قبل عقد من الزمان في دمج البلديات؛ فهو- كما صرح به - تمكين البلديات التي كانت عاجزة عن تقديم الخدمة للمواطنين من خلال دمجها من توفير سيولة مالية وإمكانات اقتصادية حقيقية.

والسؤال: هل نجحت حكومة الدمج في مشروعها الإستراتيجي؟!، ثم هل استفادت الحكومة الحالية من التجربة الأردنية والتجارب الدولية بهذا الخصوص؟!، وإن كان الجواب بالإيجاب؛ فلماذا تصر على حفر"قبرها بيدها"؟!!!.

الغريب في الأمر أن وزير البلديات الحالي، وفي إحدى لقاءاته الصحفية، اعترف بشكل صريح بفشل مشروع الدمج، وعزى ذلك إلى عدم الاستئناس بآراء المجتمعات المحلية (الشركاء المحليين والمواطنين)، وعدم وضع الآلية المناسبة لإخضاع المجالس البلدية ورؤسائها للمساءلة والمحاسبة المباشرة من جميع الجهات المعنية، و عدم وضع معايير واضحة لتوزيع المخصصات ومشاريع التنمية والتطوير على مناطق البلدية الواحدة، إضافة إلى عدم تعيين حدود مناطق البلديات بما ينسجم مع التقسيمات الإدارية في المملكة، وعدم الأخذ بعين الإعتبار البعد الجغرافي والوضع الاجتماعي والاقتصادي لبعض المناطق التي تم دمجها مع بعض البلديات ما اضعف قدرة هذه البلديات على خدمة المجتمعات المحلية في مناطقهم. .

والأكثر غرابة أن تعلن الحكومة فتح باب التسجيل وتحدد موعد للانتخاب وسط موجة من الغضب الشعبي،وفي الأثناء تصدر قرارات بفصل بعض البلديات "وفكفكة "عملية الدمج للعديد منها بطريقة متسرعة ووفقا لدرجة صوت المعارضة الشعبية وبنفس الوقت تعلن استمرار عملية التسجيل والتصريح بأن عملية الانتخاب ستجرى في موعدها!!!!.
ننصح الرئيس بإعلان تأجيل عملية الانتخاب، وتشكيل لجنة وطنية من خبراء مختصين للمباشرة بإعادة هيكلة البلديات بالشكل الذي يضمن التراجع عن الدمج وخاصة في المحافظات الصغيرة لتحقيق الهدف السياسي من إنشاء المجالس بغض النظر عن المساحة وحجم السكان، ففي فرنسا مثلا يبلغ متوسط مساحة البلدية 14.88 كيلومتر مربع وفي ألمانيا، فإن متوسط مساحة البلدية يزيد عن 15 كيلومتر مربع، وبالنسبة لعدد السكان فيمكن للبلدية أن تكون مدينة من 2,000,000 نسمة مثل باريس، في حين أن الغالبية العظمى من البلديات الفرنسية لا تملك إلا حوالي 200 نسمة، وإن كان هناك عدد قليل من السكان في المجتمعات المحلية أعلى من ذلك بكثير، كما يوجد داخل فرنسا 20982 بلدية عدد سكانها أقل من 500 نسمة، وهي تشكل 57.4 ٪ من العدد الإجمالي للبلديات في فرنسا. وفي هذه البلديات يعيش 4638000 نسمة فقط، أو 7.7 ٪ من مجموع سكان فرنسا. وبعبارة أخرى، فقط 7.7 ٪ من سكان فرنسا يعيشون في 57.4 ٪ من البلديات، في حين يتركز 92.3 ٪ من السكان في 42.6 ٪ من البلديات الفرنسية.
وعليه؛ فإن الحكومة ؛ وحتى تعزز التوجه الإصلاحي للدولة؛ مطلوب منها أن تدعم عملية فصل البلديات وفقا لرغبات المواطنين؛ لتصبح" المجالس مدارس"!!!، أما كلف العودة عن قرار الدمج فيبالغ بها كثيرا، وبالمناسبة؛ ستكون كلف الإصرار على الدمج أكثر بكثير من العودة عنه!!، وللحد من التكاليف نقترح تفعيل مجالس الخدمات المشتركة في المحافظات لتتولى عملية إدارة آليات وممتلكات البلديات، بحيث يتم تزويد كل بلدية بها حسب المشاريع التي تتولى تنفيذها، وعليه؛ ليس بالضرورة أن تتملك البلديات آليات ومعدات أو حتى كادر وظيفي كامل؛ إنما تلبى احتياجاتها من مخزون مجلس الخدمات المشتركة وللمدة الزمنية التي تحتاجها وفق آلية تعتمد لهذه الغاية.


a.qudah@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات