الاحزاب السياسية في الأردن وتجربتي معها


أود ان أستهل هذا المقال بانني ومنذ صغري لم أؤؤمن بالاحزاب مطلقاً. فخلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لم يكن يتوفر للأردنين بشكل عام المال الا من رحم ربي، لذلك لم يتمكنوا من أرسال أبنائهم للجامعات. نتيجة لهذا المُعطى دخلت الاحزاب من أوسع الابواب، ونشطت مستغلة هذا النقص، واقتنصت الشباب عند تخرجهم من المدارس سواً المترك في الخمسينيات واوائل الستينيات أو التوجيهي بعد ذلك، وادخلتهم الجامعات لدى دول الجوار وعلى نفقتها، لتعدهم كقياديين وعقائديين في الأردن بشكل عام، والكرك بشكل خاص. نتيجة لهذا تأسس النمو السياسي والفكري لدى معظم عشائر الكرك. كان من أنشط الاحزاب بهذا المجال حزبي البعث السوري والعراقي. ولعدم إيماني بالاحزاب رفضت العرض الذي قُدم لي لأدرس الطب بالعراق. ولعدم إستطاعة والدي رحمة الله المادية من إدخالي الجامعة رغم تفوقي العلمي التحقت بالكلية العسكرية الملكية كتلميذ مرشح. لقد أعطتني الخدمة العسكرية قوة إضافية لحبي وإنتمائي لوطني وإخلاصي لقيادتي الهاشمية. واني لأشكر جيشنا العربي المصطفوي الذي أوفدني لاحقأً لأدرس هندسة الإتصالات بالمملكة المتحدة "بريطانيا".
خلال سنوات الدراسة استطعت ان ارى والمس المعنى الحقيقي للحياة الحزبية وتنافسها لخدمة بلدها وان هذه الاحزاب تصل للحكم من خلال برامجها ومشاريعها الوطنية. لم يكن مسموح وجود أية أحزاب بالأردن وحتى نهاية الثمانينيات. بعد هبة نيسان 89 ضد الفساد أعاد الراحل الكبير جلالة الحسين العظيم رحمة الله الحياة البرلمانية وبعد توقف (22) عام منذ نكبف 1967 ومن ثم سمح بتأسيس احزاب سياسية. تأسس عدد كبير من الاحزاب، لكن للأسف الشديد ان البعض منها ممول من الخارج، والبقية تمّ تمويلها من قبل شخص واحد، والذي أعطاه الحق بالتحكم التام بالحزب. لهذا لم يكن لدينا حزب همه الحقيقي والاساسي خدمة الوطن بل خدمة القائم أو القائمين على الحزب لإيصالهم لغاياتهم واهدافهم الشخصية. لما سبق عُرفت الاحزاب لدى معظم الأردنين باسم البقالات، ولذا لم تستطع من التغلغل بالقاعدة الشعبية واستمر معظم الأردنين لا يؤمنون بالحزبية.
نشطت ومنذ أكثر من عام الحركات السياسية والوطنية، والتي تطالب بمحاربة الفساد والمفسدين، وإعادة ما نُهب من مقومات الوطن الاقتصادية، وتحريرة من التبعية الخارجية بشكل خاص، والمطالبة بإصلاحات إقتصادية ودستورية وقانونية، إضافة الى الإصلاح والعدل الاجتماعي، وإنصاف المحافظات وتنميتها. والهدف من هذا إعادة الوطن لمسارة الصحيح، وإمتلاكه لكافة مقوماته الاقتصادية والسياسية، وإنهاء الإعتماد على الهبات والمساعدات الخارجية، وسداد المديونية التي وصلت لأرقام قياسية مقارنة بإقتصاد الأردن. لسؤ الطالع ان معظم الحركات حُوربت من قبل الحكومات، والتي وجهت الأجهزة الأمنية لنفس الغاية، لتعمل على تفتيتها وشراء من تستطيع للإبقاء على الوضع كما يريدون، وعدم محاسبة الفاسدين رغم ان جلالة الملك يدعم شخصياً محاربة الفساد والمفسدين واصحاب الشد العكسي. ولقد شُكلت لجان لوضع قوانين إنتخابات واحزاب وتعديل الدستور من قبل الحكومة، وما زالت قيد الدراسة والتمحيص. وان رائي الشخصي بهذه اللجان، والتي افتقرت للتمثيل الحقيقي من الوطنيين الحريصين على الوطن، بدعم من المفكرين القانونين والسياسين والاقتصادين، مما أنتج توصيات مبتورة وغير ناضجة.
لما سبق من نشاط الحركات الغير منظم والغير قانوني والذي سيؤدي لنهياتها جميعاً بعد تنفيذ الإصلاحات بمشيئة الله. أضف الى هذا الاتجاهين الشعبي والقيادي لإيصال حكومات منتخبة بالمستقبل، إرتايت وثلة من الزملاء المخلصين لأردننا الحبيب انشاء حزب سياسي يمثل القاعدة الشعبية، بعيداً عن أصحاب النفوذ والمُدعين بالرموز، ليؤسس لحياة حزبية حقيقية هدفها الوحيد خدمة الوطن، والتضحية بكل ما نملك ونستطيع للوصول لهذا الهدف. وقمنا بوضع غايات واهدف ورؤية وشعار ومبادىء لحزب المستقبل، واسميناه حزب العدالة والإصلاح وتقدمنا للداخلية للسماح لنا بالبدء بإجراءات تأسيس الحزب. كان الإتفاق بين المؤسسين من أجل الوصول للقاعدة وإقناعها بالحزب ما يلي:
1. عدم وجود أي مصلحة شخصية لأي واحد من المؤسسين والتحرر من الالقاب العسكرية والمدنية.
2. تمويل الحزب من مواردنا الشخصية.
3. عدم تحديد قيادة للحزب وحتى الحصول على الموافقة النهائية من الداخلية، وإنتخاب القيادة بشكل مباشر من قبل الهيئة العامة بالمؤتمر العام لإشهار الحزب.
ان الهدف الرئيسي لوضع الإتفاقات أعلاه، هو وضع النقاط على الحروف أمام الشعب الأردني بان الحزب وطني ولا يتبع لأحد، ولن يسير أو يوجه من قبل أي شخص أو مجموعة أشخاص، بل يسير ضمن النظام الداخلي الذي سيوضع له، ويوجه لخدمة الوطن والإبتعاد عن الغايات والاطماع الشخصية.
بعد اخذ الموافقة المبدئية نشطت وزملائي لإستقطاب أعضاء للحزب، وشكلنا لجان أولية مختلفة للعمل على إكمال التأسيس، ووضع النظام الداخلي. تبين لي لاحقاً ان العقبة الكبرى ما زالت موجوده امامنا، وهي التمويل، حيث لم يبدي الاخوة المؤسسين أي إيثار بتبرع سخي يغطي النفقات، ورغم محاولاتي المستمرة على حثهم لتقديم التمويل ومعظمهم لدية القدرة على هذا، والذي اصبح عامل إحباط كبير، ووضع أول إسفين امام تنفيذ ما نادينا له. خلال احد الإجتماعات الاسبوعية، وبعد ان طرحت من جديد افكار لتمويل الحزب من المؤسسين، قام أحد المؤسسين بإقتراح إيجاد ممول على ان يعين الممول لمدة عاميين كأمين عام للحزب مقابل التمويل. لم يلاقي الاقتراح أي ترحيب أو دعم من جميع الحضور. لقد عرفت الشخص المقصود بالممول الذي قصده الزميل، وهو أحد الأعضاء الاحقين والذي أكن له كل الاحترام والتقدير بشكل شخصي، لكني لم أرى جدوى من هذا الاقتراح، وتهربت منه لانه ينسف أهم الاتفاقات المنوه عنها بأعلاه. لسؤ الطالع جاءت المفاجأة بان مجموعة صغيرة من المؤسسين، من ضمنهم صاحب الإقتراح كانت تعقد إجتماعات كولسة منفردة وبعيداً عن معظم المؤسسين والأعضاء الاحقين، وارسلوا أحد الأعضاء ليجتمع مع الممول المقصود ببيته، لإعادة الطرح وأخذ الموافقة المبدائية، والتي وضحت لاحقاً بتعيين أمين عام ونائب له من نفس المجموعة رغم إحتجاجي ورفضي الشديدين السابق لإعلان التعيين. لقد أدى اعلان التعيين إمتعاض شديد لدى معظم المؤسسين واللأعضاء الاخرين، وبعد إحتجاجي العلني لجميع حضور حفل الإفطار برفضي للتعينات المخالف لإتفاقات الحزب المسبقه، حاولت نفس المجموعة طرح الغطاء الشرعي على التعيين وذلك بطلبهم لمتحدثهم بالقيام من جديد، وبعد ان أُعلن التعيين بحوالي نصف ساعة للطلب من الحضور ليصوتي على دعم التعيين المشترك للأمين العام ونائبه، مع العلم ان معظم الحضور ليسوا أعضاء بل مدعوون للإفطار من قبل الأمين العام المعين، محاولين بذلك إضفاء شرعيةً زائفة على التعيين. أضف الى هذا قول أحد المؤسسين بإجتماع محدود سبق اعلان التعيين، سنعينك رئيس لمكتب الكرك، مما اضطرني بالرد عليه بانه لا يعرف الحزبية وما تعنية الديمقراطية، وانه يظن انه ما زال بمعسكر يعين كما يشاء. وقد اعاد نفس الشخص وقبل إصدار التعيين بأنه سيعينني رئيس لمكتب عمان، ظاناً بأنه يسترضيني ناسياً ان الحزبية تعني الديمقراطية، والبعد عن الكولسة والتعينات. واستذكرهنا ما ورد بمقالة الأخ المؤسس المحامي الدكتور محمد العقاربة بعنوان الأحكام العرفية في حزب العدالة والإصلاح، إقتباس (وفي سكونٍ من الكولسات والوشوشات، وفي غياب عن النهج الديمقراطي والإصلاحي ومبادئ العدالة، قامت مجموعة من الضباط المتقاعدين بانقلاب عسكري على كوادر وأعضاء حزب العدالة والإصلاح، وأعلنت إراقة كافة مبادئ الحزب وأهدافة، واهراق أفكاره وتطلعاته وتعطيل القانون. وقد أعلن الحاكم العسكري العام للحزب تعيين الأمين العام للحزب ونائبه، ولدى السؤال عن مبادئ العدالة التي اشتق الحزب منها اسمه، فنَّد الحاكم العسكري ذلك بأنه تم تعيين الأمين العام مدني ونائبه عسكري، رغم وجود أمين عام مؤقت للحزب منتخب بطريقة الاقتراع المباشر.) نهاية الإقتباس. إضافة لما سبق تهديد نائب الأمين العام المعين، خلال إجتماع اللجنة الإعلامية والذي سبق حفل الإفطار بانه يجب تعيين الأثنيين وإلا. كما أعاد نفس التهديد، وبنفس الكلمات، الأخ صاحب التعينات، في قاعة حفل الإفطار وقبل إصدارهم للتعينات، ولهذا أود إيراد إقتباس اخر من مقال احد العضوات بالحزب بعنوان الخنساء الجديدة تكتب لفيلادلفيا" تجربتي في الحزب مع العسكر" نتاجها حزبية مروحه على دارها!!!، إقتباس (والذي لاحظته انه لا حضور لنا في الحزب فلا يجوز ان نناقش او نبدي راينا في حضرة "المتعبين الكبار"، فهناك قرارات تتخذ خلف الكواليس، وتعينات بقرارات فردية من بعض الاشخاص داخل الحزب دون ان نطلع عليها، او تتم استشارتنا بها على استحياء وما علينا الا ان نقر ونوافق. انهم يا وطني لا يحترمون ادميتنا ووطنيتنا لاننا "حريم" وهم متقاعدون كبار ونحن نرفض ان نكون المامورين الصغار وتغيبنا مرفوض. ايها المتعبون الكبار انتم خارج القابكم الكبيرة ربما لا تعلمون وتجهلون ما هي الاحزاب وسياساتها، وقد يحتاج البعض منكم تثقيف نفسه تلك الثقافة الحزبية الكثيرة وهذا ليس عيبا او انتقاص من رجولتكم، لاننا نخاف ان يصبح وما يجري مجراه وهنا في جسم هذا الوطن الطيب او مجرد بقالة مرخصة اذا وجدتم عنصر الحريم الصامت الذي ستتم بمقتضاه الموافقه.) نهاية الإقتباس.
مما سبق تبين لي أنه لا يوجد أي عدالة أو إصلاح، بحزب العدالة والإصلاح تحت إجراءات التحضير، حيث أُنتزع الاسم كلية منه وتمّ دفنه في غياهب النسيان. ولذا فأنني أُقر باننا لن نتمكن بالأردن الحبيب من الخروج من عنق الزجاجة، لمعرفة الحزبية وإنشاء حياة حزبية ديمقراطية، تخدم الوطن لعدم مقدرتنا على التضحية والبُعد عن الاطماع الشخصية. آملاً ان ياتي جيل جديد يستوعب هذا الفكر، وينهض بالأردن ليضعة ضمن مصاف الدول الديمقراطية، ويسير به الى الامام، ويبني وطن عزيز على كل فرد من أبناء شعبة، مستعد للتضحية الحقيقية من أجله، مؤثرين عزة ورفعة الوطن على كل مطمع آني وشخصي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات