رافائيل غروسي مفجر شرارة الحرب على ايران بالكذب والتضليل
مهدي مبارك عبدالله
من المؤكد ان تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) التابعة للأمم المتحدة الذي أشرف على تلفيقه مديرها العام ( رافايل غروسي ) بما تضمنه من انحياز فاضح وكذب واضح ونزاهة مخزية ومهنية معدمة منح فيها إسرائيل جائزة وفرصة ثمينة على طبق من ذهب لقصف الأراضي الإيرانية بذريعة عدم التزامها بتعهداتها النووية ووجود ترجيحات قوية حول إمكانية امتلاك طهران أسلحة نووية تشكل خطراً على أمن إسرائيل ومصالحها وقد تغير وجه المنطقة بالكامل في وقتٍ يجب أن تكون فيه الوكالة أكثر مصداقية وحياد وموضوعية في عملها لوأد أي شرارة حرب مفترضة في المنطقة
في اليوم الاول من شهر حزيران / يونيو الماضي قامت الوكالة الدولية بضغط مباشر من واشنطن وقبل استئناف المفاوضات النووية التي كان من المقرر عقدها مع الجانب الأميركي في عُمان بإصدار تقرير عاجل يحذّر من تزايد حجم اليورانيوم المخصب في حوزة النظام الإيراني وعدم تعاونه مع المفتشين الدوليين كما أشارت الوكالة الدولية أيضاً إلى أنّه يتعذّر عليها معرفة ما إذا كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً وحصرياً وفق بنود الاتفاق النوويّ الموقع عام 2015 وليس لديها معلومات دقيقة تفيد أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية ولن تفعل ذلك في الايام او السنوات المقبلة
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية غروسي الذي اتهم في تقريره إيران بعدم احترام تعهداتها لجهة كمية التخصيب النووي مشيراً إلى أنّه حلال الفترة الماضية تراكم لدى إيران 604 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% أي بزيادة 130 كلغ عن التقرير السابق للوكالة في شهر شباط / فبراير الماضي ولهذا بالإسراع في التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية بعد توقف الحرب لان مدعيا ان إيران نفذت في السابق مجموعة أنشطة نووية سرية بمواد لم تعلن عنها للوكالة كذلك للتأكد من مزاعم الرئيس ترامب والبنتاجون من انه فعلا تم تدمير منشآت فوردو ونظنز وأصفهان لقد ( تصرف بعدوانية بالغة ) وكأنه رسول إسرائيل وعميل الدولة الأمريكية العميقة التي تهدف الى كشف كذب ترامب في نتائج الضربة الامريكية تمهيدا لمحاكمته بتهمة خداع وتضليل الأمريكيين بشأن البرنامج النووي الإيراني لتوسيع هيمنة الإمبريالية الشريرة على العالم
إيران بدورها اكدت عدم صحة ومهنية وحيادية كل ما ورد في التقرير وأن كل نشاطات منشآتها لا زالت تحت مراقبة وكالة الطاقة الذرية وكافة عمليات الإنتاج التي تجري داخلها لا تتجاوز الحدود المتفق عليها دولياً وهو ما اثار الشكوك الدولية حول مهمة غروسي وامكانية تواطؤه وتستره على الحقائق واستناده الى مزاعم مفبركة لا أساس لها من الصحة قدمها للوكالة مسبقا كل من امريكا ودول الترويكا الأوروبية ( فرنسا ألمانيا إيطاليا ) وهو استغل الواقع لتنظيم التقرير كذريعة أخيرة تمكين اسرائيل عبر رواية ضالة من شن هجمات غير قانونية ضد منشآت إيران النووية السلمية والتي أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين والمدنيين الأبرياء
لفد كان اولى برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان يخرج على العالم في لقاء صحفي متلفز جريء وصادق يعترف فيه بشكل واضخ وصريح بان الهجمات الاسرائيلية والامريكية على المنشآت النووية كانت انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاته ذات الصلة وللنظام الأساسي للوكالة ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاق الضمانات الشاملة بين إيران والوكالة وكذلك قرارات مجلس المحافظين والمؤتمر العام للوكالة ومعايير السلامة الخاصة بالوكالة وكان عليه ايضا إدانة هذا العدوان المخالف للأنظمة الدولية ومطالبته اسرائيل بالالتزام بالواجبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للوكالة واحترام سيادة الدول الاخرى
قبل يومين من العدوان الأميركي على إيران على خلفية تقرير غروسي ومع تعاظم الإثباتات الدولية التي تبطل زيف مزاعمه بدأ المدير العام للوكالة بتبديل نبرته خلال تصريحاته الصحفية حيث ألمح إلى أن إيران لم يكن لديها اي سلاح نووي عند إعلان التقرير ولكنها كانت تحوز على العناصر الاساسية التي تمكنها من امتلاكه في المستقبل كما حذّر وقتها من تكرار سيناريو العراق في إيران وطالب عدم الانزلاق إلى تقديرات زمنية غير دقيقة بشأن المدة التي قد تحتاجها إيران لتطوير سلاح نووي
اندفاع وحماسة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إصدار تقريره المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وصمته إزاء العدوان الاسرائيلي حصل نتيجة ضغوط واشنطن على دول عديدة أعضاء في الوكالة ومطالبتها بالتشدد في مواقفها من إيران حيث تجاوب الأرجنتيني غروسي الطامح لمنصب ( الأمين العام للأمم المتحدة ) بعد انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريس في 31 كانون الأول 2026 خصوصا وان الأمين العام القادم سيكون من حصة أميركا اللاتينيّة
تصريحات غروسي اعتبرت خيانة للأمانة وتحريف للحقيقة أعادت إلى الأذهان ما جرى في العراق عام 2003 حين روجت كل من امريكا وبريطانيا لمزاعم بأن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل خطيرة ما شكل حينها ذريعة دولية مقبولة لغزو البلاد خاصة بعدما زعم رئيس الوزراء البريطاني اللعوب توني بلير أن لدى العراق خطط عسكرية جاهزة لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية يمكن تفعيلها خلال 45 دقيقة وأنه يسعى للحصول على أسلحة نووية بأسرع وقت
المفارقة الكبرى انه تبين لاحقاً انها مجرد اكاذيب ومزاعم خاطئة ومفبركة وفقاً لتقارير رسمية وتحقيقات مستقلة أبرزها تحقيق هوتون ولجنة تشيلكوت ومن بين الوثائق المزيفة التي استند إليها الوكالة في تلك المرحلة رسالة مزعومة من وزير خارجية نيجيريا تتحدث عن صفقة يورانيوم مبرمة مع العراق رغم أن الوزير المذكور كان قد غادر منصبه قبل 11 عام من تاريخ الوثيقة وبحسب تقارير لاحقة لم تجد مجموعة مسح العراق ( ISG ) وهي فريق تحقيق تقني أرسلته واشنطن ولندن بعد الغزو أي دليل على وجود برنامج نشِط لأسلحة الدمار الشامل رغم تأكيدات إدارة بوش وحكومة بلير المتكررة على ذلك
اعتراف غروسي المشار اليه انفا بعدم وجود أسلحة استراتيجية لدى إيران جاء متأخراً جداً وبعد ( خراب مالطا ) كما يقولون لأن الحقيقة التي أخفاها عند الحاجة اليها واعترف بها لاحقاً كانت المبرر والسبب المباشر والوحيد في قرار مجلس المحافظين المعادي لإيران بتمكين اسرائيل من العدوان المباشر على المنشآت النووية والمدنيين الإيرانيين وهو ما يؤكد بالوثائق عمل غروسي المنحرف والموجه لمصلحة إسرائيل وبما يخالف مسؤولياته المهنية ومصداقيته العملية وينتهك احكام الضمانات الأساسية للوكالة وميثاقها العام
الأدلة والبراهين الشفافة التي تدل على تورط غروسي سياسياً مع إسرائيل وتطويع منصبه لتلبية رغباتها في المنطقة عديدة وهذا ما أثبتته الدفعة الأولى من الوثائق السرية التي حصلت عليها وزارة الأمن الإيرانية في إطار عملية استخبارية دقيقة جرت داخل الأراضي المحتلة في وقت سابق والتي أظهرت بأن غروسي لم يكتفِ بالتنسيق مع ممثلي إسرائيل داخل الوكالة بل تبنى إملاءاتهم ونقل وثائق ومعلومات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني الى إسرائيل وحرص على توجيه تقارير الوكالة الدولية بما يخدم أهدافها مع تجاهله الكامل لانشطتها النووية غير السلمية وغير المُعلنة وهو ما جعل البرلمان الايراني يصوت على وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن يتم ضمان سلامة وأمن أنشطة طهران النووية السلمية وملاحقة مديرها رافائيل غروسي بتهمة التجسس ومنعه وفريقه التقني من دخول ايران وقد ترددت مؤخرا اخبار بان تل ابيب خصصت أربعة مبان لغروسي واعوانه لمراقبة أنشطة إيران وساعدته في تشكيل ذرائع لحملات سياسية ضد طهران لا تستند إلى اية أدلة او اثباتات عملية ذات مصداقية حقيقية
في ذات السياق تضمنت الوثائق السرية المسربة معلومات مفصلة عن ( ميراف زافاري أوديز ) التي شغلت منصب المندوبة الرسمية لإسرائيل لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين عامي 2014 و2016 والتي كانت تعبر علناً عن مواقف إسرائيل خلال الاجتماعات الرسمية للوكالة ومجلس محافظيها بحضور وعلى مسمع غروسي عن انتقاداتها الشديدة للسماج لإيران بالتعاون مع الوكالة كما وجهت مرارا اتهامات إلى الإدارة السابقة للوكالة بقيادة ( يوكيا أمانو ) لوجود معلومات خاطئة لديها عن البرنامج النووي الإيراني كما عثر ضمن الوثائق على رسائل بريد إلكتروني كشفت عن مهمة خاصة كانت تضطلع بها زافاري أوديز لتعميق التنسيق المباشر مع غروسي بهدف التأثير على موقف الوكالة بعدم الحديث عن الأنشطة النووية غير السلمية وغير المعلنة التي تقوم بها اسرائيل وتركيز التصريحات على البرنامج النووي الإيراني غير السلمي وبيان مدى خطورته غلى المنطقة
الكثيرين يعتقدون بان لحظة تعيين غروسي مديرا عام للوكالة الدولية مثّلت نقطة تحول خطيرة وخبيثة في مسيرة الوكالة فيظل وجود شبهات سابقة تحيط به حيث بدأ تعاونه مع الكيان منذ عام 2016 وقام بتنسيق التقارير ضد الأنشطة النووية السلمية لإيران لإثارة الأجواء ضد إيران وأن هذا التعاون الممنهج بين غروسي وإسرائيل جاء في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض أي اعتراف دولي بالطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني وتحويل الوكالة إلى أداة سياسية منحازة بالباطن والظاهر لإسرائيل رغم انه وبحسب ميثاقها العام يتوجب عليها عدم التعامل المتحيز وتجنب السياسات الازدواجية التي تسببت في العديد من الأزمات لأمن المنطقة والعالم وقد كان من المعيب ان تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية شريكً في هذه الحرب العدوانية الظالمة على ايران بناء على مزاعم اسرائيل التي هي اصلا ليست عضوا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفي هذا الشأن رد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على انحياز الوكالة وخضوعها للتأثير والتوجيهات الغربية والامريكية ومناصبة عدائها لإيران حيث قال بغضب شديد سنواصل طريقنا الخاص وسيكون لدينا تخصيب
خلال بازار الشعارات الاستهلاكية وسياسات التضليل أكدت الأمم المتحدة من عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضرورة عدم مهاجمة المنشآت النووية وتحييدها عن الصراعات نظراً للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على ذلك والتي تنعكس على المدنيين والبيئة عامةً وعلى الرغم من هذه التحذيرات والقرارات الاعلامية الجوفاء تعرضت المنشآت النووية لهجمات عسكرية مدمرة على مدى اثني عشر يوم متواصلة والحقيقة الراسخة ان تقارير الأمم المتحدة ووكالتها للطاقة الذرية كانت تقف خلف تبرير الهجمات الاسرائيلية والامريكية كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا زالت حتى اليوم تختلق ذات الذرائع عبر ما تسميه رصد أنشطة غير سلمية ذريعة للصراعات الكبرى في العالم تأ فاذا ( كنت صديق لأمريكا واسرائيل فيمكنك صنع أسلحة نووية سراً من دون أي عقاب او مسائلة اما إذا كنت خصمًا لهما سيعتبر حتى الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية كجريمة في نظرهم )
لقد ظهر بوقاحة بارعة ان متزعمي حقوق الإنسان والقوانين الدولية قدموا سرا وعلانية كل المبررات والتسهيلات للعدوان الإسرائيلي الأميركي غير القانوني على ايران بدلاً من إدانته والوقوف في وجهه سيما وان واشنطن وتل أبيب تهدفان من تحريك الملفات ضد إيران بوتيرة متتالية تأليب دول العالم عليها
اليوم نرى بوضوح التركيز المتواصل على البرنامج النووي وغداً على البرنامج الصاروخي وبعد غد على برنامج الأسلحة البيولوجية والجرثومية وبعده على دور ونفوذ طهران في المنطقة وبعد بعده على حقوق الإنسان ودعم الحركات الانفصالية لتقسيم البلاد وإسقاط النظام من اجل شرعنة احتكار اسرائيل للتسلح النووي واستمرار تهديدها لأقطار وشعوب العالمين العربي والإسلامي فعلى مدى العقود الماضية لم تصدر الوكالة أي قرار بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي بعكس إيران ولا تزال منشآتها النووية مثل مفاعل ديمونا خارج نطاق ضمانات الوكالة وإشرافها بالكامل رغم وجود عدة بلاغات موثوقة بهذا الشأن ( مثل إفصاحات مردخاي فعنونو عن برنامج إسرائيل للتسلح النووي في ثمانينيات القرن الماضي) الا ان الوكالة حتى الساعة لم تُجرِ ا أي تحقيق رسمي مع إسرائيل
يمكننا القول هنا للسيد غروسي ان نظام حظر الانتشار النووي الذي ترعاه وكالتكم الدولية هو ( أبارتهايد نووي ) عنصري لا يحرس الأمن والسلم العالميين حين يعاقب ايران موقّعة وتلتزم بعمليات التفتيش بصرامة ويترك اسرائيل غير موقّعة وتُصنّع أسلحة نووية سرًا ففي ظل هذه الازدواجية الصارخة في المعايير تُقوّض شرعية نظام منع الانتشار بأكمله وإن معاملة ايران بهذا الاسلوب ليست تطبيقًا محايدًا للقانون الدولي بل هي حرف قانوني لبوصلة عمل المؤسسات الدولية وتحويلها الى ادوات مشبوهة تخدم مصالح اسرائيل والغرب الاستراتيجية ومشروعها الإمبريالي
ختاما العدوان الإسرائيلي الأميركي على المنشآت النوويّة في الوقت الذي التزمت فيه طهران بطاولة الحوار والمفاوضات وامتثلت لالتزاماتها النووية سيبقى انتهك فاضح للقانون الدولي وتواطؤ مشين للوكالة الدولية التي كشفت مع تقرير غروسي زيف الغرب المنافق الذي يبدي حرصه الشديد على السلام والأمن الدوليين كما يكشف ايضا حقيقة المتخاذلين في العالمين العربي والإسلامي وصمتهم المريب إزاء العدوان على دولة اسلامية
على العالم ان يدرك جيدا ان المؤامرات العميقة والاستهداف المتواصل والعدوان الاجرامي لن يمنع إيران من امتلاك برنامج نووي سلمي كامل ولن يجعلها ترضخ لبلطجة اسرائيل وواشنطن وازدواجية معايير غروسي ووكالته الدولية البائسة مهما كلف الأمر فمن حق ايران السيادي والطبيعي انجاز برنامجها النووي السلمي وحصولها على كامل حقوقها التي كفلتها لها قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذاتها وان تكرار العدوان الإسرائيلي الأميركي لن يستطيع القضاء على البرنامج النووي الإيراني ولا على مصانع الصواريخ ولا على إسقاط النظام مهما بلغت شراسته وقسوته وأن إيران تحتفظ بحقها الكامل في اتخاذ أي إجراءات ضرورية للدفاع عن مصالحها وشعبها وسيادتها في كل وقت ومرحلة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
mahdimubarak@gmail.com
مهدي مبارك عبدالله
من المؤكد ان تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) التابعة للأمم المتحدة الذي أشرف على تلفيقه مديرها العام ( رافايل غروسي ) بما تضمنه من انحياز فاضح وكذب واضح ونزاهة مخزية ومهنية معدمة منح فيها إسرائيل جائزة وفرصة ثمينة على طبق من ذهب لقصف الأراضي الإيرانية بذريعة عدم التزامها بتعهداتها النووية ووجود ترجيحات قوية حول إمكانية امتلاك طهران أسلحة نووية تشكل خطراً على أمن إسرائيل ومصالحها وقد تغير وجه المنطقة بالكامل في وقتٍ يجب أن تكون فيه الوكالة أكثر مصداقية وحياد وموضوعية في عملها لوأد أي شرارة حرب مفترضة في المنطقة
في اليوم الاول من شهر حزيران / يونيو الماضي قامت الوكالة الدولية بضغط مباشر من واشنطن وقبل استئناف المفاوضات النووية التي كان من المقرر عقدها مع الجانب الأميركي في عُمان بإصدار تقرير عاجل يحذّر من تزايد حجم اليورانيوم المخصب في حوزة النظام الإيراني وعدم تعاونه مع المفتشين الدوليين كما أشارت الوكالة الدولية أيضاً إلى أنّه يتعذّر عليها معرفة ما إذا كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً وحصرياً وفق بنود الاتفاق النوويّ الموقع عام 2015 وليس لديها معلومات دقيقة تفيد أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية ولن تفعل ذلك في الايام او السنوات المقبلة
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية غروسي الذي اتهم في تقريره إيران بعدم احترام تعهداتها لجهة كمية التخصيب النووي مشيراً إلى أنّه حلال الفترة الماضية تراكم لدى إيران 604 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% أي بزيادة 130 كلغ عن التقرير السابق للوكالة في شهر شباط / فبراير الماضي ولهذا بالإسراع في التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية بعد توقف الحرب لان مدعيا ان إيران نفذت في السابق مجموعة أنشطة نووية سرية بمواد لم تعلن عنها للوكالة كذلك للتأكد من مزاعم الرئيس ترامب والبنتاجون من انه فعلا تم تدمير منشآت فوردو ونظنز وأصفهان لقد ( تصرف بعدوانية بالغة ) وكأنه رسول إسرائيل وعميل الدولة الأمريكية العميقة التي تهدف الى كشف كذب ترامب في نتائج الضربة الامريكية تمهيدا لمحاكمته بتهمة خداع وتضليل الأمريكيين بشأن البرنامج النووي الإيراني لتوسيع هيمنة الإمبريالية الشريرة على العالم
إيران بدورها اكدت عدم صحة ومهنية وحيادية كل ما ورد في التقرير وأن كل نشاطات منشآتها لا زالت تحت مراقبة وكالة الطاقة الذرية وكافة عمليات الإنتاج التي تجري داخلها لا تتجاوز الحدود المتفق عليها دولياً وهو ما اثار الشكوك الدولية حول مهمة غروسي وامكانية تواطؤه وتستره على الحقائق واستناده الى مزاعم مفبركة لا أساس لها من الصحة قدمها للوكالة مسبقا كل من امريكا ودول الترويكا الأوروبية ( فرنسا ألمانيا إيطاليا ) وهو استغل الواقع لتنظيم التقرير كذريعة أخيرة تمكين اسرائيل عبر رواية ضالة من شن هجمات غير قانونية ضد منشآت إيران النووية السلمية والتي أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين والمدنيين الأبرياء
لفد كان اولى برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان يخرج على العالم في لقاء صحفي متلفز جريء وصادق يعترف فيه بشكل واضخ وصريح بان الهجمات الاسرائيلية والامريكية على المنشآت النووية كانت انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاته ذات الصلة وللنظام الأساسي للوكالة ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاق الضمانات الشاملة بين إيران والوكالة وكذلك قرارات مجلس المحافظين والمؤتمر العام للوكالة ومعايير السلامة الخاصة بالوكالة وكان عليه ايضا إدانة هذا العدوان المخالف للأنظمة الدولية ومطالبته اسرائيل بالالتزام بالواجبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للوكالة واحترام سيادة الدول الاخرى
قبل يومين من العدوان الأميركي على إيران على خلفية تقرير غروسي ومع تعاظم الإثباتات الدولية التي تبطل زيف مزاعمه بدأ المدير العام للوكالة بتبديل نبرته خلال تصريحاته الصحفية حيث ألمح إلى أن إيران لم يكن لديها اي سلاح نووي عند إعلان التقرير ولكنها كانت تحوز على العناصر الاساسية التي تمكنها من امتلاكه في المستقبل كما حذّر وقتها من تكرار سيناريو العراق في إيران وطالب عدم الانزلاق إلى تقديرات زمنية غير دقيقة بشأن المدة التي قد تحتاجها إيران لتطوير سلاح نووي
اندفاع وحماسة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إصدار تقريره المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وصمته إزاء العدوان الاسرائيلي حصل نتيجة ضغوط واشنطن على دول عديدة أعضاء في الوكالة ومطالبتها بالتشدد في مواقفها من إيران حيث تجاوب الأرجنتيني غروسي الطامح لمنصب ( الأمين العام للأمم المتحدة ) بعد انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريس في 31 كانون الأول 2026 خصوصا وان الأمين العام القادم سيكون من حصة أميركا اللاتينيّة
تصريحات غروسي اعتبرت خيانة للأمانة وتحريف للحقيقة أعادت إلى الأذهان ما جرى في العراق عام 2003 حين روجت كل من امريكا وبريطانيا لمزاعم بأن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل خطيرة ما شكل حينها ذريعة دولية مقبولة لغزو البلاد خاصة بعدما زعم رئيس الوزراء البريطاني اللعوب توني بلير أن لدى العراق خطط عسكرية جاهزة لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية يمكن تفعيلها خلال 45 دقيقة وأنه يسعى للحصول على أسلحة نووية بأسرع وقت
المفارقة الكبرى انه تبين لاحقاً انها مجرد اكاذيب ومزاعم خاطئة ومفبركة وفقاً لتقارير رسمية وتحقيقات مستقلة أبرزها تحقيق هوتون ولجنة تشيلكوت ومن بين الوثائق المزيفة التي استند إليها الوكالة في تلك المرحلة رسالة مزعومة من وزير خارجية نيجيريا تتحدث عن صفقة يورانيوم مبرمة مع العراق رغم أن الوزير المذكور كان قد غادر منصبه قبل 11 عام من تاريخ الوثيقة وبحسب تقارير لاحقة لم تجد مجموعة مسح العراق ( ISG ) وهي فريق تحقيق تقني أرسلته واشنطن ولندن بعد الغزو أي دليل على وجود برنامج نشِط لأسلحة الدمار الشامل رغم تأكيدات إدارة بوش وحكومة بلير المتكررة على ذلك
اعتراف غروسي المشار اليه انفا بعدم وجود أسلحة استراتيجية لدى إيران جاء متأخراً جداً وبعد ( خراب مالطا ) كما يقولون لأن الحقيقة التي أخفاها عند الحاجة اليها واعترف بها لاحقاً كانت المبرر والسبب المباشر والوحيد في قرار مجلس المحافظين المعادي لإيران بتمكين اسرائيل من العدوان المباشر على المنشآت النووية والمدنيين الإيرانيين وهو ما يؤكد بالوثائق عمل غروسي المنحرف والموجه لمصلحة إسرائيل وبما يخالف مسؤولياته المهنية ومصداقيته العملية وينتهك احكام الضمانات الأساسية للوكالة وميثاقها العام
الأدلة والبراهين الشفافة التي تدل على تورط غروسي سياسياً مع إسرائيل وتطويع منصبه لتلبية رغباتها في المنطقة عديدة وهذا ما أثبتته الدفعة الأولى من الوثائق السرية التي حصلت عليها وزارة الأمن الإيرانية في إطار عملية استخبارية دقيقة جرت داخل الأراضي المحتلة في وقت سابق والتي أظهرت بأن غروسي لم يكتفِ بالتنسيق مع ممثلي إسرائيل داخل الوكالة بل تبنى إملاءاتهم ونقل وثائق ومعلومات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني الى إسرائيل وحرص على توجيه تقارير الوكالة الدولية بما يخدم أهدافها مع تجاهله الكامل لانشطتها النووية غير السلمية وغير المُعلنة وهو ما جعل البرلمان الايراني يصوت على وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن يتم ضمان سلامة وأمن أنشطة طهران النووية السلمية وملاحقة مديرها رافائيل غروسي بتهمة التجسس ومنعه وفريقه التقني من دخول ايران وقد ترددت مؤخرا اخبار بان تل ابيب خصصت أربعة مبان لغروسي واعوانه لمراقبة أنشطة إيران وساعدته في تشكيل ذرائع لحملات سياسية ضد طهران لا تستند إلى اية أدلة او اثباتات عملية ذات مصداقية حقيقية
في ذات السياق تضمنت الوثائق السرية المسربة معلومات مفصلة عن ( ميراف زافاري أوديز ) التي شغلت منصب المندوبة الرسمية لإسرائيل لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين عامي 2014 و2016 والتي كانت تعبر علناً عن مواقف إسرائيل خلال الاجتماعات الرسمية للوكالة ومجلس محافظيها بحضور وعلى مسمع غروسي عن انتقاداتها الشديدة للسماج لإيران بالتعاون مع الوكالة كما وجهت مرارا اتهامات إلى الإدارة السابقة للوكالة بقيادة ( يوكيا أمانو ) لوجود معلومات خاطئة لديها عن البرنامج النووي الإيراني كما عثر ضمن الوثائق على رسائل بريد إلكتروني كشفت عن مهمة خاصة كانت تضطلع بها زافاري أوديز لتعميق التنسيق المباشر مع غروسي بهدف التأثير على موقف الوكالة بعدم الحديث عن الأنشطة النووية غير السلمية وغير المعلنة التي تقوم بها اسرائيل وتركيز التصريحات على البرنامج النووي الإيراني غير السلمي وبيان مدى خطورته غلى المنطقة
الكثيرين يعتقدون بان لحظة تعيين غروسي مديرا عام للوكالة الدولية مثّلت نقطة تحول خطيرة وخبيثة في مسيرة الوكالة فيظل وجود شبهات سابقة تحيط به حيث بدأ تعاونه مع الكيان منذ عام 2016 وقام بتنسيق التقارير ضد الأنشطة النووية السلمية لإيران لإثارة الأجواء ضد إيران وأن هذا التعاون الممنهج بين غروسي وإسرائيل جاء في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض أي اعتراف دولي بالطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني وتحويل الوكالة إلى أداة سياسية منحازة بالباطن والظاهر لإسرائيل رغم انه وبحسب ميثاقها العام يتوجب عليها عدم التعامل المتحيز وتجنب السياسات الازدواجية التي تسببت في العديد من الأزمات لأمن المنطقة والعالم وقد كان من المعيب ان تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية شريكً في هذه الحرب العدوانية الظالمة على ايران بناء على مزاعم اسرائيل التي هي اصلا ليست عضوا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفي هذا الشأن رد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على انحياز الوكالة وخضوعها للتأثير والتوجيهات الغربية والامريكية ومناصبة عدائها لإيران حيث قال بغضب شديد سنواصل طريقنا الخاص وسيكون لدينا تخصيب
خلال بازار الشعارات الاستهلاكية وسياسات التضليل أكدت الأمم المتحدة من عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضرورة عدم مهاجمة المنشآت النووية وتحييدها عن الصراعات نظراً للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على ذلك والتي تنعكس على المدنيين والبيئة عامةً وعلى الرغم من هذه التحذيرات والقرارات الاعلامية الجوفاء تعرضت المنشآت النووية لهجمات عسكرية مدمرة على مدى اثني عشر يوم متواصلة والحقيقة الراسخة ان تقارير الأمم المتحدة ووكالتها للطاقة الذرية كانت تقف خلف تبرير الهجمات الاسرائيلية والامريكية كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا زالت حتى اليوم تختلق ذات الذرائع عبر ما تسميه رصد أنشطة غير سلمية ذريعة للصراعات الكبرى في العالم تأ فاذا ( كنت صديق لأمريكا واسرائيل فيمكنك صنع أسلحة نووية سراً من دون أي عقاب او مسائلة اما إذا كنت خصمًا لهما سيعتبر حتى الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية كجريمة في نظرهم )
لقد ظهر بوقاحة بارعة ان متزعمي حقوق الإنسان والقوانين الدولية قدموا سرا وعلانية كل المبررات والتسهيلات للعدوان الإسرائيلي الأميركي غير القانوني على ايران بدلاً من إدانته والوقوف في وجهه سيما وان واشنطن وتل أبيب تهدفان من تحريك الملفات ضد إيران بوتيرة متتالية تأليب دول العالم عليها
اليوم نرى بوضوح التركيز المتواصل على البرنامج النووي وغداً على البرنامج الصاروخي وبعد غد على برنامج الأسلحة البيولوجية والجرثومية وبعده على دور ونفوذ طهران في المنطقة وبعد بعده على حقوق الإنسان ودعم الحركات الانفصالية لتقسيم البلاد وإسقاط النظام من اجل شرعنة احتكار اسرائيل للتسلح النووي واستمرار تهديدها لأقطار وشعوب العالمين العربي والإسلامي فعلى مدى العقود الماضية لم تصدر الوكالة أي قرار بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي بعكس إيران ولا تزال منشآتها النووية مثل مفاعل ديمونا خارج نطاق ضمانات الوكالة وإشرافها بالكامل رغم وجود عدة بلاغات موثوقة بهذا الشأن ( مثل إفصاحات مردخاي فعنونو عن برنامج إسرائيل للتسلح النووي في ثمانينيات القرن الماضي) الا ان الوكالة حتى الساعة لم تُجرِ ا أي تحقيق رسمي مع إسرائيل
يمكننا القول هنا للسيد غروسي ان نظام حظر الانتشار النووي الذي ترعاه وكالتكم الدولية هو ( أبارتهايد نووي ) عنصري لا يحرس الأمن والسلم العالميين حين يعاقب ايران موقّعة وتلتزم بعمليات التفتيش بصرامة ويترك اسرائيل غير موقّعة وتُصنّع أسلحة نووية سرًا ففي ظل هذه الازدواجية الصارخة في المعايير تُقوّض شرعية نظام منع الانتشار بأكمله وإن معاملة ايران بهذا الاسلوب ليست تطبيقًا محايدًا للقانون الدولي بل هي حرف قانوني لبوصلة عمل المؤسسات الدولية وتحويلها الى ادوات مشبوهة تخدم مصالح اسرائيل والغرب الاستراتيجية ومشروعها الإمبريالي
ختاما العدوان الإسرائيلي الأميركي على المنشآت النوويّة في الوقت الذي التزمت فيه طهران بطاولة الحوار والمفاوضات وامتثلت لالتزاماتها النووية سيبقى انتهك فاضح للقانون الدولي وتواطؤ مشين للوكالة الدولية التي كشفت مع تقرير غروسي زيف الغرب المنافق الذي يبدي حرصه الشديد على السلام والأمن الدوليين كما يكشف ايضا حقيقة المتخاذلين في العالمين العربي والإسلامي وصمتهم المريب إزاء العدوان على دولة اسلامية
على العالم ان يدرك جيدا ان المؤامرات العميقة والاستهداف المتواصل والعدوان الاجرامي لن يمنع إيران من امتلاك برنامج نووي سلمي كامل ولن يجعلها ترضخ لبلطجة اسرائيل وواشنطن وازدواجية معايير غروسي ووكالته الدولية البائسة مهما كلف الأمر فمن حق ايران السيادي والطبيعي انجاز برنامجها النووي السلمي وحصولها على كامل حقوقها التي كفلتها لها قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذاتها وان تكرار العدوان الإسرائيلي الأميركي لن يستطيع القضاء على البرنامج النووي الإيراني ولا على مصانع الصواريخ ولا على إسقاط النظام مهما بلغت شراسته وقسوته وأن إيران تحتفظ بحقها الكامل في اتخاذ أي إجراءات ضرورية للدفاع عن مصالحها وشعبها وسيادتها في كل وقت ومرحلة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
mahdimubarak@gmail.com
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |