لا مفر من الوحدة الفلسطينية



إذا لم تؤد مأساة غزة المستمرة إلى حد الآن إلى عودة اللحمة بين الفصائل الفلسطينية المتنافرة فسنكون وقتها، لا سمح الله، قد قتلنا شهداء الهمجية الإسرائيلية مرتين...فماذا عسى يكون أقدس من دم كل هؤلاء الضحايا لتذكير كل الفلسطينيين أنهم في مركب واحد، لا فرق بين الموصوفين منهم بالاعتدال أو التطرف؟!!

في الأيام الماضية اختفت تقريبا لهجة التصعيد وتبادل الاتهامات بين قيادات "فتح" و"حماس" التي برزت للأسف في الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة.الآن لم نعد نسمع من كلا الجانبين، ومن أبرز القادة وأساسا من محمود عباس وخالد مشعل، سوى الدعوة إلى الوحدة والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد مهما تعددت مشاربهم واجتهاداتهم، ولعل ذلك هو أبسط استجابة ممكنة حاليا لنداءات مئات الآلاف ممن خرجوا في شوارع البلاد العربية والعالم منددين بالحرب على غزة، ذلك أن استمرار أي ردح بين الفريقين مع استمرار شلال الدم كان سيكون أقسى من أي قنابل أو قصف إسرائيلي.

قد تكون مأسوية الظرف هي التي أملت هذه "التهدئة" في التصريحات ولكن لا بأس في كل الأحوال فستتحول هذه التهدئة بفعل مرارة ما يجري إلى هدنة ومنها إلى مصالحة حقيقية تقوم على أرضية واضحة وصلبة خاصة وأن ما يسندها من وثائق وتفاهمات موجودة أصلا مثل الوثيقة التي صاغها المعتقلون في سجون الاحتلال أو وثيقة مكة أو غيرهما. وحتى في غيابها لا شيء يبدو صعبا أو مستحيلا إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الجانبين وخلصت النوايا خاصة مع التصريحات المطمئنة من الرئيس محمود عباس غيره من أن السلطة الوطنية و"فتح" لا يمكن أن تستلم مسؤولية قطاع غزة من الإسرائيليين أو أن يعود من غادروه على ظهر الدبابات المعادية كما خشي البعض من مثل هذا السيناريو المرعب.

عودة التلاحم بين السلطة الفلسطينية و"حماس" والخروج بتفاهمات توحيدية جديدة سيكونان لمصلحة الطرفين بلا شك، فالسلطة ستستعيد صفة تمثيل كل الفلسطينيين لا فريقا منهم فقط بما يجعلها قادرة على الحديث مع كل الأطراف العربية والدولية من منطلق أصلب وأقوى، كما أن "حماس" باستعادة موقعها في السلطة ومؤسساتها كحزب نال الشرعية عبر صناديق الاقتراع وليس عبر غيره من الوسائل ستكون في وضع أفضل يحول دون استفراد أي كان بها أو تحميلها ظلما مسؤولية أي تصرف إسرائيلي أرعن.

المصالحة ستقوي الطرفين لا سيما وأن لا مصلحة، ولا قدرة في الحقيقة، لأي منهما في شطب الآخر بل لعل كل واحد منهما قادر على أن يكمل ثغرة الآخر، ثم إن مثل هذه المصالحة باتت اليوم أكثر إلحاحا في ضوء تكالب الجميع على الفلسطينيين وتحميل الانقسام الفلسطيني وزر أي تقصير أو تآمر وكأن الصورة كانت أفضل عندما لم تكن الساحة الفلسطينية على ما هي عليه اليوم. وحتى لو لم تؤد المصالحة الفلسطينية إلى تغيير كبير في تعاطي "المجتمع الدولي" وأساسا الولايات المتحدة مع القضية وحق الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه الدنيا، أقله وفق الشرعية الدولية، فعلى الأقل ستجعل الجميع يتعامل، عن طيب خاطر أو مكرهين، مع شريك فلسطيني احترم تعددية أبنائه وخيارهم الديمقراطي الحر مع إمكانية مزاوجة متميزة ربما بين النضال السلمي الديبلوماسي وخيار المقاومة المشروعة مما قد يتيح وقتها تسوية أكثر عدلا وإنصافا، وفي أضعف الاحتمالات بقاء الشعب الفلسطيني موحدا صابرا إلى أن تبرز معطيات جديدة ربما تستحق أن يختلف الفلسطينيون حولها.أما اليوم فلا شيء من ذلك أصلا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات