أي إصلاح بمعزل عن الأصول والأعراف
في لقاء مع جلالة المغفور له الملك الحسين في نهاية السبعينيات وفق تقليد متكرر باستقبال جلالته لنقيب ومجلس نقابة الصحفيين، وقد تلوت في مستهل ذلك اللقاء وأمام جلالته قوله تعالى: \"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الْجَاهِلِين\". وكانت هذه الآية فاتحة الحديث يومها الذي ذكرت فيه لجلالته ان الله تعالى لم يقل في هذه الآية \"اعفو\" وانما قال: \"خذ العفو\" وذلك اعجاز مقصود في تمييز صفة العفو حيث العفو هو من صفات الله ولا يقدر عليه إلا الله أو من يهبهم الله قدرة الحلم، عبر هذه الصفة وفي هذه الآية الكريمة هنالك ايضا توجيه إلهي بالأمر بالعرف واتباع سننه ومن تراكم في حياة المجتمعات من قواعد وضوابط وقيم وعادات باتت أعرافاً وجزءاً من ضمير الناس.
قلت يومها لجلالته ان الله حباك بأخذ خاصيّة العفو وبدون زلفى ولا حتى مجاملة، فهنالك اجماع أنك كنت تعفو عن كل من اساء أو اخطأ بحقك أو حاول الانقلاب عليك أو قتلك أو غير تلك، وانا يا سيدي لا أمهد بقولي هذا مع صبرك وعفوك لما سأقوله عن ذلك.. الحكومة آنذاك التي تمارس فساداً منظماً مبرمجاً و.. و.. الخ. وانا اقول لك هذا كمواطن وليس كنقيب للصحفيين، لأن هذا فعلا ما تقوله غالبية الناس .
وبنفس اهمية الاخذ العفو هنالك دعوته تعالى لنا للامر بالعرف، وقلت لجلالته: لعلك يا سيدي اكثر من أحاط بالنموذج الاردني في الحكم والتجربة الاردنية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما سميته جلالتك \"الاسرة الاردنية\". فالجزء الاساسي من نموذجية الحكم الاردني ونجاحات التجربة الاردنية كان يرتكز على العرف وما يتصل به من الاصول والتقاليد والمفاهيم والقيم والاصالة، وكل ذلك كان يتفاعل في اطار وكيان سياسي وطني هو نواة الحكم بالكيان الوحدوي العربي.
والمهم ان يظل يا سيدي تطور مشروع بناء الدولة في اطاره السياسي القائم على العرف والتقاليد وما ذكرنا وان لا نسمح بتحول مشروع الدولة الى اجهزة او سلطة امنية يسعى البعض لتكريسها.. ابتداء من تلك الايام.
الكلام بالتأكيد مفهوم للجميع والتحولات السلبية التي ادت الى تآكل الاعراف والاصول والتقاليد والمفاهيم والقيم والخصائص الاردنية هي التي يفترض ان ننتبه لها، واستذكر هذا الكلام اليوم وأذكر به على ضوء النقاشات الحادة الواسعة والجدل الصاخب حول تعديل الدستور والكلام الانساني للجان الاصلاح السياسي والاقتصادي والاعلامي وغيرها، ما يمكن ملاحظته عدم الدقة وبؤس الصياغة في التعديلات الدستورية والتي افترض \"انه مقدور عليها\" ومثلا لم افهم الضجة حول المحكمة الدستورية التي يفترض ان لا يكون مكانها في الدستور وان تصدر في قانون يحدد آلياتها.. الا انه يمكن ان يكون هناك نص دستور محدد ينص على انشاء محكمة دستورية وترك مواصفاتها وآليات عملها لتصدر في قانون.
اما ما دفعني لكتابة هذا المقال وما يعنيني ايضاحه فهو ما طرحه البعض من ضرورة ان تنص التعديلات الدستورية على ان يكون مجلس الاعيان منتخباً مثله مثل مجلس النواب وهو في رأيهم يصلح لأن يكون مكملاً للسلطة التشريعية اذا لم يكن منتخباً من الشعب، ويضرب هؤلاء مثالاً بالنموذج الامريكي حيث يتم انتخاب مجلس الشيوخ كما يتم انتخاب مجلس النواب، لكن ايضا اعرق ديمقراطية في العالم وهي بريطانيا فيها مجلس اللوردات وهو غير منتخب!.
ما لنا ولغيرنا ولنتذكر ان لدينا تجربة سياسية تحصنت بالتقاليد والاصول والاعراف والمفاهيم المشتركة والمعاني والقيم المجتمعة والعائلية، وكانت هنالك مشاركة وكانت هنالك ادوار للزعامات الاجتماعية والطلائع القيادية، وكان هنالك اعتبار لاصحاب المواقع من رؤساء وحكومات ووزراء وأعيان ونواب وزعامات قبلية وشيوخ ووجهاء كانوا مجتمعين لهم رأيهم وكلمتهم سالكة الطريق لوصولها وحتى لسماعها كانوا تقريبا اهل الحل والعقد والشورى.
لذلك ما اقوله عما نحتاجه هو ابعد من تعديلات دستورية أو تعديل او تبديل قوانين فهذه امور اجرائية وصورية واجرائية ووسائل، والعبرة ليست في النصوص انما في التطبيق وهي على اهميتها تظل آليات واساليب العمل. اما ما نفتقر اليه اليوم فهو الروح التي تتمثل في العرف والاصول والتقاليد وما يتصل بها كما اشرنا، وهي اساس الحكم واساس التوازن ولا حاجة لان نذكركم ان الدساتير عرفها العالم فقط من الـ\"150\" سنة الاخيرة فلم يكن هنالك دستور للامبراطورية العثمانية ولا كافة الامبراطوريات الاخرى السابقة ولا الدولة الاموية والعباسية ولا روما وأثينا، لكن كانت هنالك تقاليد واعراف، والى اليوم فان الدولة الديمقراطية الاولى وهي بريطانيا ليس لديها دستور واسرائيل دولة ديمقراطية تجاه اليهود فقط وليس لدى اسرائيل دستور.
وبالاجمال.. لا اريد ان أسهب أو اتوسع في التفاصيل معتمدا على ذكاء القارىء وقدرته على قراءة الكلام الممحي وما بين السطور!.
حفظكم الله بالبصيرة الحاذقة، التي تكشف كل ما خفي. والله المستعان.
rakan1m@yahoo.com
في لقاء مع جلالة المغفور له الملك الحسين في نهاية السبعينيات وفق تقليد متكرر باستقبال جلالته لنقيب ومجلس نقابة الصحفيين، وقد تلوت في مستهل ذلك اللقاء وأمام جلالته قوله تعالى: \"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الْجَاهِلِين\". وكانت هذه الآية فاتحة الحديث يومها الذي ذكرت فيه لجلالته ان الله تعالى لم يقل في هذه الآية \"اعفو\" وانما قال: \"خذ العفو\" وذلك اعجاز مقصود في تمييز صفة العفو حيث العفو هو من صفات الله ولا يقدر عليه إلا الله أو من يهبهم الله قدرة الحلم، عبر هذه الصفة وفي هذه الآية الكريمة هنالك ايضا توجيه إلهي بالأمر بالعرف واتباع سننه ومن تراكم في حياة المجتمعات من قواعد وضوابط وقيم وعادات باتت أعرافاً وجزءاً من ضمير الناس.
قلت يومها لجلالته ان الله حباك بأخذ خاصيّة العفو وبدون زلفى ولا حتى مجاملة، فهنالك اجماع أنك كنت تعفو عن كل من اساء أو اخطأ بحقك أو حاول الانقلاب عليك أو قتلك أو غير تلك، وانا يا سيدي لا أمهد بقولي هذا مع صبرك وعفوك لما سأقوله عن ذلك.. الحكومة آنذاك التي تمارس فساداً منظماً مبرمجاً و.. و.. الخ. وانا اقول لك هذا كمواطن وليس كنقيب للصحفيين، لأن هذا فعلا ما تقوله غالبية الناس .
وبنفس اهمية الاخذ العفو هنالك دعوته تعالى لنا للامر بالعرف، وقلت لجلالته: لعلك يا سيدي اكثر من أحاط بالنموذج الاردني في الحكم والتجربة الاردنية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما سميته جلالتك \"الاسرة الاردنية\". فالجزء الاساسي من نموذجية الحكم الاردني ونجاحات التجربة الاردنية كان يرتكز على العرف وما يتصل به من الاصول والتقاليد والمفاهيم والقيم والاصالة، وكل ذلك كان يتفاعل في اطار وكيان سياسي وطني هو نواة الحكم بالكيان الوحدوي العربي.
والمهم ان يظل يا سيدي تطور مشروع بناء الدولة في اطاره السياسي القائم على العرف والتقاليد وما ذكرنا وان لا نسمح بتحول مشروع الدولة الى اجهزة او سلطة امنية يسعى البعض لتكريسها.. ابتداء من تلك الايام.
الكلام بالتأكيد مفهوم للجميع والتحولات السلبية التي ادت الى تآكل الاعراف والاصول والتقاليد والمفاهيم والقيم والخصائص الاردنية هي التي يفترض ان ننتبه لها، واستذكر هذا الكلام اليوم وأذكر به على ضوء النقاشات الحادة الواسعة والجدل الصاخب حول تعديل الدستور والكلام الانساني للجان الاصلاح السياسي والاقتصادي والاعلامي وغيرها، ما يمكن ملاحظته عدم الدقة وبؤس الصياغة في التعديلات الدستورية والتي افترض \"انه مقدور عليها\" ومثلا لم افهم الضجة حول المحكمة الدستورية التي يفترض ان لا يكون مكانها في الدستور وان تصدر في قانون يحدد آلياتها.. الا انه يمكن ان يكون هناك نص دستور محدد ينص على انشاء محكمة دستورية وترك مواصفاتها وآليات عملها لتصدر في قانون.
اما ما دفعني لكتابة هذا المقال وما يعنيني ايضاحه فهو ما طرحه البعض من ضرورة ان تنص التعديلات الدستورية على ان يكون مجلس الاعيان منتخباً مثله مثل مجلس النواب وهو في رأيهم يصلح لأن يكون مكملاً للسلطة التشريعية اذا لم يكن منتخباً من الشعب، ويضرب هؤلاء مثالاً بالنموذج الامريكي حيث يتم انتخاب مجلس الشيوخ كما يتم انتخاب مجلس النواب، لكن ايضا اعرق ديمقراطية في العالم وهي بريطانيا فيها مجلس اللوردات وهو غير منتخب!.
ما لنا ولغيرنا ولنتذكر ان لدينا تجربة سياسية تحصنت بالتقاليد والاصول والاعراف والمفاهيم المشتركة والمعاني والقيم المجتمعة والعائلية، وكانت هنالك مشاركة وكانت هنالك ادوار للزعامات الاجتماعية والطلائع القيادية، وكان هنالك اعتبار لاصحاب المواقع من رؤساء وحكومات ووزراء وأعيان ونواب وزعامات قبلية وشيوخ ووجهاء كانوا مجتمعين لهم رأيهم وكلمتهم سالكة الطريق لوصولها وحتى لسماعها كانوا تقريبا اهل الحل والعقد والشورى.
لذلك ما اقوله عما نحتاجه هو ابعد من تعديلات دستورية أو تعديل او تبديل قوانين فهذه امور اجرائية وصورية واجرائية ووسائل، والعبرة ليست في النصوص انما في التطبيق وهي على اهميتها تظل آليات واساليب العمل. اما ما نفتقر اليه اليوم فهو الروح التي تتمثل في العرف والاصول والتقاليد وما يتصل بها كما اشرنا، وهي اساس الحكم واساس التوازن ولا حاجة لان نذكركم ان الدساتير عرفها العالم فقط من الـ\"150\" سنة الاخيرة فلم يكن هنالك دستور للامبراطورية العثمانية ولا كافة الامبراطوريات الاخرى السابقة ولا الدولة الاموية والعباسية ولا روما وأثينا، لكن كانت هنالك تقاليد واعراف، والى اليوم فان الدولة الديمقراطية الاولى وهي بريطانيا ليس لديها دستور واسرائيل دولة ديمقراطية تجاه اليهود فقط وليس لدى اسرائيل دستور.
وبالاجمال.. لا اريد ان أسهب أو اتوسع في التفاصيل معتمدا على ذكاء القارىء وقدرته على قراءة الكلام الممحي وما بين السطور!.
حفظكم الله بالبصيرة الحاذقة، التي تكشف كل ما خفي. والله المستعان.
rakan1m@yahoo.com
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |