وما أدراك ما ليلة القدر !


في حياة الأمم والشعوب أحداث خالدة وأيام مجيدة ولقد شرُفت هذه الأمة بأعظم الأحداث وأكمل الليالي ومما انعم به الخالق على هذه الأمة ليلة وصفها الله عز وجل بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها إنها ( ليلة القدر ) عظيمة القدر ولها أعظم الشرف وأوفى الأجر .
فضل ليلة القدر :
• لقد نوّه القران الكريم بفضل هذه الليلة العظيمة وانزل الله فيها سورة كاملة قال الله تعالى : (إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القد خير من ألف شهر...)
عظّم القران الكريم شأن هذه الليلة فأضافها إلى ( القدْر ) أي المقام والشرف , وأي مقام وأي شرف أكثر من أن تكون ليلة خير وأفضل من ألف شهر – أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر - .
وألف شهر = 83 سنة و 4 أشهر , أي إن هذه الليلة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان هكذا من غير فائدة .
• أنها خير من ألف شهر لقوله تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر)
• انه انزل القران فيها لقوله تعالى :( إنا أنزلناه في ليلة القدر )
• أنها ليلة مباركة لقوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين )
• تنزل الملائكة والروح في هذه الليلة لقوله تعالى : (تتنزل الملائكة والروح فيها )
• تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر لقوله تعالى: ( سلام هي حتى مطلع الفجر )
أمّا ما ورد في فضل هذه الليلة في السنة النبوية المطهرة ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه )
ويحذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها فيُحرَم المسلم من خيره وثوابه فيقول – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وقد أضلهم شهر رمضان :( فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم) وكيف لا يكون محروما من ضيع فرصة هي خير من (ثلاثين ألف فرصة ) إن من ضيع صفقة كان سيربح فيها 100% يتحسر على ضياعها فكيف بمن ضيع صفقة كان سيربح فيها ثلاثة ملايين بالمئة .

• الحكمة من اخفاء ليلة القدر :
لله حكمة بالغة في إخفائها عنا فلو تيقنا أيّ ليلة هي لتراخت العزائم ولفترت الهمم طوال شهر رمضان واكتفينا بإحياء تلك الليلة فكان إخفاؤها حافزا للعمل في الشهر كله ومضاعفته في العشر الأواخر منه وفي هذا خير كثير كما اخبر عنه النبي – صلى الله عليه وسلم- روى البخاري عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال : ( خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين – أي تنازعا وتخاصما – فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت – أي من قلبي - فنسيت تعيينها وعسى أن يكون خيرا لكم )
• العمل في ليلة القدر :
ليلة القدر هي ليلة عبادة وخشوع وطاعة وصلاة وتلاوة ودعاء وصدقة وصلة وعمل للصالحات وفعل الخيرات .
عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت : قلت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : ( قولي : اللهم انك عفوّ تحب العفو فاعف عني )
لماذا أوصى الرسول الكريم أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن تدعو على وجه الخصوص بهذا الدعاء ؟
لأن الإنسان في هذه الدنيا متلطخ بأوحال الذنوب والخطايا والآثام وهو بحاجة ماسة إلى عفو كريم يحط عنه ما علق به من خطايا وأوزار .
وبما أن الله عز وجل عفوّ كريم يعفو عن السيئات ويعفو عن كثير أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – السيدة عائشة – رضي الله عنها – بالتوجه إليه سبحانه وتعالى في هذه الليلة العظيمة طالبة منه العفو والمغفرة .
ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى : ( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك يا ابن آدم لو أتيتني بملء الأرض خطايا أتيتك بملء الأرض مغفرة ولو بلغت خطاياك عنان السماء ثم استغفرنني لغفرت لك )
وقد أمر الحق جل جلاله نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – بالعفو والصفح فقال عز وجل : ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين )
وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بما أمر المرسلين فقال جل وعلا : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره )
الله جل وعلا عفوُّ غفور يعفو عن السيئات ويعفو عن كثير فإذا تاب العبد توبة نصوحا أنسى حافظيه وجوارحه وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه فالعفو ابلغ من المغفرة لان الغفران هو الستر بينما العفو هو المحو والمحو ابلغ من الستر وهو ما اتصف به سيد البشر محمد – صلى الله عليه وسلم – أمره ربه بالعفو عمن أساء إليه , فبين له أن سبب الشر الجهل ومصدره الشيطان ودواؤه الاستعاذة وذكر الله , قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )
• ولكن لماذا العفو ؟
لأن بالعفو تتسع دائرة المودة والمحبة والأخوة فيصبح المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وقد فهّمنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنّ العفو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك .
تعالوا بنا إلى المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أسوتنا وقدوتنا ومثلنا الأعلى الذي آذاه المشركون أيما إيذاء فوطئوا عنقه الشريف وهو ساجد لله رب العالمين عند الكعبة ووضعوا على ظهره - قذر كرشة بعير- وهو قائم يصلي ورموه بالحجارة حتى أدموا جسده الشريف ومنعوه وقومه وأصحابه الطعام ثلاث سنين يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه - : ( ما لنا طعام إلا ورق الخُبلة – نوع من الشجر – وهذا السّمر – شجر أيضا – حتى إن كان احدنا ليضع كما تضع الشاة من البعر ماله خلْط – أي يابس )
تعالوا بنا لنرى نبينا الكريم ومعلمنا الأعظم – صلى الله عليه وسلم – وهو يدخل مكة فاتحا , وقد ألقى أهلها السلاح ومدّوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى , عندها قال قولته الخالدة : (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
كم حقنت هذه الكلمة من دماء وكم وصلت من أرحام , وبعدها دخل الناس أفواجا في دين الله , لما رأوه من سماحة الإسلام وصدق الله العظيم القائل : ( ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر )
العفو يخلق من العدو صديقا حميما قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم \")
هذا الذي جعل أبو سفيان وهو من هو يقول : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أرحمك , وما أحلمك , وما أحكمك , وما أوصلك , وما أكرمك )
وقد تخلّق الصحابة الكرام بأخلاق نبيهم – صلى الله عليه وسلم – في العفو والصفح .
فهذا الصدّيق – رضي الله عنه – يعفو عمن اشاع مقالة السوء – خبر الإفك - على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وعمن هز أركان المجتمع الإسلامي هزا , فآلمه ذلك , فحلف ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – ان لا ينفق على مِسطح شيئا ابدا ولا ينفعه بنفع ابدا وكان ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – ينفق عليه لقرابته وحاجته فحلف اليمين التي حلفها فأنزل الله عز وجل قوله : ( ولا يأتل أولي الفضل منكم والسعة ان يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا , ألا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) .
وهذا الفاروق عمر – رضي الله عنه - روى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : ‏قدم ‏ ‏عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ‏ ‏فنزل على ابن أخيه ‏ ‏الحر بن قيس بن حصن ‏ ‏وكان من النفر الذين يدنيهم ‏ ‏عمر ‏ ‏وكان القراء أصحاب مجلس ‏ ‏عمر ‏ ‏ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال ‏ ‏عيينة ‏ ‏لابن أخيه يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه قال سأستأذن لك عليه قال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏فاستأذن ‏ ‏لعيينة ‏ ‏فلما دخل قال : ( يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل – أي الكثير - وما تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همّ أن يوقع به فقال الحرّ بن قيس يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه : ( خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين) وان هذا من الجاهلين فقال ابن عباس : فوا لله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان عمر وقافا عند كتاب الله )
• سمع الامام احمد بن حنبل –رحمه الله - وهو في سكرات الموت رجلا يصيح على
باب داره فإذا به رجل مسن يبكي بكاء الثكلى على وحيدها ويقول للإمام احمد لقد كنت ممن قام بتعذيبك في محنة القران في عهد المعتصم واني أتيتك راجيا العفو والسماح .
فإذا بالإمام احمد يدعو الله أن يغفر لهذا الرجل الذي آذاه قبل سنين طوال ! سأله ابنه : كيف تستغفر الله له وقد عذّبك اشدّ العذاب ؟! فقال الإمام احمد : ماذا ينفعك أن يُعذَّب أخوك بسببك ؟! ألا تعلم قول الله تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ألا تعلم انه إذا كانت القيامة وجثت الأمم بين يدي الله رب العالمين نُودوا : ليقم من كان أجره على الله . فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا واني لأرجو أن أكون واحدا منهم .
يقول – صلى الله عليه وسلم – ( ينادي مناد يوم القيامة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قال : ومن ذا الذي أجره على الله ؟ قال : \" العافون عن الناس .
فيا من يجيب المضطر إذا دعاه.. ويكشف السوء عمن ناداه.. اجعل خير أعمارنا آخرها.. وخير أعمالنا خواتيمها.. وخير أيامنا يوم أن نلقاك.. وأغننا بفضلك عمن سواك .

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات