جنوب السودان .. في نقابة المهندسين الأردنيين


في مطلع التسعينيات من القرن الماضي كانت الحكومة الانقلابية الإسلامية بقيادة الرئيس السوداني عمر البشير والمرشد الإخواني المنشق الدكتور حسن الترابي تخوض معارك طاحنة لا هوادة فيها مع الجنوبيين الانفصاليين بزعامة القيادي الراحل جون جارانج، وتقدم الشهداء تلو الشهداء من الشباب السوداني المؤمن المجاهد من حفظة القرآن وخيرة شباب الحركة الإسلامية حفاظا على وحدة السودان العربي المسلم في وجه المؤامرة الاستعمارية الغربية لتقسيم السودان والتحكم بثرواته النفطية والمائية وتضييق الشريان الأبهر لمصر زعيمة العالم العربي ولإيجاد موطئ قدم دائم للكيان الصهيوني المتحالف ثقافيا وعسكريا واستراتيجيا مع الانفصاليين الجنوبيين.

وعندما تكاثرت الجراح الانفصالية والنزاعات العرقية والحروب الأهلية والتدخلات الدولية في الجسد السوداني المثخن والمثقل والمريض والممزق تغيرت القناعات وتبدلت الأولويات بل وانقلبت المفاهيم الاستراتيجية وتحولت العقيدة العسكرية والقتالية ليصبح التسابق بين حسن الترابي وعمر البشير لعقد اتفاق سلام مع الانفصاليين في الجنوب يتوج بالمشاركة وتقاسم السلطة والتنازل عن تحكيم الشريعة، وليصبح جون غارانج وأسلافه من معتمري القبعات الغربية سادة في القصر الجمهوري في الخرطوم إلى جانب العمائم العربية البيضاء، كل هذا بدعوى الحفاظ على وحدة السودان.

ولما تزايدت الضغوط الاستعمارية متوجة بقرار المحكمة الدولية بتجريم الرئيس السوداني عمر البشير والأمر باعتقاله، وصنعت الديمقراطية وحق تقرير المصير ما صنعت في الاستفتاء والتصويت نحو الانفصال بأغلبية ساحقة (حقيقية) لم نشاهد لها مثيلا إلا في انتخابات الرؤساء العرب، كان إعلان الرئيس السوداني عن ولادة دولة جديدة تقتطع بالمباضع من جسد دولته أشد مرارة عليه من اقتطاع فلسطين من الإمبراطورية العثمانية الذي رفضه السلطان عبد الحميد الثاني، و أقسى عليه من تجرع السم الذي عبر عنه الإمام الخميني عندما وافق على قرار وقف إطلاق النار مع العراق، وباختصار –كما يقول الشاعر العربي- أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.

اسمحوا لي أن أسقط هذا الواقع التاريخي المرير الذي عشناه جميعا على حكاية انفصال هيئة المكاتب الهندسية بزعامة رئيسها الفتحاوي (الأخضر) المهندس رايق كامل عن نقابة المهندسين الأردنيين بزعامة نقيبها الإخواني (الأبيض) المهندس عبد الله عبيدات، والتي اتخذت اليوم صورة نظام جديد لهيئة المكاتب الهندسية يجعل منها فعليا نقابة منفصلة ومستقلة إداريا وماليا حتى لو أبقت على نفسها صوريا داخل جسم النقابة الأم، ولا أبتغي بذلك إطلاقا تشبيه زميلي العزيزين بالرئيس السوداني عمر البشير والزعيم الانفصالي الراحل جون غارانج، فالتشبيه هو لواقع الحال والمآل لا للأشخاص والمسميات.

إن الموافقة على هذا النظام ببساطة لايعني حكما ذاتيا واسع الصلاحيات فحسب، بل هو سلخ لجزء حيوي جدا من النقابة ومقدمة لتفتيتها وإضعافها ماليا ونقابيا وسياسيا، فالعاملون في قطاع المقاولات لهم الحق من بعد في هيئة كالعاملين في قطاع الاستشارات، والعاملون في التجارة الهندسية كذلك، فضلا عن العاملين في قطاع الصناعة، والعاملين في قطاع الصيانة والخدمات الهندسية، والعاملين في التعليم الهندسي والتدريب، والعاملين في القطاع العام، والمهندسين العاملين في الخارج، كل قطاع من هذه القطاعات يفوق عددا العاملين في قطاع أصحاب المكاتب الهندسية والاستشارات ولهم الحق في تنظيم خاص بهم مستقل إداريا وماليا يرعى شؤونهم وخصوصياتهم، وهكذا تتفتت النقابة الأم التي تضم في عضويتها أكثر من اثنين وتسعين ألف مهندس ومهندسة إلى نقابات صغيرة وجمعيات شتى.

لا أريد أن أدخل في مبررات كل فريق بين الوحدة القسرية والحرية الانفصالية، ولا بين اعتقاد المهندس رايق كامل بأن المكاتب الهندسية تصرف على النقابة وباقي المهندسن، ولا تأكيد المهندس عبد لله عبيدات بأن النقابة تصرف على المكاتب الهندسية نصف مليون دينار سنويا من جيوب المهندسين، ولكن أريد أن أؤكد لهما ولكم ولكل المهندسين أن النزاع هو سياسي بحت حظ الجانب النقابي فيه قليل، والدليل من تاريخ النقابة أنه عندما كان المحسوبون على القائمة البيضاء في حينها مثل المهندس حسني أبو غيدا والمهندس خالد البوريني رؤساء لهيئة المكاتب الهندسية كانت العلاقة بين الهيئة (البنت) والنقابة (الأم) على خير ما يرام، فلما تمكنت القائمة الخضراء وعلى رأسها المحسوبون على (فتح) من السيطرة على هيئة المكاتب لمدة اثني عشر عاما متواصلة أصبحت العلاقة بين الهيئة والنقابة في نزاع وشقاق مستمر.

لقد خسر الإخوان المسلمون لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا أبرز النقابات المهنية الأخرى كنقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ونقابة المحامين، ولا أستطيع أن أفصل بين انتخابات نقابة المهندسين القادمة وبين الحراك الانفصالي لهيئة المكاتب والذي تقف الحكومة منه موقف المتعاطف معه بشدة إن لم يكن موقف الداعم والمحرك، لا حبا بالفتحاويين وحلفائهم بل نكاية بالإخوان المسلمين الذين أوجعوا الحكومة بحراكهم الشعبي المستمر والمتصاعد في الشارع، وكأنها رسالة من الحكومة إلى الإخوان في نقابة المهندسين (إما اعتدلتم وإما اعتزلتم)، أي إما اعتدلتم في مواقفكم السياسية وتقاسمتم السلطة مع غيركم تقاسما حقيقيا يلغي احتكاركم ويضعف قوتكم وتفردكم، وإما المعركة الفاصلة في انتخابات ليست بعيدة عما حدث في استفتاء جنوب السودان حول الوحدة والانفصال، وحينها يصبح القبول بالانفصال حكمة ووطنية وحفاظا على ما تبقى من سلامة الوطن.

hishamkhraisat@gmail.com






تعليقات القراء

abo altaeab
نعتذر...
18-08-2011 11:11 AM
مهندس
ارجو من زميلنا العزيز المهندس هشام خريسات الرجوع لتفسير المادة السادسة من
قانون النقابة
18-08-2011 02:14 PM
مهندس سلطي - عماد
تشبيه غير موفق .... كان الاجدى ان تقارن بصراع فتح وحماس في فلسطين ... ما يجري في نقابة المهندسين هو صراع فلسطيني فلسطيني لا علاقة لمهندسي الاردن به ..... بالتالي قريبا سيستعيد الارادنة نقابتهم ويحرروها من الفساد والافساد باسم الدين
18-08-2011 02:21 PM
سكر فضي
التغيير قادم ... بلا فتح بلا اخوان بلا زفت ... خربتو البلد
18-08-2011 04:00 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات