القضاء العشائري هذه الايام


يعتبر القضاء العشائري في الأردن من أشهر العادات القديمة المتوارثة منذ القدم ولا زال هذا النظام معمول به حتى الآن وهو قانون غير مخطوط ، ويُعرف القضاء العشائري بأنه مجموعه من القوانين والأعراف البدويه المتداولة والمتعارف عليها حيث أصبح الناس يتعاملون بها حتى ثبتت وأصبحت دستوراً يتعامل به الناس في حل الكثير من القضايا والنزاعات بين فئات الشعب ويتم تطبيق نظامه وأحكامه وتعاليمه التي يعرفها الجميع.

وقبل هذا لا بد من عرض لبعض الشروط اللازم توفرها في القاضي العشائري الناجح الذي يطبق حدود هذا القضايا بكل مصداقية وشفافيه بعيدا\" عن التعصب والمزاجيه والانتقاء في إصدار الأحكام التي في كثير من الأحيان تكون مجحفه وزائدة عن حدها، ومن الشروط والصفات التي يجب توفرها في القاضي الناجح هي عنصر الوراثة والنزاهة وسعه الصدر والسمعة الطيبه وان يكون هذا القاضي محبوبا\" ومرغوبا\" بين عشيرته والعشائر الأخرى وان يكون ذكيا\" سريع البديهة وعادلا\" وان يتقي الله ويعطي كل ذو حق حقه بعيدا\" عن التعصب والمحاباه لطرف على حساب طرف بعيدا\" عن النوايا الشخصيه المبيتة وان لا يميل في إصدار الحق.

للأسف هناك بعض القضاة في هذه الأيام يفتقر إلى هذه المقومات ويعتمد على حفظ بعض عبارات السجع والطباق في ترتيب الكلمات التي ربما حفظها عن ظهر قلب والتي ربما هذه العبارات لا تخدم القضية نفسها بشيء وهي عبارات مكرره لديه في كل القضايا ولكن لإظهار مدى فصاحة وبلاغه هذا القاضي للآخرين وفي آخر المطاف يصدر أحكامه حسب رغبته الشخصية بعيدا\" عن مبدأ العدالة ، وبالتالي يبقى العنصر الأساسي في الموضوع وهو العنف والكراهية موجود وقائم ولم ينتهي بعد.

لقد قدر لي وأنا من الحريصين على حضور هذه الجلسات (القضوات) باستمرار أينما كانت حيث شاهدت وسمعت كثير من المهاترات خلال بعض الجلسات التي لا تمت للقضاء العشائري بصله وما هذه الجلسات أو ما يسمى (بالحق العشائري) إلا فوضى عارمة وتدخلات من الحضور لا تخدم موضوع (القضوه) بشيء ، وانما هي عبارة عن تحزب ومجامله وتمجيد وتهليل لهذا القاضي الذي يصدر أحكامه القاسية في آخر الجلسة دون مراعاة لحدود الله جزافا\" لطرف ما على حساب طرف لنوايا مبيته اصلا\" في نفس القاضي ومن حوله وبالتالي يكسب هذا القاضي شهره وسمعه مزيفه حصل عليها جراء هذه الأحكام التي لا بد لطرف ما في النهاية من قبولها في سبيل الخلاص وإنهاء الخلاف بأي طريقه ، لكنها تحمل في طياتها الكثير من معاني المزاجية والظلم وغياب عنصر العدالة كليا\" .

ولكن بالرغم من وجود بعض الايجابيات للقضاء العشائري، إلا أن سلبياته أكثر بكثير, ومن هنا تأتي المطالبة الملحة بوقف العمل بهذا القضاء، فلا يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يهمل دور قانون الدولة ويغلب رأي القضاء العشائري في حل الكثير من القضايا بطريقه ربما تكون مجحفه احيانا\" وكذلك لا يعقل ان تكون هناك سلطتان قضائيتان في بلد واحد فالقضاء العشائري فيه تهميش لقضاء الدوله وتهميش للقوانين المعمول بها في حدود الجرائم بشتى أنواعها ومسمياتها .

لقد تناول الكثيرون في الآونة الأخيرة في كتاباتهم موضوع العنف في المجتمع الأردني بكافة أشكاله, فمنهم من يتهم الدولة وأجهزتها, ومنهم من يتهم العشائرية والقضاء العشائري في ازدياد ظاهرة العنف المجتمعي, وهناك فئة يدافعون عن العشائرية, ومن هولاء الكتاب الأستاذ محمد حسن التل والأستاذ جميل النمري والأستاذ طاهر العدوان، وأنا شخصيا\" مع الذين يدعون إلى إلغاء العشائرية بكافة صورها واللجوء إلى قانون الدولة لان قانون الدوله يتمتع بالنزاهة والحيادية والعدل والصرامة.

من هنا لا بد لي من عرض بعض السلبيات في الإجراءات الروتينية لهذا القانون من خلال البت في معظم القضايا فهناك بعض الأحكام التي تصدر عن القاضي العشائري تأخذ بعدا\" سلبيا\" في حياة الناس ، فعلى سبيل المثال ما يسمى (بالجلوه) التي تتسبب في فرض العديد من المشاكل الاجتماعية والاسريه وتفرض واقع معيشي جديد لبعض الأسر حيث تضطر هذه الأسر إلى ترك بيوتها وأحيائها وقراها واللجوء إلى قرى ومناطق أخرى مجاورة ربما تمتد لشهور وأحيانا لسنوات، فضلا عن تسببها في ترك المئات لوظائفهم أو مصدر رزقهم خوفا\" من الانتقام وتنفيذا\" لأوامر القاضي بفرض الجلوه .

وهناك أمر آخر يتعلق بموضوع المال الذي يُدفع للقاضي أو ما يسمى بمصطلح (الرُزقه) فاحيانا\" يطلب القاضي مالا\" كثيرا\" كرزقة له غير مسترد طبعا\" ، وربما لا يقدر على توفيره طرف ما ويلجا\" هذا الطرف إلى مبدأ الاستقراض وجمعها من أصحاب الخير لتوفير المبلغ وكذلك موضوع (الديه) ذات الحدود العليا والمبالغ الخياليه التي تفرض على الجاني .

ان من المتعارف عليه أن يقوم جهاز الأمن العام بتنفيذ قانون الدولة وإنزال أقصى أنواع العقوبات بحق القتلة ومثيري الشغب أينما كانوا, ولكن ما حدث مؤخرا هو أن قام هذا الجهاز بأخذ عطوات أمنية من الطرفين لثلاثة أيام وكأنه ليس جهاز دولة وانما هو طرف ثالث معني في القضية وهذا الأمر في النهايه يقوي سلطة العشائر ويضعف سلطة قانون وهيبة الدولة.

من هنا فإنني أرى أن سلبيات هذا القضاء أكثر من ايجابياته ، لذا أرى وأدعو إلى إلغاء فكرة العمل بهذا القضاء لانه في النهايه يشجع على ازدياد حالات العنف والإجرام , لأن المجرم يعتمد على عشيرته التي تسند ظهره, فمهما كانت الجريمة المنظورة أمام القضاء العشائري فإنها في نهاية المطاف سوف تحل بواسطة الفانوس السحري (فنجان القهوه) وكأن شيئا\" لم يكن .



تعليقات القراء

ابن البلد
رأي الكاتب رأي منطقي وانا اتفق معه في كل شيء .
30-07-2011 12:47 PM
متابع
ما ورد في مقالة الخلايفه كلام اكثره صحيح وواقعي وقد عانيت من مشكله حقوق العرب وشاهدت فوضى كبيره وتجاوزات في اصدار الاحكام التي تكون صعبه على الطرف المخطىء وربما لا يقدر ان يتحملها لذلك انا مع الكاتب في الغاء هذا القانون نهائيا" والعودة الى طاولة المحاكم وقانون الدوله فقط
30-07-2011 12:49 PM
احمد العبادي
قانون الدوله اريح واسهل من القضاء العشائري لان فيه ضياع لكثير من الحقوق فانا مع الغاء فكرة القضوات والحق العشائري
31-07-2011 02:23 AM
ابو سيف - الزرقاء
مجرد رأي لو يتم الاستغناء عن القضاء العشائري والعودة الى الدوله ارى ذلك افضل للجميع لان احكام القضاء العشائري صعبه وتؤدي في النهايه الى كثرة المشاكل والاحتقانات المتكررة
31-07-2011 02:27 AM
شيخ
نظام القضاء العشائري فيه نواقص كثيره واليوم صارت كلها شيوخ وقضاه وكل واحد حافظ كلمتين على بعضهن صار شيخ وصار يقضي... والله كثير من قضاتنا هذه الايام مش قادر يقضي بين اولاده اللي عنه في الدار حتى يحل مشاكل الناس.. قضاه آخر زمن خلينا على نظام الدوله والمحاكم احسن واريح بال.
13-08-2011 02:29 PM
مستشيخ
هل كل من لبس عباه وثوب جديد وحواليه خمسه او سته رجال ومعاه سياره كويسه وحافظ شويه كلام منمق صار شيخ يا الله ما اكثرهم في الاردن اي شيوخ ...
29-08-2011 10:37 AM
مقهور
( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )



للاسف لا يوجد في الاردن قانون بل شريعة غاب ،اي ان ما يسمى بالقاضي العشائري هو المتبع تصوروا وقع اخي في مشكلة ولم تقبل الدولة حكم القانون الا ان ناتي بحكم عشائر ي تصوروا انني لفيت الاردن كل قاضي يحكم بحكم مختلف،وطبعا لازم لما ابعث الوجوه في كل مرة الغداء والمواصلات وتكلفة مجيء الشيخ على حسابي نعم ، الله اكبر حتى الامن العام يقول لي بالحرف الواحد روح على قاضي عشائر خلص حالك مع الجماعة نعم لا يوجد قانون ولا يحترم ابدا لازم ادفع واتحاكم مرتين ، متى يسود القانون في البلد حينها نصبح احرار
08-12-2011 04:09 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات