الهروب إلى الذكريات


اجلس وحيدا بلا قمر أحاول أن اعتصر ما في قلبي عن الحب فأعجز عن ذلك... أغمض عيني قليلا لأبدأ بالكتابة بلغة حروفها ساكنه, خالية من الحركات , لتفيض على قلبي القليل منها وإن كانت كشتاء حزيران. أغمض عيني قليلا لعلي أدرك ذلك الحلم الذي ما لبث أن بدأ حتى كانت النهاية ... فأعود بالذكرى إلى ست سنين مضت إلى اليوم الأول حيث بداية قصتي .. لتبدأ الحروف بالسقوط ولتبدأ الدموع بالانتفاض محاولة خرق جدار الأجفان لتدخلني في عالم الرجولة الغامض ...

يبدأ حديثي مع الذات وأبدأ بمناجاة روحي التي غابت عني منذ فجر التاريخ .. نعم فغيابها عني كان لي مطلع التاريخ ....
فأعود بالذكريات إلى تلك الرائعة التي ما غابت يوما عن خيالي حتى قبل رؤاها للمرة الأولى ... تلك الفاتنة التي حلمت بها كثيرا عندما كنت جنينا لم أر الحياة بعد .. تلك النخلة التي اشتاقت إليها صحرائي القاحلة وعانقت ذكراها صمتي على مدى سنين ... أعود إلى الحروف التي شرفت اسمها وإلى العصر الذي باركته سنينها ..
هي تلك الفاتنة الجميلة .. الحاضرة الغائبة ... هي قلبي الذي يحيى معي كل حين لكني لا أراه أبدا .. هي سر كلماتي وإخلاصي ... هي داء وفائي ... هي حروفي الهاربة في بحر السنين .. هي الزمان والمكان .. هي الحضور والغياب..هي زهرة تشرين ...

هي لا زالت ذكراها تراودني كحلم المرهق ليلا ...لا زلت أراها في أحلام الأطفال .. في شذى البيلسان ... في رائحة الياسمين كل مساء ... في عبق الطّيون ... لا زلت أراها في حزني ... وسكوني... في فرحي وصراخي ... هي لا زالت تبكي في داخلي كطفله تحمل بين يديها الزهور ... ترتشف من شذاها الطيور .. هي لا زالت في داخلي تغني ... ترسم ... تبكي ... تصرخ .... تغار من الغيوم ... وتثور...

كم أتمنى أن أبقى مغمض العينين أصارع روحي.... تحرقني دموعي ... يكسرني صمتي .. فأنا لا أريد أن أصحو إلى الواقع ولا أريد أن أعود إلى الحياة دون ذكراها ... لا أريد المزيد من السنين ... لا أريد أياما بلا ألوان ... فقط أريد أن احلم ... فهذا كل ما أقوى عليه في لحظات السكون ... فأنا ضعيف بلا عينيها ... بائس بلا صوتها ... تعيس بلا لمسة يديها ...حزين بلا ملامح وجهها الحنون...

مضت أربعة أعوام على العناق الأخير ... عناق العينين ... كانت أخر مرة أراها ... غابت حينها بين الزحام ... تاركة لي قليلا من الورد ... وكثيرا من الأحزان ... غابت ملهمتي عن دنياي الزائفة وطرقت بيديها باب ذكرياتي ... رسمت بريشتها أعذب ألألحان وأجمل الأحلام ... هي لا زالت ترسم بصمت ... تمر في لحظاتي مرور الطيف ... تترك لي عناقيد الأقحوان ...ذكراها تلون بعض الأقدار ... وتسحق كثيرا من الأحلام ... ذكراها تحرق أمجادي .. تطفئ صهوة جوادي.... تتركني جثة أسد قد نكلت فيها ضعاف الكلاب ... وحيدة .... حزينة ....صامتة .... تنتظر الخلود....

غابت ملهمتي ... ولم تعد ... انتظرتها كثيرا كانتظار العطشى للمطر في حزيران ...كدموع الفراق... انتظرتها على الشواطئ وقت الغروب ... وبين أحلام الحصادين ... ودموع الثكالى ... وحزن الريح ... انتظرتها كل لحظة فرح ... لكنها لم تعد بعد.... كسماء القحط والجدب لم تجد بعد ...انتظرتها مع بكاء الأطفال ... وصراخ النساء في الحروب ... وقهر الرجال الرجال ...انتظرتها طويلا..... لكن الغروب ... اخبرني ... والشمس همست لي..... والقمر ناجاني ...بأنها لن تعود ...لن تعود ...

غابت زهرة تشرين عن حقولي ... وودعتني على أمل اللقاء في الجنة ... غابت نخلتي الصغيرة الوادعة في كل الظروف ... وكل الفصول ... غاب ربيعي عني ... وأقبل الخريف... هي صنعت من أوراق الخريف لي بروازا ...ومن برد الشتاء لي معطفا ... ولم تعطني ألوان الربيع أو خير الصيف ... ثم حرقت الصور ... وألقت برمادها إلى الريح .... هناك في البعيد ....


هناك في البعيد تحيى غاليتي ... تفرح ... تحزن ....تبكي ... تغني ... ربما تستذكرني ... وتموت في الذكرى ... ربما تحلم بالماضي .... وربما تبكي كل حين ..كقلبي الحزين ....فأنا بكل رجولة أعترف بضعفي أمام ذكراها ... أعترف ببكائي حين وحدتي ... أعترف بقهري عند ظروفي ... وبنشيجي في الظلام .. أعترف باحتراق الأحلام ... وضياع الأيام ....

اتركوني أفتح عيني فقد أعيتني الدموع وحرقت جدار قلبي ... أتركوني أرى الزهور ... من جديد ... لعل القلب ... ينسى ... ما فيه من داء ... أتركوني أحلم من جديد فالأحلام دوائي ... أتركوني أهرب قبالة شواطئ الغروب ... حيث النوارس تحمل الأخبار ... حيث الأسرار... حيث البحر ... والأمواج .. حيث اصطباحه الندى والتفاتة الشذى ...والمرجان والمحار ... والردى...

عودي إلى قلبي فاتنتي ... مزقيني ... اقتليني ... عانقيني ... حطميني ... واسرقي مني الحروف ... واسرقي مني الفجر ...
عودي إلى واقعي ... زوري قبري مرة واحدة ... احملي لي بعض الأزهار ... إقرأي لي من ترانيم القدر ... وبعض الأخبار ....

لا تهجري الذكرى ولا تقتنصي لحظات السكون ... لا تحرقي بقايا قلبي بالصمت والسكون.... قولي شيئا ...قولي شيئا ... و إن كان الوداع ....قولي شيئا وإن كان الوداع .... الوداع....... الوداع...فأنا في الحب لن أكون .... لن أكون.


reyad_aa@yahoo.com



تعليقات القراء

رياد
اول مره بلاقي حدا يشاركني باسمي مع اني صبية مو شاب بس المقالة كتير حلوة ورومانسية كلك زوءءءءءءءءءءءءءء استاز رياد
23-07-2011 01:34 PM
راسون - عجلون
لا حول ولا قوة الا بالله

هوه انته بتزاكر من ورانا
23-07-2011 04:12 PM
مالك عبابنة
كلام جميل....ومعاني اروع..أستمر يا ابن عمي وبالتوفيق يا رب
08-08-2011 09:41 AM
عاشقة الأحزان
أنامارح أكون متل غيري وأجامل بس عنجد كلمات رائعه ومعبره وجميله جدآ جدآ وبتمنالك التقدم ويلي تركتك هيه يلي خسرانه مادام بتحبها لهدرجه صحيح إنته شب وأنابنت بس نفس المشاعر يلي إنجرحت وإنكسرت بس كل شي نصيب وقدر
وياريت تنسا الماضي وتفتح عيونك وماتخاف من شيS
10-08-2011 02:01 PM
ايناس ابوكف
روعه كثير خليتنا انعيش كل كلمه ونحس فيها ..بتمنالك التقدم
31-08-2011 08:17 PM
ولاء حسين المومني/الطيارة
كلمات رائعة جدا واحساس مرهف هنيئا لعجلون بوجود انسان ذو احساس راقي مثلك اخ رياد
09-01-2012 09:10 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات