زوبعة عابرة وليست عاصفة عاتية


يعلم اهل الشرق والغرب ان سوريا ليست عندي كياناً جغرافياً او ديموغرافياً او سياسياً يمكن ان يخضع لاحكام المنطق والعقل، بل هي حالة عاطفية ورومانسية تسكن القلب، وتأسر الخاطر، وتمسك بشغاف القلب والوجدان. يعلم القاصي قبل الداني ان دمشق ليست عندي عاصمة عربية عريقة وعزيزة يمكن ان تشابه اية عاصمة اخرى، بل هي عنقود ندى وشغف وياسمين، وحاضرة كل بلاد الشام من غزة الى انطاكية، واكاديمية العرب التي بلورت الوعي القومي، وخرّجت ملايين القابضين على الجمر، والراسخين في معاقل العروبة الى يوم الدين. حين اندلعت حرائق الاحتجاجات في درعا واخواتها، عند اواسط شهر اذار الماضي، اخذتني المفاجأة من نفسي، واعتصرتني مكابس الوجع الشديد، ووضعت يدي على قلبي، لانني شعرت - يشهد الله - ان هذا القدر من الاضطراب يدور في ارجاء بيتي، وبين افراد اسرتي، وليس في البيت السوري المجاور، وبين الحاكمين والمحكومين هناك. وقعت في فخ الحيرة، وآثرت الترقب والانتظار الى حين انجلاء الموقف، واتضاح الخيط الابيض من الاسود، فالوضع دقيق، والخلاف يجري بين طرفين عزيزين.. حكم صامد يدعم المقاومة، ويرفع راية العروبة والممانعة، ويحرص على حرية قراره وخياره.. وشعب طاعن في وطنيته، وموغل في قوميته، ورائد في مجالات التضحية والنضال، وصاحب حق في المطالبة بالاصلاح السياسي والانفتاح الديموقراطي والقضاء على الفساد. فيما بعد تذبذبت الاحوال وتقلبت الاوضاع صعوداً وهبوطاً، فبينما ابدى الحكم استعداده للدخول في معترك الاصلاح والتغيير والتطهير، رفع المحتجون سقف مطالبهم، واطلقوا شعارات اسقاط النظام، وتجرأوا على رئيس الدولة وحاولوا تشويه صورته وهز مصداقيته، بل لقد ذهب بعضهم الى امتشاق السلاح والوقوف في وجه الدولة.. ورغم كل ذلك فقد ظل الامل يراودني في قدرة سوريا العريقة على تصحيح نفسها وتدارك اخطائها، والاهتداء عما قريب الى سواء السبيل. غير ان بوصلة الاحداث ما لبثت ان انحرفت كثيراً، خلال ايار الماضي، عن جادة الصواب، واتجهت سريعاً نحو خطيئة التمرد والانقلاب، واغتربت كثيراً عن روح الشعب السوري الابية والاستقلالية التي ترفض التبعية للاجنبي والاستقواء بالدوائر الامريكية والاوروبية والعثمانية، فقد علمنا التاريخ القريب والبعيد ان السوري لا يكون سورياً، ولا يستحق هويته وسويته اذا ما فرّط في روحه الوطنية واصالته القومية وصفته الاستقلالية، فما بالك حين يطالب المعارضون الاكراد باسقاط كلمة >العربية< من اسم الجمهورية العربية السورية ؟؟ يومذاك، وفيما بعد، سقطت الاقنعة، واتضحت الرؤية، وبات اللعب على المكشوف.. ذلك لان الكثيرين توهموا ان الحكم اصبح ضعيفاً، وان النهاية باتت قريبة، وان الدولة غدت قاب قوسين او ادنى من متناول ايديهم، فرفضوا العفو العام الذي اصدره رئيس البلاد، واداروا ظهورهم للحوار الوطني الذي قاده نائب الرئيس، ورفعوا من وتيرة التظاهر والاحتجاج وحتى الاعمال المسلحة، واحرقوا اعلام حزب الله وصور المجاهد حسن نصرالله، قاهر العدو الصهيوني، وتكشفوا عن طلاب سلطة ونهّازي فرص، وليس دعاة اصلاح ونزاهة وديموقراطية، بل تكشفوا عن محاربين اشداء ليس ضد مثالب الحكم السوري ونواقصه، وانما ضد فضائله وايجابياته وانبل مواقفه السياسية. تنافخ على الرئيس بشار الكثير من الاعداء، واستأسد على نظامه الكثير من الجبناء، وتسابق على موائد الخراب الكثير من الشامتين >واشباه الرجالكافور< البيت الابيض، ثم ساركوزي حفيد الجنرال غورو قاتل يوسف العظمة، >والمستورة< الست هيلاري اياها، والحالم باستعادة النير العثماني على رقاب العرب.. وانتهاء بالمناضل الشجاع سعد الحريري، وحمامة السلام سمير جعجع، وبطل صفقة اليمامة بندر بن سلطان، ورمز النزاهة والطهارة عبد الحليم خدام، وفارس الحمية الاخوانية رياض شقفة الذي اعلن بكامل ذبذبات صوته عبر اثير اذاعة سوا، ان جماعته ترفض محاورة القاتل بشار الاسد، ولكنها ترحب بالحوار مع الولايات المتحدة التي لم تتلوث اياديها بنقطة دم واحدة في كوريا وفيتنام وفلسطين (بالوكالة) والعراق وافغانستان وباكستان وكامل امريكا اللاتينية. كان المأمول - وما يزال - ان يبادر المرشد العام (المصري) لاكبر حركة شعبية تحظى بدعم الشارع العربي واحترامه، الى ترؤس لجنة من قادة الجماعة واحرار العرب، بغية التوسط بين الحكم السوري ومعارضيه، والاسهام في تخليق القواسم المشتركة وتحقيق المصالحة والوئام والسلام الاهلي في سوريا الابية التي يُفترض انها على تحالف دائم مع الحركة الاسلامية بشقيها السني والشيعي في فلسطين ولبنان والعراق، والتي يُفترض ان يختلف التعامل معها، في هذه النقطة تحديداً، عن مصر مبارك، وتونس ابن علي، وليبيا القذافي، اذ ليس من العدل والعقل وضع الانظمة العربية كلها في سلة واحدة. مشكور حزب الله في وقوفه الحازم الى جانب الحكم السوري، ولو من قبيل الوفاء ورد الجميل.. فالوفاء في زمن الجحود والغدر ونكران الجميل قيمة مبدئية واخلاقية سامقة وشاهقة وبالغة العظمة.. غير انني تمنيت لو نهض القائد المجاهد حسن نصر الله بمهمة الوساطة والمصالحة الوطنية في سوريا، نظراً لما يتمتع به من شعبية ورمزية هائلة في طول الوطن العربي وعرضه، خصوصاً بعدما انهارت خرافة التضامن العربي، وغابت المرجعيات القيادية العربية عن دورها التوفيقي، وحل التربص والتآمر محل التساند والتناصر بين حكام الاقطار اليعربية. انقلبت دنيانا العربية، واختلت القيم والمقاييس والموازين، وحضرت مقولة الحق الذي يراد به الباطل، وعاد زمن المندوب السامي والاستعمار القديم، وفاحت روائح احمد الجلبي ورهطه حتى زكمت الانوف، ودخل على خط الثورات العربية الباسلة والبريئة رتل طويل من الذئاب والثعالب والعناكب وتجار المناسبات الدامية، ورأيت فضائيات رعيان النفط الذين قبروا شعوبهم في اقبية القرون الوسطى، تدفع الناس افواجاً للارتواء من >نهر الجنون



تعليقات القراء

محمد الجبوري
ءان ما يحدث في سوريا اعصار عاتي يجعل سقوط النظام خلال فترة وجيزة امر حتمي. هل يمكن لتوريث الجمهوريات ان يجعل الوارث سيدا شرعيا, هل لمحرري الجولان وهزيمة البقاع 1982 والذي قاتل تحت مظلة الانجلوساكسون لتحرير الكويت خدمة لطهران انصار ومدافعيين , وكيف يكون ذلك بغير قلب المشهد الحقيقي ورسم صور زائفة, وبطولات كرتونية. لقد سقطت الاقنعة. وازف وقت الحقائق. امل ان نصطف جميعا مع كرامة العربي اينما كان فبغير ذلك نسقط في الوحل. لابواكي للنظام في دمشق سوى ملالي قم وازلامهم. النصر لشعب سوريا الحر, ان النظام الذي يكابر سيسقط اقرب مما يظن اللاهثين وراء صمود الديكتاتوريات. اسجل عتبي على السيد الكاتب واتمنى علية الوقوف مع كرامة شعب سوريا البطل وليس مع نظام لاينتمتي الى شعبة. ليستعد جلاوزة دمشق للرحيل وليحجزوا اماكن لهم في طهران فلم يعد لديهم اي شرعية فلقد اوشكت مسرحية الرعب على النهاية وانتظار اسدال الستار مع التحية.
19-07-2011 12:37 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات