" الفيس بوك" و زمن "المجالس مدارس" .. !!


لا ننكر على الأجيال الجديدة حياتهم الخاصة وتعلقهم بتطورات العصر التي ولدت بولادتهم ، والتعامل معها بما يتناسب وقدراتهم الفكرية والثقافية .. ولا ننكر أيضاً على الأجيال التي تكبرهم سناً وباتوا تائهين بين جيلين مختلفي الأبجديات الثقافية والحياتية ، فتارة تجدهم يعودون بذاكرتهم للذي كان وما قد نشئوا عليه من عادات وتقاليد تشربوها من أبائهم وأجدادهم والبيئة التي كانوا يعيشون بها ، وتارة أخرى ميلهم لمواكبة التطور والإنفتاح التكنولوجي الذي بات في حكم المؤكد دخوله وبدون استئذان بيوتنا من أوسع أبوابها .. والسيطرة على هذا الدخيل لحياتنا لم تعد بالإمكان إلاّ عبر وسيلة واحدة هي درجة الشفافية التي تتعامل بها مع أفراد أسرتك ..!!

عندما غزى \" التلفاز \" مجتمعاتنا العربية وحياة البعض منها في ستينيات القرن الماضي قالوا لنا الكبار إنه من عمل الشيطان ، وقبل أن ينتشر كثيراً في مطلع السبعينيات ، وكنا نسمع عنه أو أذا سنحت لنا الفرصة وشاهدناه في بيوت إقطاعيي ذاك الزمان ، كنا نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، لشعورنا أنه من أعمال السحر والدجل والعياذ بالله ، فلم تكن قدراتنا العقلية حينها تستوعب تلك التكنولوجيا بعد ، بل كنا أبعد من ذلك بكثير كنا نحاول نفتح صندوق التلفاز لنرى الشخوص الذين يظهرون على شاشته ، معتقدين إنهم يختبئون في مكان ما بداخله ..!!

فواقعنا الطفولي كان مرتبطاً كلياً بأسلافنا الذين سبقونا .. وأحاديث الآباء والأجداد في مجالسهم التي كانت بمثابة التلفاز الذي نستقي منه ثقافاتنا اليومية .. بلّ رسخوه فينا بمفهوم \" المجالس مدارس \" ، وكرست جداتنا عبر قصصهن لنا عند النوم هذا المفهوم ، بذريعة أنها المجالس التي نتعلم منها الرجولة وأحاديثها ، وبقيّ هذا المفهوم ملتصقاً على صفحات أجسادنا بكل ما فيها من انحناءات تطورت بعكس تطوّر الحياة .. !!

وذاك التغني بأمجاد الوطن ، والتباهي بحِكَمِ رجال ذاك الزمان وما فيها من معانٍ تمجد الأوطان وتتفاخر بإرثها الحضاري عبر التاريخ .. رجال لم يعرفوا إلاّ المثل العليا في كيفية التعايش لرفع شأن الأمة .. والتحدي لكل الظروف القاسية التي كانت تعصف بالمنطقة واتساع هوة الفراغ الأمني نتيجة احتلال جغرافيتنا العربية ، ابتداءً من الحكم العثماني إلى الاستعمار الغربي بكافة أشكاله ، العسكري و السياسي والاقتصادي والثقافي وووو .. وانتهاءً بالاحتلال الصهيوني لفلسطين وما نتج عنه من ويلات وحروب وتشريد .. إلاّ أنه ورغم كل هذه الأحداث ، لم تؤثر على عقيدة ومبادئ رجال ذاك الزمان .. وبقيت اللّحمة بينهم كتلك التي توارثناها عن هؤلاء الأجداد الذين غادروا وأورثونا حسهم الوطني والأممي لنورثه بدورنا لأجيال المستقبل .

نتألم كثيراً على ما عانوا وتألموا في الماضي ، وبذات الوقت نفتخر لتضحياتهم وتفانيهم ، ونستقي العبر والمفاهيم الجميلة منها .. فعجلة الحياة لا بد من أن تسير ، ولكل زمان مفاهيم ومفردات يتعايش معها الإنسان ، تختزن في ذاكرته ليدور الزمن من جديد ويحتاج استرجاعها كلما أتعبته أعباء الحياة ..!!

وللأسف .. قد نكون في عصرنا الحالي لم نعي تماماً فكر الأجداد وما كان يدور في خلدهم .. و نجهل مفاهيمهم الإرثية التي كانوا يسعون لتأصيلها فينا ، بل البعض يعتقد أن الإرث هو ما قد يُوَرِثه هذا الجدّ لأبناءه أو لأحفاده من من أطماع البشر الدنيوية ، قد تكون الحاجة والظروف الصعبة لها دور في هذا المفهوم .. ولكن ليس على حساب المفاهيم والأصالة التي تربينا عليها .. وما قد نرثه عن أجدادنا من مفاهيم \" المجالس مدارس \" أكبر بكثير من تلك المفاهيم التي تنطوي على حب الذات .. !!

لا ننكر أننا في زمن أصبح الماضي والحاضر فيه في متناول اليد ، والمستقبل قد يكون في عالم تكنولوجيا الإنترنت ليس بالمستحيل .. بعد أن كان التكهن به بمثابة العصا السحرية ، وأصبح فيه كل شيء مباح بكل أبجديات المعرفة ، ومن ألفها إلى ياءها .. وكأن كلَ ما تعلّمناه من زمن \" المجالس مدارس \" قد ولّى من غير رجعة ، وبات ما يعرف في عصرنا الحالي بـ \" الفيس بوك \" هو مجلس ومدرسة الأجيال الجديدة ، يتسامرون عبر صفحــاته ويتبادلون ثقافات وسياسات دخيلة على ثقافاتنا العربية والإسلامية وينهلون منها وبشتى توجهاتها دون رقابة أو حدود ممكن السيطرة عليها ، بل ساعدت \" باعتقادي \" إلى تراجعنا إلى عصر كنا نتمنى الخروج منه ، وبذلنا الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى المرتبة الدنيا من أمن أمتنا العربية واستقرارها ، وهذا ما حصل بالفعل إثر الثورات التي حصلت في بعض البلدان العربية وأدت إلى سقوط أنظمتها ، دون إدراك للعواقب الوخيمة التي قد تنشأ إثر إشعال هذه الثورات غير المدروسة وغير المسؤولة لما بعد سقوط أنظمتها ..!!

إلاّ أنني وبكل فخر أعتز بتلك المفردات والمفاهيم الاجتماعية التي كان الآباء والأجداد \" يرحمهم الله \" يغرسوها فينا في ذاك الزمان وحكايات جدّتي الأسطـورية ذات السرد الطويل .. والتي لم يعرفها \" جوجل \" بعد .. وستبقى راسخة في وجدانيات ذاكرتنا المكانية والزمانية رغم كل التطورات التكنولوجية التي لم نأخذ منها سوى سلبياتها وتركنا الغرب يلهون بنا كما الكورة يقذفون بنا كيفما شاءوا .. إن الإعتدال في استخدام الإبتكارات التكنولوجية الجديدة ومواكبة تطوراتها أمر إيجابي وجميل شريطة أن لا يكون على حساب مفاهيمنا السماوية ، وعاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها وورثنا سيرها من الأجداد ..!!

akoursalem@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات