لغة الاقصاء والتخوين


جراسا -

شيء مؤكد وطبيعي ألاّ يكون هناك اجماع على شيء ما. هذه الطبيعة البشرية، وهذا أمر مستقر عند كل البشر، حيث لا يمكن أن تتفق جماعة ما بالاجماع على لون أو طعم أو جمال أو قبح أو أداء، لكن المهم أن يكون هناك احترام في الاختلاف وقبول ومن ثم نزول عند رأي الأغلبية. بمعنى: لا مانع من أن تحتفظ بقناعتك وتسجل تحفظك على ما يتعارض مع هذه القناعة، لكن ليس من حقك أن تجبر الاغلبية على أن تنصاع لرأيك. وبغير ذلك فإن المعارضة تصبح معارضة ارهاب وتخريب وغوغائية تجسد ثقافة الفوضى التي تريد أن تكسر أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية. الذي يعني أن رأي الأغلبية هو الذي ينبغي أن تكون له الغلبة.
ما شهدناه ونشهده هذه الأيام -على خلفية الموقف من تصويت مجلس النواب على نتائج التحقيق في ملف \"الكازينو\"- وحيث أن لكل نائب موقفه ورأيه الذي اتخذه بناء على قناعاته، فإن الأمر الى هنا يوجب احترام هذا الرأي وتلك القناعات، لكن ما حدث إثر تلك الجلسة - حسب رأيي الشخصي- يوحي أن البعض غير مكترث بثوابت الديمقراطية وركائزها وأصولها التي تؤكد كلها ضرورة احترام رأي الاغلبية، من خلال نهج سياسة التأزيم، ووضع العصا في العجل، وكان رأينا حتى تلك اللحظة أن ما يحدث ردة فعل على غاية في نفس \"يعقوب\" لم تتحقق، فنحن لسنا مع أية حكومة أو رئيس وزراء وفي نفس الوقت أيضاً لا نتهم جزافاً بناء على مواقف أو تصفيات حسابات شخصية، أما وقد لاحت في الأفق مفردات وخطابات لا مستقبل لها ومنتهية الصلاحية والفعالية السياسية، وبانت لغة اقصائية تخوينية تلغي الآخر ورأيه وتستلهم أسسها المعرفية والسياسية من لهجة زرع بذور الشك والريبة وخلط الاوراق، فإن النوايا تكون قد تكشفت، وتدل على القصور السياسي في تبني وصناعة خطاب سياسي مميز مستند إلى أسس سياسية ديمقراطية، وربما اذا جاز لي أن أجد عذراً لما حدث، فإني أعتقد أن الغاية - وعلى حساب تشويه وتخوين الآخرين - هي تسلّق \"عربشة\" بعض المواقف الشعبية. دون الاكتراث بالظرف الدقيق الذي يحتاج من الجميع التروي والحكمة.
لعله لا يخفى على أحد بأن ثقافة التخوين أمر يسوق تلقائياً لممارسة الفعل الشرير إبتداءً من \"الكيد\" سواء كان سياسياً أو شخصياً وحتى القتل؛ لأن من تتملكه نزعة تخوين الآخر لا يترك في نفسه مساحة من الضوء لإفتراض حسن النوايا، ولا يعرف للتسامح دورباً، كما أن ثقافة التخوين فعل يمكّن فاعله من إستخدام سلاح القتل المعنوي وإغتيال الشخصية بكل يسر ودون أن يرمش له جفن. ويمنح صاحبه إشارة المرور لممارسة كل أنواع القبح الإنساني وبأقذر الأسلحة الممنوع تداولها أخلاقيا وإنسانياً. وهنا تتفشى آفه خطيرة. إذ نرى سيوف وسهام التخوين تتوجه بصيغة متطرفة قد نصل من خلالها الى نفق مظلم. ومن هنا جاء التدخل الحكيم لرئيس مجلس النواب دولة الأستاذ فيصل الفايز، الذي ورغم كل المحاولات غير البريئة لزجه شخصيا ليكون طرفا، إلا أنه وبحكم موقعه كرئيس للمجلس، ولحكمته وحنتكه وخبرته، تجاوز عن كل تلك \"الحركشات\" وآثر أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، فكان قرار التروي وتقريب وجهات النظر، وفق قاعدة أن الاختلاف سنن كونية ومَن له وجهة نظر قد يكون مصيب بها وقد تكون الطريقة التي يريد الوصول بها الى تحقيق الهدف هي الأسلم، وإن كانت وجهة نظر من خالفنا خطأ فلا يلزم ذلك بأن ننفيه عبر خطابات سياسية غير متوازنة ونشر شهادات حسن السلوك والوطنية ممهورة بختم هذا أو ذاك. ووجوب العمل وفق قواسم مشتركة تجمع ولا تُفرّق.
على أية حال، إن ما حدث بشكل عام - باستثناء محاولات البعض لخلط الأوراق- يُعدّ اضافة وتجربة ديمقراطية جديدة، وكل ما نتمناه أن نكون على مستوى الحدث ونستمع جميعاً الى بعضنا البعض ويحترم كل طرف منّا رأي الأخر، حتى لا نختلف ونتجادل ثم نتشابك ثم يحارب بعضنا بعض. والحمد لله الذي فضلنا على كثير من خلقه بنعمة العقل والمنطق بدلا من السير بمنطق الشعارات، والحمد لله الذي جعلنا نقول \"لا\" ونحن نعرف لماذا قلناها وموقن بها قلبنا وجعلنا نميل الى أن نمارس سيادتنا بأنفسنا بدلا من أن نرهن ارادتنا الى غيرنا.



تعليقات القراء

ابو فيصل
هذا المقال رائع, اني بالجديد صرت اتابع اخباركم ومقالاتكم المختارة ووجدتكم شرفاء رائعين يا جراسا.
07-07-2011 06:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات